تحول تاريخي في الوضع السياسي الداخلي الاسرائيلي بعد ان نجحت مجموعة من الاحزاب المتناقضة سياسيا و ايديولوجيا التوافق فيما بينها على تشكيل حكومة هدفها الاساسي و ربما الوحيد هو اقتلاع نتنياهو من بيت رئيس الوزراء في شارع بلفور بالقدس .
خلال فترة حكم نتنياهو التراكمية التي وصلت الى خمسة عشر عاما ، وهي اطول حقبة لاي زعيم اسرائيلي في المنصب لم يعد احد من السياسيين يثق به او يثق بوعوده او يثق بسلوكه. الانطباع عنه انه يمثل هذا النوع من السياسيين اللذين على استعداد ان يدمروا الحزب و يدمروا الدولة و مؤسساتها من اجل مصلحتهم الشخصية و مصلحة عائلته. سياسي لا يعرف الخجل و لا يعرف الحرج ، غارق في الفساد حتى اذنيه لا يعرف الاستسلام رغم انه جبان و قابل للابتزاز من خصومه.
اتفق لابيد زعيم حزب هناك مستقبل الذي يمثل الطبقه الوسطى و ما فوق في تل ابيب مع حزب نفتالي بينت الذي يمثل الصهيونية الدينية الذي يدعم الاستيطان و يقف بقوة ضد حل الدولتين مع نقيضه حزب ميرتس الذي يمثل اليسار و يرفض الاستيطان و يدعو الى اقامة دولة فلسطينية على حدود ٦٧ ، اضافة الى حزب امل جديد الذي يقوده جدعون ساعر الاكثر يمينية من نتنياهو ، مع حزب ليبرمان الذي يدعو الى ترحيل وادي عاره و مع حزب العمل الذي استطاعت زعيمته الجديدة ميراف ميخائيلي اعادته للحياة بعد ان اعلن عن وفاته ومع بقايا حزب ازرق ابيض الذي يمثله وزير الجيش بيني غانتس ، مع حزب عربي لاول مره يشارك في حكومة اسرائيلية وهو القائمة الموحدة التي يقودها منصور عباس.
اتفق الجميع على هدف واحد ووحيد وهو خلع نتنياهو من منصبه و تشكيل حكومة
هي الاغرب في التاريخ السياسي الاسرائيلي . فرصتهم في النجاح كبيرة حيث رغم محاولاته السيطرة على القضاء و تحريضه على معارضيه الا انه في دولة المؤسسات و دولة القانون الاساس هو الفصل بين السلطات مهما كانت نزوات الحاكم و ديكتاتوريته وفساده الا انه يبقى مقيد اليدين.
نتنياهو لو كان بيده لأمر باعتقال معارضيه و اغلاق مكاتبهم و سحب مرافقيهم و اتهامهم بالعمل ضد المصالح العليا للدولة و لقطع رواتبهم و اصدر القوانين التي تشدد من قبضته هو وزمرته على السلطة. لكنه لم يستطع لان الاجهزة الامنيه هناك تعمل من اجل مصلحة الدولة و ليس من اجل مصلحة الشخص، و يحكم سلوكها القانون و ليس الزعيم والاهواء الشخصية ، لذلك تم تعزيز الحراسات على قيادات الاحزاب المعارضه له وفقا لتقديرات الامن وليس سحب مرافقيهم واعتقال مناصريهم .
تمرد عليه جدعون ساعر من داخل الحزب ، و شكل قائمة مستقلة و سيكون احد الاسباب الرئيسية في اقتلاعه ، كل اللذين وقفوا ضده من داخل الحزب في حينه داعمين للدكتاتور نتنياهو سيرفعون له القبعه لشجاعته وسيعترفون بجبنهم و تخاذلهم .
بعض الملاحظات على هذه الحكومة و مستقبلها و سياستها.
اولا: ليس هناك شك بأن هذه الحكومة على الارجح لن يكون عمرها طويل حيث بمجرد تحقيق الهدف الاساسي من تشكيلها وهو اقتلاع نتنياهو سيبدأ العد التنازلي لتفكيكها و تشكيل حكومة جديدة او الذهاب الى انتخابات جديدة .
ثانيا: قبل ان تحظى هذه الحكومة على ثقة الكنيست خلال الاسبوع المقبل سيقاتل نتنياهو حتى اخر رمق من اجل عدم حصولها على هذه الثقة. الخيار الوحيد امامه هو سرقة بعض اعضاء الكنيست من حزب يمنيا او جدعون ساعر . هذا الامل يتلاشى وتكاد تكون الفرصه معدومة.
ثالثا: بعد منح الحكومة الثقة ويخسر الليكود السلطة و تخسر قياداته المناصب و الامتيازات سيبدأ السامر الانفضاض من حوله و ستشرع السيوف في وجهه و سيبدأ الصراع على قيادة الحزب . لن يستسلم نتنياهو ولكنه سيكون قد فقد سلطته و نفوذه و بريقه و سيغادر المشهد السياسي يخوض معركته الاخيرة في المحاكم الاسرائيلية دون غطاء من حزبه او منصبه او وزير عدله او زير الامن الداخلي اللذان شكلا له غطاء .
رابعا: الى ان يتم اقتلاع نتنياهو وعزله من الليكود و اختيار زعيم جديد قد يكون اسرائيل كاتس او نير بركات وقد تكون المفاجأة بعودت جدعون ساعر منتصرا الى الليكود بعد ان حررهم من نتنياهو.
خامسا: هذه الحكومة ستتجنب اتخاذ قرارات لها علاقة بالصراع مع الفلسطينيين و تركز على ترميم ما دمره نتنياهو داخليا الى ان تنهار. بما في ذلك ستكون اكثر حذرا في اتخاذ قرارات حرب او عدوان . هذا الامر منوط بنجاح الجهود المصرية في تثبيت التهدئة و اتمام وصفقة تبادل اسرى و اعادة الاعمار و فك الحصار.
سادسا: لاول مره في التاريخ الاسرائيلي تعتمد الحكومة الاسرائيلية على اصوات عربية بشكل مباشر و يكون وزير عربي من حزب عربي . وهنا سيسجل التاريخ ان نتنياهو ارتكب خطأ استراتيجي عندما بدأ هو بالتفاوض من اجل انضمام منصور عباس لحكومته مما يجعل قيادات الليكود يضعون في فمهم الماء قبل انتقاد انضمام عباس لحكومة لبيد-بينت. نتنياهو هو من شرعن للبيد و بينت الاعتماد على جزء الصوت العربي دون حرج. في السابق كان هذا الامر بمثابة جريمة بالنسبة للاحزاب الاسرائيلية الصهيونية.
سابعا : لاول مره منذ سنوات ستكون هناك حكومة اسرائيلية بدون الاحزاب الدينية الحريدية ، شاس و يهدوت هتوراه . حلفاء نتنياهو الاوفياء في الاعوام الماضية. هذا يعني انهم سيحرمون من كل الامتيازات المادية التي كانوا يتمتعون بها و سيفقدون قدرتهم على ابتزاز الدولة.
خلاصة القول هذا التجمع من الاحزاب المتناقضة اتفقوا على انقاذ الدولة و مؤسساتها و السلم المجتمعي فيها من براثن شخص كذوب فاسد و مفسد استغل سلطته بشكل بشع لمصالحه الشخصية. تجمع احزاب تنازل كل منهم قليلا عن مبادئه و برامجه الحزبية و بحثوا عن القليل من القواسم المشتركة فيما بينهم و تمسكوا بها رافعين شعار ان الدولة و بقاءها و الحفاظ على نسيجها اهم من الاشخاص مهما على شأنهم و مهما كانت رغبتهم بالتمسك بتلابيب السلطة .