اعترفت "إسرائيل" بمسؤوليتها عن تدمير المفاعل النووي السوري في دير الزور عام 2007، بعد اخفاقها استخبارياً لعدة سنوات، حيث اكتشف المشروع النووي السوري بمحض صدفة، ونتيجة "خطأ بشري" سوري.
وبعد الفشل المدوي للأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية في اكتشاف البرنامج النووي الليبي، الذي تخلى عنه الزعيم الليبي في حينه، معمر القذافي، تبين أنها فشلت في اكتشاف أمر المفاعل النووي السوري.
وجاء اكتشاف المفاعل النووي في سوريا، في أعقاب مراجعة شاملة لما يحصل مؤخرا في المنطقة، وبضمن ذلك جولات عالم الذرة الباكستاني، عبد القدير خان، في المنطقة، بما فيها سورية والسعودية ومصر.
ونقلت صحيفة "معاريف الإسرائيلية"، عن محلل الشؤون الأمنية يوسي ميلمان، أن قرار تدمير المفاعل النووي السوري في دير الزور ظل طي الكتمان، بموجب قرار المستويين السياسي والعسكري، والذي نفذه سرب "بطيشيم" (المطارق) في سلاح الجو الإسرائيلي، في حملة أطلق عليها عدة أسماء خلال عمليات التدريب لتنفيذها، بينها "خارج الصندوق" و"عزف هادئ"، وفق توصيف الجنرال "ت"، نائب قائد السرب الذي نفذ العملية، ويشغل اليوم منصب "مدير دائرة المشاركة في وحدة العمليات في سلاح الجو".
ويشير إلى أنه في ساعات المساء المتأخرة من الخامس من أيلول/سبتمبر عام 2007، حلقت 8 طائرات حربية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي باتجاه البحر المتوسط، وهي محملة بصواريخ دقيقة وقنابل، يرافقها طائرات اعتراض وتجسس وحرب إلكترونية وتحكم وسيطرة. وبعد تحليق دام نحو ساعة ونصف وصلوا الهدف، وخلال غارتين، عن بعد وعن قرب، ألقيت الحمولة المتفجرة على الهدف، وتم تدمير المفاعل لإنتاج البلوتونيوم للسلاح النووي خلال ثلاث دقائق.
وفي طريق عودة الطائرات تم إبلاغ القيادة السياسية والعسكرية في "الكرياه" في تل أبيب بإنجاز المهمة عن طريق كلمة السر "أريزونا"، بينهم رئيس الحكومة إيهود أولمرت، ووزير الأمن إيهود باراك، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، ورئيس أركان الجيش غابي أشكنازي، وقائد سلاح الجو إليعزر شيكدي، ورئيس الاستخبارات العسكرية عاموس يدلين، ورئيس الموساد مئير دغان، وضباط آخرون.
ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن تدمير المفاعل، وكانت كل التقارير تعتمد على مصادر أجنبية، حتى سمحت الأجهزة الأمنية مؤخرا بالحديث عما حصل خلال السنوات والشهور التي سبقت عملية تدمير المفاعل، باستثناء بعض التفاصيل العملانية والاستخبارية التي تقرر إبقاؤها سرية.
وقد تقرر نشر هذه التفاصيل في أعقاب التماس إلى المحكمة العليا من قبل صحافيين ضد الرقابة العسكرية. وبعد إجراء مشاورات مع مسؤولين أمنيين، تقرر السماح لوسائل الإعلام الإسرائيلية بالنشر، خاصة وأن سورية ليست في وضع يمكنها من الرد العسكري على ذلك.
وأوضح ميلمان أن "هذا الإنجاز العسكري – السياسي – الاستراتيجي"، الذي "يعتبر ضمن أهم الإنجازات في السنوات السبعين لإقامة الدولة" قد أنجز بعد أن بدأ بإخفاق استخباري. وأشار إلى أن مسؤولين في الأجهزة الاستخبارية يتحدثون عن "قصور بحجم القصور في حرب 1973"، بحسب تمير باردو، الذي أشغل منصب رئيس الموساد في السنوات 2011 حتى العم 2016.
وبحسب باردو، فإن سورية عملت لسنوات على بناء مفاعل نووي دون أن تعلم إسرائيل بذلك. ويقول "لم يبن هذا المفاعل على الجانب المظلم للقمر، وإنما في دولة مجاورة اعتقدنا دوما أننا نعرف كل شيء عنها".
ويقول رام بن براك، الذي كان أحد المسؤولين في جهاز "الموساد"، إن أحدا لم يكن يعرف بشأن المفاعل، إلى حين حصل عملاء الموساد على "معلومة ذهبية" مفاجئة.
ويؤكد ذلك رئيس أركان الجيش السابق، غابي أشكنازي، الذي تسلم مهامه في شباط/فبراير من العام 2007، خلفا "لدان حالوتس" الذي استقال من منصبه في أعقاب الحرب العدوانية على لبنان في صيف عام 2006. وبحسب أشكنازي فإنه عندما تسلم مهام منصبه تلقى تقريرا من الاستخبارات العسكرية والشاباك والموساد يتناول شبهات بشأن انشغال سورية بالنووي، ولكن لم يكن هناك أي إثبات، ولم يكن النووي السوري أمرا ذا أهمية.
في المقابل، فإن الاستخبارات العسكرية التي كان يترأسها يدلين ترفض هذه الادعاءات. ويقول الجنرال "درور شالوم"، الذي يترأس اليوم شعبة الدراسات في الاستخبارات العسكرية وفي حينه كان مسؤولا عن سورية في الشعبة ذاتها، إن الكشف عن المفاعل هو أحد أكبر إنجازات الاستخبارات العسكرية بشكل خاص، والاستخبارات الإسرائيلية عامة.
المصدر : عرب 48