انغمر قطاع غزة في اليومين الماضيين، بجولة تصعيد مع الاحتلال الإسرائيلي، رغمًا عن حالته البائسة ورغمًا عن فقدان حاكمه رغبة القتال، لكن هذا الانغمار المفاجئ جاء نتيجة رد فعل حتمي على جريمة الاحتلال البشعة قبل أيام بحق الشهيد محمد الناعم شرق خانيونس جنوبي القطاع.
وأتقن الاحتلال جريمته التي كانت شرارة التصعيد، كون أن مشاهدها الدامية وثقتها عدسات الكاميرات لتظهر قيام جرافة عسكرية بسحل جثة الشهيد الناعم، لتشعل غضب الفلسطينيين الذين طالبوا فصائل المقاومة بسرعة الانتقام.
وسرعان ما لبت حركة الجهاد الإسلامي الطلب، وردت على الجريمة بإطلاق دفعات صاروخية نحو "مستوطنات الغلاف"، علمًا أن الشهيد الناعم، عنصر في سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد.
وما هي إلا لحظات حتى رد الاحتلال بقصف عشرات المواقع التابعة للجهاد بمختلف مناطق القطاع، مع حذر شديد منه من إراقة الدماء أو توجيه ضربة مؤلمة للجهاد داخل القطاع.
إن رد "الجهاد" التي قادت الجولة للمرة الثانية في الأشهر الثلاثة الأخيرة، كان سباقًا وهادئًا ومحدودًا، لاعتقادها مثل حركة حماس ونظيراتها في قوى المقاومة، أن نتنياهو حاليًا منشغلاً بمعركته الانتخابية وغير معني بانزلاق الأوضاع نحو موجة قتال واسعة.
هذه القراءة تجلت عن نظر بعض المراقبين الذين كانوا في بوصلة "الوطنية"، حيث يرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، أن طابع رد الإسرائيليين على صواريخ المقاومة يدل على أن نتنياهو غير معني بتصعيد يفضي إلى مواجهة شاملة، مشيرًا إلى أن نتنياهو رفض دعوة بعض مستشاريه تنفيذ اغتيالات وتم التركيز على استهداف مقدرات لوجستية ومادية في غزة.
ويعي نتنياهو، بحسب النعامي، أن مواجهة شاملة ستهدد فرصه الانتخابية، وأنه من الواضح أن هذا يمكن أن يتغير في حال أوقعت المقاومة الفلسطينية خسائر بشرية في الجانب الإسرائيلي.
ووسع الاحتلال دائرة هجومه لتصل سوريا، ليستهدف مواقع للجهاد في العاصمة دمشق، مسببًا باستشهاد 6 أشخاص بينهم عنصرين في سرايا القدس، كرد اعتبار نتيجة الحجم الهائل من الصواريخ التي انهالت على المستوطنات.
وفي ذات الإطار، وصف النعامي الرد الإسرائيلي في سوريا بـ "المختلف"، قائلاً إنه يأتي في إطار استراتيجية إسرائيلية معروفة تجاه هذا البلد، حيث أن التجربة دلت حتى الآن على أن النظامين السوري والروسي لا يمكن أن يسمحا لأحد بجباية أثمان من تل أبيب".
الكاتب السياسي، أكرم عطا الله، أعطى قراءة مختصرة قبل أن يتدخل الوسطاء ليلة أمس الإثنين لبسط التهدئة من جديد، مرجحًا أن يتم احتواء التصعيد رغم التهديدات الإسرائيلية، فإسرائيل معنية باحتواء الموقف لأسباب منها:
- لم يبق سوى أسبوع للانتخابات، وليس هناك حرب قصيرة.
- الخشية من تفشي كورونا الذي وصل مع الوفد الكوري وتلك أولوية تتطلب حرب أكثر أهمية وتتجنب تجمع الجنود.
- هناك أسئلة كبرى لن تجيب عليها القيادة الإسرائيلية لأية لجنة تحقيق فيما لو ذهبت للحرب بناء على المقدمات التي لا تستدعي حرب حتى اللحظة.
وفي تقدير موقف آخر عنوانه " هل غزة متجهة نحو المواجهة؟" قال المحلل السياسي حسام الدجني، إن محدد الميدان وضغط الرأي العام وحسابات الانتخابات تكون حاضرة بقوة عند اتخاذ قرار الحرب والسلم.
ويكمل شارحًا نقطته:" وعليه فإن نتنياهو الذي سيذهب في 2/3/2020 للانتخابات وفي جعبته أربعة إنجازات هامة سيكون أكثر حرصاً في ضبط إيقاع الميدان مع ضمان صورة القوة والهيبة لدولته وهو ما يتعارض مع رؤية المقاومة، وبالرغم من تعقيدات المشهد، فإن فرص نجاح الوسطاء قائمة في محاكاة لتجاب جولات التصعيد التي مضت".
وأظهر الدجني إنجازات نتنياهو، من وجهة نظره، والتي تسطرت في النقاط الآتية:
- الإعلان عن صفقة القرن.
- التحقيق من قبل المستشار القضائي للحكومة في قضايا فساد ضد خصمه السياسي بيني غانتس، وهذا سيخفف من تأثير قضايا الفساد المرفوعة ضد نتنياهو.
- عجلة التطبيع مع العالم العربي وآخرها لقائه برئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهاني ومرور أول طائرة إسرائيلية في الأجواء السودانية كترجمة لهذا اللقاء.
-حادثة اغتيال قاسم سليماني والمهندس.
ومساء الإثنين 25 فبراير/ 2020، أعلنت "سرايا القدس" في بيان مقتضب لها، عن انتهاء ردها العسكري على ما وصفته جريمتي الاغتيال في خانيونس ودمشق، ووعدت بأن تستمر في جهادها والرد على أي تمادي من قبل الاحتلال على أبناء الشعب الفلسطيني وأرضه.
وبعدها بوقت قصير، نقلت وسائل إعلام محلية عن مصدر في المقاومة، أن التهدئة ستدخل حيز التنفيذ بشكل متزامن ومتبادل في تمام الساعة الحادية عشر والنصف من مساء ذات اليوم.
مصادر أكدت أن جهوداً مصرية وأممية بذلت جهوداً حثيثة لوقف إطلاق النار بين فصائل المقاومة بغزة والاحتلال الإسرائيلي، أثمرت عن دخول التهدئة في حيز التنفيذ في الموعد المذكور.
وبحسب الإحصاءات الرسمية، فإن طائرات الاحتلال شنت أكثر من 34 غارة جوية على مواقع مختلفة في قطاع غزة، إذ تركزت الغارات في عدة محافظات من بينها رفح وخان يونس وبيت لاهيا، وتسبب العدوان بإصابة 8 مواطنين، مخلفًا أضرارًا في المنازل القريبة من أماكن القصف.
المصدر : الوطنية - ليث شحادة