لم تكن الأرض قاسية حين احتضنت "محمد" في طياتها لتحتويه بعد 18 عاما عاشها فوقها، استقبلته وضمته ليكون قبلة الأهل والأصدقاء والمحبين والمتذكرين له دوماً.
40 يوماً على استشهاد "محمد مازن عليان" الذي أصيب في "مليونية العودة" في الرابع عشر من مايو الماضي رفقة كوكبة من الشهداء الذين لبوا نداء الوطن، قبل أن يرتقي في الأيام الأولى من شهر رمضان المبارك.
آخر منشورات "محمد" عبر صفحته الشخصية على فيسبوك "اللهم بلغنا رمضان"، فكانت استجابة الله له بأن بلغه رمضان "جسداً" في الدنيا، قبل أن تصعد روحه للسماء في ثالث أيام الشهر الفضيل.
كثيرة هي "الشواهد" على روح "محمد" المرحة والمحبة للحياة سواء في بيته أو شارعه أو مخيمه الذي يسكن به "النصيرات"، فأطفال المسكن الذي نشأ وتربى وترعرع به لازالوا ينادون باسمه حتى اليوم وينتظرون عودته لهم كي يجالسهم ويسامرهم ويلهو معهم، فقد كان بمثابة ابن العم والأخ والصديق وحتى "الأب" لهم.
"ورود محمد"
في الفناء المحاذي لمنزل "محمد" توجد 4 شجرات لـ "ورد جوري" لطالما كان يرعاها ويرويها منذ أن قام بزرعها قبل 4 سنوات، حتى صباح يوم استشهاده.
شقيقة الشهيد "ولاء" تشعر بالاندهاش بشكل مستمر، كلما بيتت نيتها لأن تقطف من هذه الورود لتضعها على قبره في يوم زيارته، فتقول "كلما نويت قطف الورود لوضعها على القبر في اليوم التالي، وجدتها متفتحة بشكل لافت ورائحتها قوية على غير العادة" كأنها تقول "أنا جاهزة للقاء محمد".
"شهد وعلي"
كثيرة هي كرامات الشهداء التي يهديها الله لهم، ليرفع من شأنهم ويعلي من مراتبهم، والدة الشهيد "أم تامر" تقول "يا الله ما أحلى وأكثر كرامات محمد، جنازة مهيبة، وتقريبا ما ضل حدا بالمخيم إلّا وصلى عليه، حتى قبره موجود بأحسن مكان في المقبرة".
تصل الأم قبر "محمد", تتفقد حوله.. ما زال رطبا.. تحمد الله.. تطمئن أن الشجرات الثلاث ما زلن يظللن قبره.. تتسع رقعة سعادتها.. تردد "الحمد لله الشمس بتيجيش على محمد".
وتلفت أنه في إحدى الزيارات صادفت طفلين "أخ وأخت" يلهوان بجانب قبر محمد، وعند اقترابها سألاها، "خالتوا بتحتاجي إشي، نجبلك مية للقبر؟" فما كان منها إلا أن وافقت، وعند عودتهما سألتهما عن اسميهما؟، فأجابا "شهد وعلي"! لتشعر الأم بالدهشة من جانب، والفرح من جانب آخر.
فلطالما كان "شهد" أحب الأسماء إلى قلبه، فهي على اسم ابنة أخيه التي كان يداعبها بشكل يومي، بل كانت بمثابة طفلته التي لم ينجبها، أما "علي" فهو الاسم الذي كان يكنى به "محمد" والذي كان يتمنى أن يكبر ويتزوج وينجب طفلاً ليصبح "أبا علي" بحق.
إصابته في مسيرة العودة، قد تكون حرمته من ملاحقة أحلامه وأمنياته، لكنها، صعدت باسمه وبروحه، بمحبة من عرفه في حياته ومن لم يعرفه إلى العلا، فهنيئًا لمن كان رصيده عند ربه دعاءً ومحبة من الغرباء قبل الأهل والأقارب.
المصدر : الوطنية – تامر عليان