بين غمضة عين وانتباهها دوى انفجار خفيف، وقبل التقاط الأنفاس وتلمس موضع الصوت المفزع، تطاير لهيب الكارثة وقضى على ميناء عانق ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وظل لقرون شريان لبنان على الحياة والجمال والمال والاقتصاد.
تقطعت أوصال ميناء بيروت وهوى كأن لم يغن بالأمس ولم يعانق في سالف الأيام سفن الإغريق والبيزنطيين والفاتحين العرب، وزوارق الرحالة وسفن الحربين العالميتين الأولى والثانية.
افتتح الميناء عام 1894 على مصراعيه أمام حركة الملاحة البحرية، لكن ميلاده كان قبل ذلك بقرون طويلة، فهو توأم لبنان وشقيق الأرز وابن الضفاف العريقة.
وظل هذا الميناء نفحة بيروت التي تتنفس بها وتقتات منها، حيث يستقبل سنويا حوالي 3100 سفينة، كما يرتبط بعلاقات مع أكثر من 300 ميناء دولي، مما جعله محطة دولية للاستيراد ومن ثم التصدير من خلال لبنان إلى مختلف دول العالم.
ويشمل المرفأ إلى جانب منشأته الإدارية والخدمية، 16 رصيفا ومستودعات متعددة، إضافة إلى العديد من صوامع تخزين القمح وفق أدق المواصفات العالمية.
قبل الكارثة كان هذا المرفأ متنفس لبنان في أزماتها الاقتصادية والمالية الخانقة، فمنه تموين لبنان وأجزاء كبيرة من العالم العربي.
ما بعد الكارثة.. هيروشيما الثانية
مشهد يفوق الوصف، تختصر هذه العبارة المتكررة في الإعلام اللبناني والعربي ما حصل في لبنان ليلة الانفجار، بل يذهب الكثير إلى اعتبار ما حصل هيروشيما ثانية، فالمواد الشديدة الانفجار لم تنسف الميناء فحسب، بل نسفت الأمن وأحلام الخروج من الأزمة الاقتصادية في لبنان، وحركت بشكل دموي ومؤلم مياه اضطراب شديدة في المنطقة.
لحد الآن زاد القتلى على 130 إنسانا، وما زال عداد الموت في ارتفاع، بعد أن ارتجت جنبات بيروت وتداعى الصراخ والألم ليصم كل آذان لبنان الجريح.
شمل الدمار في محيط الميناء منازل ومآوي حوالي 300 ألف ساكن، وارتفعت توقعات الخسائر المادية لتبلغ حوالي 5 مليارات دولار.
أما سقف التموين فقد هبط إلى حد غير مسبوق، فلم يعد في لبنان الآن من الحبوب أكثر من رزم لا تكاد تكفي لشهر واحد بعد أن انقطع شريان مصدر التموين.
بين أمسه الزاهر ويومه وغده الدامي، يعيش ميناء لبنان الجزء الأكثر إيلاما من مأساة سويسرا الشرق، وها هي بيروت تغسل أقدامها بالدماء بعد أن جعلت من مينائها المنهار نافورة جمال وقوت واقتصاد طيلة قرون.
المصدر : الوطنية