يراود الكثير من المسلمين عدد من المسائل الفقهية التي يبحثون عن اجابة شافية لتساؤولاتهم ، للتعرف حول الحكم الشرعي في عدد من المسائل الهامة .
"الوكالة الوطنية للاعلام" تنشر لكم خلال السطور التالية ، الحكم الشرعي في زيارة النساء للقبول ، هي كالتالي :-
اختلف أهل العلم في حكم زيارة النساء للقبور على أقوال:
أولاً: الجواز وهو مذهب الجمهور. واستدلوا على ذلك بـ:
1- ثبوت إذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة وتعليمها الدعاء إذا زارت القبور "قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" (مسلم 974).
2- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر, فقال: اتقي الله واصبري, فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي ولم تعرفه, فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم, فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين, فقالت: لم أعرفك,فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى" (البخاري 1283, مسلم 926). فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على زيارتها القبر والوقوف عليه، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم حجة. وإنما أنكر عليها البكاء الشديد أو رفع الصوت به مما قد نهي عن مثله.
3- ثبوت زيارة القبور عن الصحابيات, فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها, كما روى ابن أبي مليكة أنه رآها زارت قبر أخيها عبدالرحمن فقيل لها: أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قالت: "نعم، كان نهى ثم أمر بزيارتها" (المستدرك 1392, سنن البيهقي 7207).
4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها" زاد الترمذي بإسناد صحيح: "فإنها تذكر الآخرة"(مسلم 977,الترمذي 1054). ثم قال الترمذي بعد رواية الحديث: " وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور، فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء".
ثانياً: الكراهة . واستدلوا على ذلك بـ:
1- تعارض الأدلة بين الإباحة والحظر وأقل ذلك الكراهة.
2- ضعف النساء في العادة عن الصبر عند زيارتهن للمقابر.
قال ابن قدامة: "ويحتمل أنه كان خاصًّا للرجال, ويحتمل أيضًا كون الخبر في لعن زوارات القبور بعد أمر الرجال بزيارتها فقد دار بين الحظر والإباحة فأقل أحواله الكراهة, ولأن المرأة قليلة الصبر كثيرة الجزع، وفي زيارتها للقبر تهييج لحزنها وتجديد لذكر مصابها، ولا يؤمن أن يفضي بها ذلك إلى فعل ما لا يجوز" (المغني 2/425).
ثالثاً : عدم الجواز. واستدل القائلون بالتحريم بعدد من الأدلة منها:
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور" (الترمذي 1056, ابن ماجه 1576, أحمد 8449, قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح).
2- ما رواه أبو صالح باذام بعدما كبر عن ابن عباس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذات عليها المساجد" (أبو داود 3236, البيهقي 7206).
3- ما ثبت في الصحيحين عن أم عطية رضي الله عنها قالت:" نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا"(البخاري 1278, مسلم 938).
4- أن الغالب على المرأة أنها تضعف في مواضع الموت ولا تتمالك نفسها, فيقع منها شيء مما حرم الله من النياحة واللطم ونحو ذلك, فتمنع من الزيارة سداً للذريعة.
القول الراجح
الراجح في المسألة هو قول الجمهور القائلين بجواز زيارة النساء للقبور بلا كراهة، ويمكن مناقشة الأدلة الأخرى على النحو الآتي:
• رواية "لعن الله زائرات القبور" لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم, فقد رواها أبو صالح باذام وقد ضعفه أكثر المحدثين كالمزي وغيره.
• أما رواية "لعن الله زوارات القبور" فإنها تدل على النهي عن دوام زيارتها وتكرار ذلك؛ لما قد يصاحبه من المنكرات والتجاوزات، ولا يلزم ترتب الوعيد على تكرار الفعل ترتبه على أصل الفعل.
• ثبت نسخ النهي عن زيارتها بالحديث الصحيح: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها", ويدل على ذلك أمور:
1- أن عائشة رضي الله عنها صرحت بالمتأخر من الحديثين، وأن الإذن كان بعد النهي "فقيل لها: أليس قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ قالت: نعم، كان نهى ثم أمر بزيارتها", وهذا إخبار بالترتيب بين الأدلة, وليس مجرد اجتهاد منها.
2- أن خطاب الذكور يدخل فيه النساء على مذهب جماهير الأصوليين, إلا أن يأتي نص أو إجماع على إخراج النساء من ذلك.
3- أن العلة في مشروعية الزيارة "فإنها تذكر الآخرة" موجودة في النساء والرجال على السواء, والحكم دائر مع علته وجودًا وعدمًا.
4- أن هذا هو الموافق لإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة في زيارة قبر ولدها, وتعليمه لعائشة ما تقوله عند زيارة القبور.
• وأما المنع بحجة ضعف المرأة: فيقال في ذلك: من علم من نفسه الضعف وعدم تمالك نفسه ووقوعه في بعض ما حرم الله من الرجال أو النساء فلا يجوز له زيارة القبور, وقد نهي الرجال والنساء عن التجاوز حال زيارة المقبرة في القول والفعل, قال صلى الله عليه وسلم: "فزوروها، ولا تقولوا هجرا " (النسائي 2033) قال المناوي "(هُجْراً) أي باطلاً, وفيه إيماء إلى أن النهي إنما كان لقرب عهدهم بالجاهلية فربما تكلموا بكلام الجاهلية من ندب ونحوه".
فالراجح جواز زيارة النساء للمقابر بلا كراهة إذا لم تخف المرأة على نفسها الوقوع في ما حرم الله, لعموم الأدلة المرغبة في ذلك كما سبق, وثبوت إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة الزائرة, وتعليمه عليه الصلاة والسلام لعائشة الدعاء عند الزيارة.
والله تعالى أعلى وأعلم
المصدر : وطنية