وحتى قبل الموعد المحدد للمؤتمر الصحافي الخاص بإعلان اتفاق المصالحة في العاصمة المصرية، كان الجمهور الغزي قد خرج إلى الشوارع قبل إعلانه رسمياً، معبرين بوسائل عديدة عن فرحتهم وتأييدهم وآمالهم العريضة بهذا الاتفاق، ومع أني أعتقد أن هذا الحراك كان أقل من التقديرات، إلاّ انه على أي حال يترجم مشاعر المواطنين ورهاناتهم على أن هذا الاتفاق سيخلصهم من الكارثة والمعاناة التي حلت بهم على كافة الأصعدة طوال أكثر من عقد من الزمن، إلاّ أنه من اللافت في هذا السياق، أن الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية، لم يشهد مثل هذا الحراك الشعبي، الأمر الذي يشير إلى أن الانقسام كان أكثر صعوبة ومأساوية في القطاع دون الضفة، على الأقل فيما يتعلق بحرية الحركة والتنقل والخدمات. الجمهور الغزي نظر إلى المصالحة باعتبارها نهاية مرجحة ومأمولة لمأساته المعيشية، بينما في الضفة، كان ينظر إلى المصالحة ببعدها السياسي، من خلال حراك التجمعات الفصائلية، دون الجماهيرية، وربما يشكل هذا الفارق، إحدى أهم تجليات الانقسام السلبية على الطابع المجتمعي بين ضفتي السلطة الوطنية الفلسطينية.
حديث متواصل عن الحكومة، وفاق أم اتحاد أو وحدة وطنية، تشكيلها المحتمل، موقف حركة حماس، مشاركة مباشرة أم غير مباشرة مع حق الفيتو، موقف حركة حماس من الحكومة المرتقبة، يعيد إلى الأذهان عبارة رئيس الحركة إسماعيل هنية في سياق مختلف: «تركنا الحكومة ولم نترك الحكم»، هذه العبارة تم قلبها تماماً، لتشير إلى مدى الانقلاب الهادئ والأبيض الذي أصاب حركة حماس، إذ بات الشعار، ضمنياً «تركنا الحكم ولم نترك الحكومة» ولعل في هذا التغيير المتمثل في عبارة وصياغة، ما يختصر إلى حد بعيد مقدار المتغيرات التي حدثت في حركة حماس، ولعل هذه العبارة تحمل من المضامين المتعددة ما يجعلها عنواناً لعملية المراجعة التي أجرتها حركة حماس من خلال ما ورد في وثيقتها السياسية التي تم الإعلان عنها قبل بضعة أشهر، والتي بدورها ـ كما نعتقد ـ لها التأثير على طبيعة ونتائج الانتخابات الداخلية للحركة، وما أفرزته من شخوص وقيادات دفعت بالحركة إلى هذا المتغير الجوهري والذي أدى إلى إنهاء حالة الانقسام.
وكان الوفد الأمني الإسرائيلي الذي وصل إلى القاهرة، مع بدء مباحثات المصالحة، محل أحاديث حول هذا التزامن الملفت، ومع أن مباحثات المصالحة ما كان لها أن تمنح أي وقت إضافي لدراسة مسألة تبادل الأسرى والمعتقلين، إلاّ أننا نرى في هذا التزامن وفي أسبابه ومبرراته شأناً إسرائيلياً داخلياً بالدرجة الأولى، عائلات الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، اعتبرت المصالحة الفلسطينية إيجابية نظراً لإمكانية أن تتمخض عن صفقة تبادل، حراك على المستوى الوزاري الإسرائيلي لتعيين منسق خاص بالتبادل بعد استقالة المنسق السابق، أهالي الأسرى الإسرائيليين يحملون نتنياهو وحكومته مسؤوليته إهمال التعاطي مع هذا الملف، إلاّ أن إرسال الوفد الأمني الإسرائيلي إلى القاهرة، يرسل رسالة من قبل نتنياهو على أنه يمنح هذا الملف الأهمية المطلوبة وكشكل من أشكال الرد على كل المتشككين في سعيه لوضع هذا الملف في اهتمامات حكومته، ولا نعتقد أن هذا الملف تمت دراسته أو بحثه بالقدر الكافي في القاهرة، إذ أن الطرف الإسرائيلي، شكلي بالدرجة الأولى.
ومع بدء أعمال المصالحة، جرى حديث حول صيغتين، صيغة حزب الله في لبنان، والصيغة التونسية، للتعامل مع بعض الملفات الحساسة، كسلاح المقاومة والإسلام السياسي ودوره، إلاّ أن الجميع تناسى أو نسي، الصيغة اللبنانية، صيغ التوازنات المدروسة والمحددة، والتي يطلق عليها اللبنانيون صيغة: لا غالب ولا مغلوب، وبحيث لا يشعر طرف بالغبن وعدم الإنصاف، أو يشعر طرف بقدرته على التغول والسيطرة على الطرف الآخر، ولعل أخطر ما يمكن أن يواجه عملية المصالحة الفلسطينية، رغم كل شيء، أن ينظر طرف من الأطراف أنه منتصر في مواجهة مهزوم، غالب في مواجهة مغلوب، إذ أننا كلنا «خاسرون ومغلوبون» إذا ما اعتقدنا ومارسنا هذا الاعتقاد ونحن نتعامل مع ملفات المصالحة الحساسة!!