يسعى الفلسطينيون للانفكاك من عادةِ تنوع العملات الأجنبية "الرئيسية" التي سيطرت عليهم لسنوات طويلة، رغبةً منهم لاعتماد عملة فلسطينية واحدة لكي يستخدموها في كافة مناحي الحياة.
وإبان حرب الـ "67" ووقوع قطاع غزة والضفة الغربية والقدس تحت الاحتلال الإسرائيلي، اعتاد الفلسطينيون في تعاملاتهم المالية على ثلاث عملات رئيسية وهي: الدينار الأردني والدولار الأميركي والشيكل الإسرائيلي، إذ يميل البعض منهم، وخاصة كبار السن بقوة إلى العملة الهاشمية التي نجحت في فرض نفسها في فلسطين إلى يومنا هذا.
ويرتكز المواطنون على العملات الثلاثة، بشكل أساسي مقابل الحصول على السلع والخدمات الاقتصادية.
ويستخدم "الدينار الأردني" عند شراء الأراضي والمنازل والمركبات القديمة أو لدفع مهور زواج، فيما يستخدم "الدولار الأميركي" لشراء المركبات الحديثة والشقق السكنية، لكن "الشيكل الإسرائيلي" يستخدم كعملة تجزئة أساسية.
ويتحدث المختص في الشأن المالي الحسن بكر لـ"الوطنيـة"، أن البيئة المالية في فلسطين بشكل عام هي متعددة العملات لعدم وجود عملة فلسطينية محلية يعتمد عليها المواطنون بشكل رئيسي.
وأوضح أن اعتمادهم على عملة الدينار الأردني جاء نتيجة (العادات والتقاليد) التي ورثوها عبر الأجيال منذ فترة الحكم الأردني للضفة الغربية، إذ تأثروا بها وجعلوها نمط في أمور حياتهم نظراً لسهولة تعامل البنوك والمصارف الفلسطينية معها.
وتطورت العملات عبر العصور، وكان لها أشكال عدة فبدأت من تبادل السلع ثم تبادل المعادن الثمينة كالذهب والفضة، وأخيراً العملات الورقية المعمول بها حالياً، والشيكات وغيرها من أشكال العملة الورقية، وما زالت في تطور نحو استخدام الأساليب الحديثة في التبادل التجاري كالنقود الإلكترونية وغيرها.
العادات والتقاليد
ويتمسك الفلسطينيون بالدينار الأردني رغم توسع استخدام الشيكل الإسرائيلي والدولار الأميركي في المعاملات اليومية في غزة، بسبب العادات والتقاليد لديهم في الزواج وشراء الأراضي، وفق ما قاله بكر.
ويشير بكر إلى أن أزمة العملة الهاشمية التي بدأت في الثمانينيات من القرن الماضي، أجبرت الفلسطينيون على تحويل مدخراتهم المالية من العملة الأردنية إلى الإسرائيلية واعتمادهم بشكل كبير عليها وهذا ما ساعد في انتشارها.
وفئات كبيرة تعتمد على العملة الأمريكية وذلك يعود إلى استغناء عدد كبير من المواطنين عن عاداتهم في التعامل مع العملة الأردنية، واستخدام التجار والمستوردين للدولار، بالإضافة إلى توسع عمل المؤسسات الدولية والمحلية، والتحويلات المالية المرسلة من الخارج، بدون أدنى شك أن هذه العوامل ساعدت بشكل كبير على انتشار هذه العملة واعتمادهما في كثير من مناحي الحياة.
ويقول بكر إن: اتفاقية أوسلو التي أفرزت اتفاقية باريس الاقتصادية نصت على اعتماد الشيكل الإسرائيلي في الاقتصاد الفلسطيني كعملة رئيسية وأساسية، بالإضافة إلى أنها هي العملة الوحيدة التي يتوفر منها فئات مالية صغيرة القيمة كـ"الشيكل" و "نصف الشيكل".
ويضيف:" في حال سعت سلطة النقد الفلسطينية لإطلاق عملة فلسطينية في ظل وجود الاحتلال، فإن ذلك يعتبر خطوة خطيرة، لأن عدداً كبيراً من المختصين والاقتصاديين الفلسطينيين قد رفضوا هذه الخطوة، وقالوا إنه من المبكر جداً الحديث عن إطلاق عملة فلسطينية خاصة في ظل الاعتماد على العملات الثلاث، وعدم وجود مقومات اقتصادية قوية وحماية لها في ظل العملات الدولية الضخمة".
ومن المعروف لدى الجميع أن تجارة العقارات في فلسطين تعتمد على العملات الثلاث التي خصصناها في تقريرنا ويضاف إليها العملة الأوروبية "اليورو" مقتصرة التداول بغزة، ولكن حينما قابلت "الوطنيـة" تاجر العقارات خالد إسليم أكد بأن عددًا كبيرًا من التجار يعتمدون على "الدينار الأردني والدولار الأميركي" في بيع وشراء وتبديل العقارات.
وأسباب عدة جعلت تجار "العقارات" يعتمدون على العملتين بشكل أساسي، أولها قوة تأثيرهما في السوق الفلسطيني، بالإضافة إلى لجوء المواطنين لـ "تحويش" الدولار والدينار التي تتغير قيمتهما في السوق المالي كل يوم مقابل سعر الشيكل الإسرائيلي.
ويؤكد اسليم ما كتبناه في البداية، أن الأراضي والمنازل تباع بـ الدينار منذ زمن بعيد، والشقق السكنية التي ظهرت بعد تأسيس السلطة الفلسطينية عام 1994 تباع بـ الدولار، معتبراً أن العملة الإسرائيلية ضعيفة في الأعمال والتجارة.
ويرجح سبب بيع الأراضي بـ الدينار، إلى السياسة الداخلية للبلد التي تتحكم بارتفاع وانخفاض سعر متر الأرض، نظرًا لأنها عملة أكبر من الدولار مقابل الشيكل، معتقداً أن سكان غزة قادرين على الاستغناء عنها وهذا لن يكون له تأثير، "هذا الكلام لا ينطبق على الدولار".
وكان وزير المالية والتخطيط شكري بشارة، قد أكد في اجتماع عقد بتاريخ 20 مارس الماضي في العاصمة البلجيكية بروكسل، بمشاركة الدول المانحة للشعب الفلسطيني، أنّ الاستمرار في استخدام الشيكل الإسرائيلي كعملة رئيسية يشكل تهديداً للنظام المصرفي الفلسطيني.
وطالب شكري لحظتها في الاجتماع، إسرائيل بالكف عن تنفيذ السياسات التي وصفها بـ المجحفة بحق الفلسطينيين، مشيراً إلى أن البديل الوحيد المتبقي هو وضع خطة وبرنامج ممنهج للخروج بشكل منظم من استخدام الشيكل كعملة رئيسية في فلسطين.
وحاولنا التواصل مع محافظ سلطة النقد الفلسطينية عزام الشوا عن طريق مكتبه الإعلامي عدة مرات للاستفسار عن بعض الجوانب المتعلقة بالحالة المالية في فلسطين، لكننا لم نستطع لدرجة أننا شعرنا أنهم يتجاهلون التعامل مع وسائل الإعلام.
وفي حال لم ينال الفلسطينيون دولتهم المستقلة، ستبقى العملات الثلاث الوحيدة والمتداولة في السوق المالي لزمن طويل، وقتها سنجد الأجيال المتعاقبة تتأقلم مع الواقع كما تأقلموا ما قبلهم.
المصدر : عبدالله المنسي - ليث شحادة