كان متوقعًا أن ترتفع أسعار النفط عند التوصّل إلى اتفاق بين السعوديّة وروسيا بوساطة أمريكية، قبل أسبوعين، ينهي حرب الأسعار بين كبريي منتجي النفط في العالم.
غير أن ذلك لم يحدث، بل على العكس تمامًا، هَوَت أسعار النفط إلى مستوى لم تشهده البشريّة من قبل: أقلّ من صفر دولارات للبرميل.
عند التاسعة من، مساء أمس الإثنين، نشرت "رويترز" خبراً كان مفاده أنه "لأوّل مرّة على الإطلاق البائعون سيضطرون إلى أن يدفعوا للمشترين لأخذ عقود آجلة للنفط"، ليس مؤكدًا إن كتبت "رويترز" ذلك نظريًا، وفق منطق الرياضيّات المجرّد، أم أن هذا ما سنشهده خلال الأشهر المقبلة، فعلا.
لا أحد يعرف، لأن ذلك لم يحدث من قبل، أبدًا. وأي قرار سيؤخذ سيكون تاريخيًا.
لماذا لم ترتفع أسعار النفط؟
عندما انخفض سعر النفط في ظل حرب الأسعار السعوديّة – الروسيّة اشترى العديد من دول العالم النفط بسعره المتدنّي وقام بتخزينه، ومع تفشّي فيروس "كورونا" حول العالم، توقّف الصناعات الثقيلة التي كانت تستهلك النفط، بمعنى أن الدول اشترت نفطًا بسعرٍ منخفض ولم تستخدمه، إنما قامت بحفظه.
أدّى هذا إلى امتلاء مخازن النفط حول العالم، حتى داخل الولايات المتحدة ذاتها، عملاق صناعة واستهلاك النفط، وفي حال استمرّ إنتاج النفط على ما هو عليه في شهر أيّار المقبل، فلن يكون هناك مكان لحفظه أساسًا (لا يدور حديث عن استهلاكه حتى).
وبالأرقام: خزّنت الولايات المتحدة خلال أسبوع واحد فقط 19 مليون برميل، بينما يبلغ حجم المخزون الموجود على ناقلات النفط حول العالم 160 مليون برميل، وهذه أرقام ضخمة، غير معهودة من قبل.
وتشير التوقعات إلى أن دول العالم ستنتج في أيّار/مايو المقبل 10 ملايين برميل من النفط يوميًا زائدة عن الحاجة، وللتقريب: كأن نأخذ دولة مثل روسيا أو أميركا أو السعوديّة وأن تلقي نفطها اليومي لمدّة شهر.
لماذا أثرّت جائحة كورونا على النفط؟
الجواب بسيط: اعتمدت دول كثيرة، خصوصًا الدول الصناعية الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة وألمانيا، تدابير لمنع انتشار الفيروس، منها الإغلاق العام.
هذا الإغلاق أدّى إلى تعطّل عجلة الإنتاج في هذه الدول، التي كانت مصانعها المستورد الأساس للنفط. هذا التعطّل أدّى انخفاض الطلب على النفط.
وبما أن سعر النفط مرتبط بعاملين أساسيّين، هما الطلب والإنتاج، فإنّ فائض الطلب ونقص الإنتاج أدّيا إلى الانهيار في سعر النفط.
المشكلة الأساسيّة أن نهاية جائحة "كوفيد-19" غير محدّدة بموعد بعد، إلا أن التقديرات تشير إلى أنها بدأت تنحسر، أو أنها قد تتراجع في الصيف.
هذ كله تكهّنات متفائلة، خصوصًا أن تكهّنات أخرى، في صحيفة "أتلانتيك" مثلا، تشير إلى أنّ أزمة "كورونا" لن تنتهي قبل 12 شهرًا على الأقلّ، ما يعني صعوبة وضع خطط اقتصادية لما بعد الأزمة، على عكس أزمات أخرى ضربت العالم من قبل وأثّرت على صناعة النفط.
لماذا انهارت أسعار النفط أمس الإثنين تحديداً؟
لأنّ الإثنين هو آخر يوم يمكن لمنتجي النفط الأميركي (المعروف باسم "العقود الآجلة لنفط غرب تكساس") تداول البراميل المقرّر تسليمها خلال الشهر المقبل، وهو شهر حسّاس لأنّه، كما سلف، ستصل المخازن إلى ذروتها.
ما هي العقود الآجلة للنفط التي انهارت؟
هي أن تقوم شركات أو دول بالاتفاق على تبادل كميّة معيّنة من النفط خلال فترة زمنيّة معيّنة بسعر معيّن، بناءً على هذا الاتفاق، يأخذ هذا الاتفاق وجود أماكن لحفظ النفط المنتج، بالإضافة إلى المعيارين الأساسيّين: العرض والطلب.
بمعنى أن تراجع أسعار النفط لن يكون فوريًا، إنما فقط لعقود شهر أيار المقبل، والسؤال المطروح الآن: إن تخلّصت هذه الدول من فائض النفط خلال شهر أيّار، هل سيعاود الارتفاع لاحقًا، بدءًا من شهر حزيران/يونيو؟
هل راودكم سؤال لماذا لا "نشتري" النفط الآن ونخزّنه؟
بحسب "ذي غارديان" المهمّة الآن هي إيجاد مكان للنفط الذي يفيض عن قدرة المخازن على الاستيعاب، وقدّ تضطر الولايات المتحدة إلى الدفع (بدلا من بيع) هذه البراميل لجهات قادرة على تخزينها.
المشكلة الأساسيّة أن الاستثمار في النفط يجري عبر المضاربة فقط (في البورصات) أو عبر صناديق مالية ولا يمكن شراؤها من قبل الأفراد أو الدول بشكل مباشر وفقا للسعر المحدّد، إلا إن كان المشتري يملك مكانا لحفظ البراميل (عادةً ما يُحفظ غرب تكساس، التي امتلأت وسبب امتلاؤها الأزمة الحاليّة).
المصدر : وكالات