يشكل الفن محوراً مركزياً في تناول الموروث الحضاري للدول، وتبادل الثقافات للدول الأخرى، إذ بمقدوره أن يوحد ما فرقته السياسة، لكن في قطاع غزة، أصبح الفن متأثراً بالانقسام الفلسطيني كغيره من باقي مناحي الحياة، حيث أرخى بظلاله على أحلام الفنانين الذين يشكلون الوجه المنفتح على ثقافات وحضارات العالم المختلفة، وحرمهم من مشاركة فنونهم في محافل العالم.
وفي حديث مع الكاتب الفلسطيني يسري الغول عن تأثر الفن بتأخر الوحدة الوطنية قال: " للأسف الانقسام أثر على كل مناحي الحياة ومن بينها المناحي الثقافية, حيث لم يعد الاهتمام للمواطن الفلسطيني على المحتويات الثقافية, بل أصبح جل اهتمامه بترتيب شؤونه الاقتصادية والحياتية, بمعنى أن الانقسام أصبح عامل هدم للثقافة الفلسطينية ".
وأشار الغول خلال حديثه مع "الوطنية" إلى أن الانقسام جعل المثقف الفلسطيني يعيش حالة تيه بما أنه أمام خيارات كلها سوداوية فإما التبعية للراتب أو البوح برأيه الذي ممكن أن يؤثر عليه سلبا.
وأضاف "كذلك أصبحت الأدوات التي كان من الممكن استخدامها لمحاربة الاحتلال، أدوات نخاصم فيها بعضنا وقوفا بهذا الحزب أو ذاك", موضحاً أن القصص والروايات وغيرها من الأدوات الأدبية تتأثر بشكل أو بآخر بالواقع الحياتي والمجتمعي .
وتابع " أخذنا الانقسام لمربع بعيد جدًا عن القضية الجوهرية الأساسية وهي الاحتلال، فبدلًا من أن يدور الحديث عن الاحتلال، بات يدور عن الخصومات للسياسيين والأزمات الحياتية التي نواجهها سواء اجتماعية أو اقتصادية".
"الانقسام أرهق الفنانين"
على عتبة المسرح، داخل دهاليزه، يذهلنا محمد عبيد بتعليم الأطفال الدبكة الشعبية، وفي سؤاله عن أحوال الفن في القطاع بوجود الانقسام بين شطري الوطن، كانت إجابته "الانقسام أرهق الفنانين، وأصبح هناك مسح من الناحية الإعلامية والعالمية للفرق الفلكلورية وللفنانين بشكل عام داخل القطاع، لأنهم شكلوا نواة كبيرة في مجال الفن وكان لهم تأثير كبير".
وأضاف عبيد لـ "الوطنية" أن التعاملات الخارجية مع الفنانين انخفضت, ولا يُعترف بالفن الذي يقدموه, لأنهم يعتقدوا أنه يوجد في غزة كيان معادي ولا يعترف بالفن الذي تقدمه, بما أنه يوجد فيها مشاكل سياسية تعكس بظلالها على الجوانب المختلفة.
وأوضح أنه في ظل هذه الأوضاع السياسية التي سادت واقتحمت كل المجالات الفنية وطمستها وأنهكت معالمها منذ بداية الانقسام, خرجت شرائح بسيطة من الفنانين حاولوا أن يوصلوا الحالة التي يمر فيها قطاع غزة من الانقسام إلى العالم الخارجي من خلال نسج أشياء بسيطة في الفن، والتي بدورها أثرت بالشعوب الخارجية وبدأت تظهر عالميًا.
ويطمح عبيد لإنهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة النهوض الثقافي والفني في غزة ورجوع الراحة والأمان للفنان، حتى يستطيع أن ينتج ويبدع بشكل أكبر، مشيراً إلى أهمية التبادل الثقافي بين الفنانين داخل القطاع وبين المشاركين من الدول الخارجية.
"الأمل بالوحدة"
لم تخلوا أيضا كتابات الشاعرة نجلاء نجم من أملها بالوحدة الوطنية, تقول "تأثير الانقسام بدا جليا على الفن الفلسطيني، بحيث صقل وجهاً جديداً له خاصة بمرحلة الانقسام من حيث المحتوى وأساليب العرض، وتناول القضايا الهامة فطرح وجهات نظر المؤيدين والمعارضين لهذا الانقسام، ما أدى إلى انسلاخ الفن من رسالته وخروجه من عباءته الحقيقية.
وأشارت نجم إلى أنه في حالة إتمام الوحدة الوطنية المأمولة، فإن شكل الفن سيكون مطوي على عودة الوئام الفني ورسالة الفن الحقيقة التي تركز على القضية الفلسطينية والثوابت الوطنية بدلاً من الحرب الفنية التي نراها بين فريقي الانقسام.
وتتحدث نجلاء عن هدفها الفني، بقولها " هدفي لا يختلف عن الهدف الحقيقي الذي خلق الفن لأجله، فنحن هنا نتحدث عن سلاح ومقاومة لا تقل عن المقاومة على الحدود"، مضيفةً أن الفن سلاح قوى نحتاج من خلاله توصيل الرسالة الفلسطينية وطموح الشباب وآمالهم وتسليط الضوء على المهم وكيفية تحقيق الأهداف المرجوة.
"طموح العالمية"
على شاطئ بحر غزة، يبدع الفنان الفلسطيني أسامة سبيتة الملقب بـ"فنان الرمل"، في نحت رسوماته على رمال الشاطئ، التي تعبر عن الوحدة الوطنية ورسالة الحب والسلام للعالم للتغيير من واقعنا.
يقول سبيتة لـ"الوطنية" إن الشعب الفلسطيني يدافع عن حقه بكل ما يمكن، وإن بدوره كفنان عليه أن يدافع عن قضيته بالوسيلة التي يمتلكها بفن النحت على الرمال، موضحًا أنه في حين إتمام المصالحة سوف تحل العديد من المعرقلات وأهمها المعبر بالنسبة له, حتى يستطيع الخروج من القطاع والمشاركة بالمعارض الدولية وتنمية موهبته وإيصالها للعالم الخارجي.
ونوّه إلى أنه حُرم من المشاركة في ثلاثة معارض دولية في تونس والمغرب والسعودية, مضيفاً إلى وجود مواد خام من الضروري استخدامها ولكن يمنع إدخالها إلى القطاع.
"الانقسام وتطور الفن !"
"في مساحة ضيقة جدا طور الانقسام الفن الفلسطيني, ولا يحبذ هذا التطور, بسبب النتائج المتأخرة للوحدة الوطنية والتي حرمت عشرات الفنانين من الوصول إلى مكان أفضل" هكذا وصف مغني الراب إبراهيم غنيم الفن تحت تأثير الانقسام.
وقال غنيم إن أغنية " كلاكيت آخر مرة " التي يتناول فيها موضوع الانقسام الفلسطينيّ من منظور شبابيّ كانت رصاصة الرحمة لمثل هذا الموضوع الذي طال انتظار وصوله لنقطة حل, وكانت لها تأثير كبير على طرفي الانقسام، ولكن بدون أي جدوى تذكر على أرض الواقع.
وعن طموحه، تحدث غنيم قائلًا: لا أطمح بشيء حاليًا، فالانقسام بات خلف ظهري هو والقضايا الداخلية التي لا تسمن ولا تغني قضيتنا الفلسطينية من جوع للأمل، مضيفًا "خرجت من الوطن بلا عودة بسبب الانقسام البغيض ولن أتحدث إلا عن قضايا تهم الشارع بشكل عام وبدون أي عنصرية حزبية".
هكذا يفقد الفن حقه، ويعوم في دوامة الانقسام الفلسطيني, عايش الفنانون في قطاع غزة حقبة الانقسام, وذاقوا ويلاته كما باقي أبناء الشعب، وما زالوا يدفعون الثمن غالياً أمام فنونهم ليحافظوا عليه ويبقوا شعلة الأمل وهاجة في قطاع غزة.
المصدر : الوطنية – آية العمريطي