تستعرض لكم "الوطنية" عدد من الخطب الدينية التي تقال في الجمعة الثالثة من شهر رمضان المبارك، والتي تتضمن الحديث عن فضل العشر الأواخر من رمضان، بالاضافة للحديث عن فضل شهر رمضان المبارك، وفضل الثلث الأخير منه .
خطبة عن فضل العشر الأواخر من رمضان :-
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقَى.
أيها المسلمون: خلق الله الثَّقلَين لعبادتِه، وهو - سبحانه - غنيٌّ عنهم، ولا غِنى لهم عنه، وعبادتُه وحده سببُ دخول جنات النعيم.
جاء رجلٌ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: دُلَّني على عملٍ إذا عملتُه دخلتُ الجنة. قال: «تعبُد الله لا تُشرِك به شيئًا، وتُقيمُ الصلاةَ المكتوبة، وتُؤدِّي الزكاةَ المفروضة، وتصوم رمضان»؛ متفق عليه.
وعبادتُه تعالى في كل مكانٍ وآنٍ، وجعل - سبحانه - رمضان موسِمَ التعبُّد له، فكان - عليه الصلاة والسلام - يخُصُّه بالعبادة بما لا يخُصُّ غيرَه من الشهور.
وحرصَ الصحابة - رضي الله عنهم - على اغتِنام لحظاته؛ قال أبو هريرة - رضي الله عنه -: "كانوا إذا صامُوا جلَسُوا في المسجِد".
ومن فضلِه - سبحانه -: أن جعل في موسِمِ رمضان مواسِم؛ ففضَّل العشرَ الأخيرة على سائر ليالي الشهر، وجعل ليلةَ القدر أفضلَ ليلةٍ في الشهر، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخصُّ العشرَ الأواخر من رمضان بأعمالٍ لا يعملُها في بقيَّة الشهور:
فإذا دخلت العشرُ أحيا ليلَه، وأيقظَ أهلَه، وشدَّ المئزَر، وجدَّ واجتهَد في طاعة الله يتحرَّى فيها ليلةً مُباركةً هي تاجُ الليالي .. بركاتُها عديدة .. وساعاتُها معدودة.
نوَّه - سبحانه - بشأنها، وأظهر عظمتَها، فقال - سبحانه -: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) [القدر: 2].
العملُ القليلُ فيها كثير، والكثيرُ منها مُضاعَف .. العبادةُ فيها أفضلُ من عبادة ألف شهر، وأفضلُ الكتب السماوية نزلَ في ليلتها: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر: 1].
ومن تشريفِ القرآن العظيم: الإكثارَ من تلاوته في الشهر الذي نزل فيه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185].
وكان جبريلُ - عليه السلام - يُدارِسُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - القرآنَ في رمضان، وفي العام الذي تُوفّي فيه دارسَه القرآنَ في رمضان مرتين.
وحقيقٌ بالمُسلم أن يُكثِرَ من تلاوة كتابِ الله في شهر الفضائل؛ لينالَ فضلَ القرآن في فضلِ رمضان.
ليلةُ القدر ليلةٌ عظيمةٌ، أخبرَ الله أن مما يحدثُ فيها: أنها يُفرقُ فيها كلُّ أمرٍ؛ أي: يُفصَلُ من اللوح المحفوظِ إلى الكتَبَة أمرُ السنة وما يكون فيها من الآجال والأرزاق والخير والشرِّ وغير ذلك.
قال النوويُّ - رحمه الله -: "سُمِّيَت القدر؛ أي: ليلة الحُكم والفصل".
يصِلُ فيها الربُّ ويقطع، يخفِضُ ويرفع، يُعطِي ويمنَع، كما قال تعالى: (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان: 4]؛ أي: ما يُقدِّرُه الله فيها مُحكَمٌ لا يُبدَّلُ ولا يُغيَّر.
ليلةٌ لكثرة بركَتها تتنزَّلُ فيها الملائكة، والملائكة تتنزَّلُ مع البركة والرحمة .. ليلةٌ هي سلامٌ من الله، فكلُّها خيرٌ لا شرَّ فيها إلى مطلَع الفجرِ، وأُخفِيَت متى هي في العشر، ليجتهِدَ طُلابُها في ابتِغائِها؛ لتزداد العبادةُ في العشر جميعًا.
ويُستحبُّ للعبد الإكثارُ من الدعاء والصلاة وفعل الخير في العشر. قال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -: "لكل شيءٍ ثمرة، وثمرةُ الصلاة الدعاء".
تقول عائشةُ - رضي الله عنها -: قلتُ: يا رسول الله! أرأيتَ إن علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلةَ القدر، ما أقولُ فيها؟ قال: «قُولِي: اللهم إنك عفُوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي»؛ رواه الترمذي.
والقائمُ في ليلتها بالتعبُّد مغفورٌ له ذنبُه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «من قامَ ليلةَ القدر إيمانًا واحتِسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبِه»؛ متفق عليه.
وكان - عليه الصلاة والسلام - يعتكِفُ في العشر الأواخِر يتحرَّى ليلةَ القدر، قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكِفُ في العشر الأواخِر من رمضان حتى توفَّاه الله تعالى"؛ متفق عليه.
قال ابن بطَّال - رحمه الله -: "فهذا يدلُّ على أن الاعتِكافَ من السنن المُؤكَّدة؛ لأنه مما واظَبَ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فينبغي للمؤمنين الاقتداءُ في ذلك بنبيِّهم".
ففي الاعتِكاف قطعُ العلائِق عن الخلائِق للتفرُّغ لعبادة الخالِق، وإذا قوِيَت الصلةُ بالله رضِيَ الربُّ عن العبد.
قال ابن شهابٍ - رحمه الله -: "عجبًا للمُسلمين؛ تركُوا الاعتِكافَ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يترُكه منذ دخل المدينةَ كلَّ عامٍ في العشر الأواخر حتى قبضَه الله".
والمُعتكِفُ يعكفُ على طاعة الله، ويُقيمُ عليها مُدَّة اعتِكافِه في أحبِّ البِقاع إلى الله "المساجد"، ويُقيمُ فيها على الطاعة والعبادة، والخضوع والخشوع والابتِهال، فلا يكون همُّه إلا الله، ولا مقصودُه إلا إياه، ولا مُرادُه سِواه - عز وجل -.
ويخرُج من الاعتِكافِ وقد اعتكفَ قلبُه على طاعة الله، فيكون أوَّاهًا مُنيبًا إليه - سبحانه -.
ورمضانُ موسِمٌ للمُتصدِّقين يتنافسُ فيه الأغنياءُ بالبذلِ والإنفاقِ في فعل الخيرات، وصنائِع المعروف، ومدِّ يدِ العون والمُساعَدة والصدقة إلى ذوي الفاقَة، والمساكِين، وإتحاف الفُقراء.
فداوُوا مرضاكُم بالصدقة؛ فإنها تدفعُ الأمراضَ والأعراضَ. وابتغُوا الضعفاءَ والمحاوِيجَ، وارزُقوهم تُرزَقوا، وارحمُوهم تُرحَموا؛ فما اشتكَى فقيرٌ إلا من تقصير الغنيِّ، ومن صِفات الأبرار أن عطاءَهم خالِصٌ لوجه الله لا يطلبون من الفقراء الثناءَ والدعاء.
فلا تجعل صدقتَك رجاءَ دعوة الفقير لك، وإنما رِضا الله - سبحانه -، قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان: 8، 9].
قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: "ومن طلبَ من الفقراء الدعاءَ أو الثناءَ خرجَ من هذه الآية".
وبعدُ، أيها المسلمون: فالأجورُ في رمضان مُضاعفَة، وأبوابُ الجنة فيه مفتوحة، وقُدومُه عبورٌ لا يقبلُ الفُتور، وشهرُه قصيرٌ لا يحتملُ التقصير. فسابِق إلى الخيرات، وإن استطعتَ ألا يسبِقَك إلى الله أحدٌ فافعَل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أيها المسلمون: رمضانُ مغنَمٌ للتوبة والإنابة، يُقيلُ الله فيه العثَرَات، ويمحُو فيه الخطايا والسيئات. فأقبِل على الله بالندم على التفريط، والعزمِ على مُجانبَة الآثام، وهو - سبحانه - يحبُّ الآيِبَ إليه، ويفرحُ بتوبةِ التائِب.
فتعرَّضُوا لنفحَات ربِّكم، واستنزِلوا الرزقَ بالاستِغفار، والعاقلُ من ينتهِزُ بقيَّة لحظات شهره، فيشغلُها بالطاعات وعظيم القُرُبات، ويستبدِلُ السيئات بالحسنَات.
وكلما تكاسَلتَ عن فعل الخير تذكَّر قولَه تعالى: (أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) [البقرة: 184].
ومن كان في شهرِه مُنيبًا، وفي عملِه مُصيبًا؛ فليُحكِم البناءَ، وليشكُر اللهَ على النعماء، ولا يكُن كالتي نقضَت غزلَها من بعد قوةٍ أنكاثًا.
ثم اعلموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمِنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام أو المسلمين، أو أرادنا وأراد ديارَنا بسوءٍ فأشغِله في نفسِه، واجعل كيدَه في نحرِه، وألقِ الرعبَ في قلبِه يا قويُّ يا عزيز.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
اللهم تقبَّل منا صيامَنا وقيامَنا، وأعتِق رقابَنا من النار، وأدخِلنا الجنةَ بغير حسابٍ ولا عذابٍ، وارزُقنا الفردوسَ الأعلى بكرمِك وفضلِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءَهم، اللهم داوِ مرضاهم، اللهم اجعل ديارَهم ديارَ أمنٍ وأمانٍ وتوحيدٍ ورخاءٍ يا رب العالمين.
اللهم وفِّق إمامنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ووفِّق جميعَ ولاة أمور المسلمين للعملِ بكتابك، وتحكيمِ شرعك.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
خطبة جمعة عن ليلة القدر :-
الخطبة الأولى ( فضل العشر الأواخر من رمضان )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ ) ، وروى مسلم في صحيحه (عَائِشَةُ رضى الله عنها كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لاَ يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ.)
إخوة الإسلام
إن المؤمن يعلم أن هذه المواسم عظيمة، والنفحات فيها كريمة؛ ولذا فهو يغتنمها، ويرى أن من الغبن البين تضييع هذه المواسم، وتفويت هذه الأيام والفرص، ولقد كان رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام- يُعطي هذه الأيام عناية خاصة ويجتهد في العمل فيها أكثر من غيرها؛ كما ذكر في الحديثين السابقين ، وفي مسند أحمد (قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْلِطُ الْعِشْرِينَ بِصَلاَةٍ وَنَوْمٍ فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ شَمَّرَ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ وَشَمَّرَ. ) ، نعم إنها عشر ليال فقط تمر كطيف زائر في المنام، تنقضي سريعًا، وتغادرنا كلمح البصر، فليكن استقصارك المدة معينًا لك على اغتنامها. وتذكر أخي أنها لن تعود إلا بعد عام كامل، لا ندري ما الله صانع فيه، وعلى من تعود، وكلنا يعلم يقينًا أن من أهل هذه العشر من لا يكون من أهلها في العام القادم، أطال الله في أعمارنا على طاعته.
أيها المؤمنون
لقد بدأت العشر وبدأ السباق، .. فأين المقتدون ؟ وأين المهتدون؟ ، إنها ليالي العابدين، وقرة عيون القانتين، وملتقى الخاشعين، ومحط المخبتين، ومأوى الصابرين.. فيها يحلو الدعاء، ويكثر البكاء.. إنها ليالٍ معدودة وساعات محدودة، فيا حرمان من لم يذق فيها لذة المناجاة! ، ويا خسارة من لم يضع جبهته فيها ساجدا لله !!، إنها ليالٍ يسيرة.. والعاقل يبادر الدقائق فيها؛ لعله يفوز بالدرجات العُلا في الجنان.. “وإنها ليست بجنة بل جنان”. فيا نائمًا متى تستيقظ؟! ويا غافلاً متى تنتبه؟! ، ويا مجتهدًا اعلم أنك بحاجة إلى مزيد اجتهاد، ولا أظنك تجهل هذه الآية {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ} [التوبة: 105]. ، فماذا سيرى الله منك في هذه العشر؟!
أيها المسلمون
للعشر الأواخر من رمضان عند النبي صلى الله علية وسلم و أصحابه أهمية خاصة ولهم فيها هدى خاص ، فقد كانوا أشد ما يكونون حرصاً فيها على الطاعة . والعبادة والقيام والذكر ولنتعرف على أهم الأعمال التي كان يحرص عليها الأولون وينبغي علينا الاقتداء بهم في ذلك : 1 ـ فمن أهم هذه الأعمال : { أحياء الليل } فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر أحياء الليل وأيقظ أهله وشد مئزر ) ومعنى إحياء الليل : أي استغرقه بالسهر في الصلاة والذكر و غيرهما ، وقد جاء عند النسائي عنها أنها قالت :( لا اعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ولا قام ليلة حتى أصبح ولا صام شهراً كاملاً قط غير رمضان } ، فعلى هذا يكون أحياء الليل المقصود به أنه يقوم أغلب الليل ، ويحتمل أنه كان يحي الليل كله كما جاء في بعض طرق الحديث . وقيام الليل في هذا الشهر الكريم وهذه الليالي الفاضلة لاشك أنه عمل عظيم جدير بالحرص والاعتناء حتى نتعرض لرحمات الله جل شأنه ، 2 ـ ومن الأعمال الجليلة في هذه العشر : إيقاظ الرجل أهلة للصلاة . فقد كان من هدية علية الصلاة السلام في هذه العشر أنه يوقظ أهله للصلاة كما في البخاري عن عائشة ، وهذا حرص منه عليه الصلاة والسلام على أن يدرك أهله من فضائل ليالي هذا الشهر الكريم ولا يقتصر على العمل لنفسه ويترك أهله في نومهم ، كما يفعل بعض الناس وهذا لاشك أنه خطأ وتقصير ظاهر .، 3 ـ ومن الأعمال أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل العشر شد المئزر كما في الصحيحين والمعنى أنه يعتزل النساء في هذه العشر وينشغل بالعبادة والطاعة وذلك لتصفو نفسه عن الأكدار والمشتهيات فتكون أقرب لسمو القلب إلى معارج القبول وأزكى للنفس لمعانقة الأجواء الملائكية وهذا ما ينبغي فعله للسالك بلا ارتياب. ، 4- ومما ينبغي الحرص الشديد عليه في هذه العشر :الاعتكاف في المساجد التي تصلي فيها فقد كان هدى النبي صلى الله علية وسلم المستمر الاعتكاف في العشر الأواخر حتى توفاه الله كما في الصحيحين عن عائشة . وانما كان يعتكف في هذه العشر التي تطلب فيها ليلة القدر قطعاً لانشغاله وتفريغاً للياليه وتخلياً لمناجاة ربه وذكره ودعائه ,وكان يحتجز حصيراً يتخلى فيه عن الناس فلا يخالطهم ولا ينشغل بهم . وقد روى البخاري أنه عليه الصلاة والسلام اعتكف في العام الذي قبض فيه عشرين يوما. ومن أسرار الاعتكاف صفاء القلب والروح إذ أن مدار الأعمال على القلب كما في الحديث ( ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) فلما كان الصيام وقاية للقلب من مغبة الصوارف الشهوانية من فضول الطعام و الشراب و النكاح ،فكذلك الاعتكاف ينطوي على سر عظيم وهو حماية العبد من آثار فضول الصحبة وفضول الكلام وفضول النوم وغير ذلك من الصوارف التي تفرق أمر القلب وتفسدُ اجتماعه على طاعة الله . وما أجمل قول القائل :
وفي خلوة الإنسان بالعلم أُنسه******** ويسلم دين المرء عند التوحد
ويسلم من قال وقيل ومن أذى******** جليس ومن واش بغيظ وحسدِ
وخير مقام قمت فيه وحلية ******** تحليتها ذكر الإله بمسجد
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فضل العشر الأواخر من رمضان )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن أهم الأعمال في هذا الشهر وفي العشر الأواخر منه على وجه الخصوص تلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع ,واعتبار معانيه وأمره ونهيه قال تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) ، فهذا شهر القرآن , وقد كان النبي صلى الله علية وسلم يدارسه جبريل في كل يوم من أيام رمضان حتى يتم ما أنزل عليه من القرآن وفي السنة التي توفي فيها قرأ القرآن على جبريل مرتين . وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضل القرآن وتلاوته فقال : ( اقروا القرآن فإن لكم بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها أما إني لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف)رواه الترمذي وإسناده صحيح ،واخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن يحاج عن صاحبه يوم العرض الأكبر فقال : ( يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما) رواه مسلم ، ولقد كان السلف الصالح أشد الناس حرصاً على تلاوة القرآن وخاصة في شهر رمضان ، فقد كان الأسود بن يزيد يختم المصحف في ست ليالي فإذا دخل رمضان ختمه في ثلاث ليال فإذا دخلت العشر ختمه في كل ليلة , وكان الشافعي رحمة الله عليه يختمه في العشر في كل ليلة بين المغرب والعشاء وكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله. وقد أفاد الحافظ بن رجب رحمه الله أن النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث إنما هوا على الوجه المعتاد أما في الأماكن الفاضلة كمكة لمن دخلها أو في الأوقات الفاضلة كشهر رمضان والعشر منه فلا يكره وعليه عمل السلف
خطبة الجمعة الثالثة من رمضان :-
الخطبة الأولى ( فضائل شهر رمضان )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (183):(185) البقرة ،
إخوة الإسلام
ونحن مقبلون على شهر الصوم ، شهر الرحمة والمغفرة ، شهر البر والإحسان ، شهر الفوز بالجنة والعتق من النيران ، فما أحوجنا أن نذكر أنفسنا بفضائل شهر رمضان ، فقد اقتضت حكمة الله تعالى تفضيل بعض الناس على بعض ، وبعض الأماكن على بعض ، وبعض الشهور على بعض ، ومن هذه الأشهر التي فضلها شهر رمضان ، فهذا الشهر الكريم له فضائل وخصائص تميزه عن غيره من الشهور، ومن هذه الفضائل والخصائص التي اختص بها شهر رمضان المبارك عن غيره من الشهور ما يلى : 1- شهر رمضان تفتح فيه أبواب الجنة : ففي مسند أحمد وعند النسائي (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « هَذَا رَمَضَانُ قَدْ جَاءَ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ وَتُسَلْسَلُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ » 2- فضل أول ليلة في صيام رمضان : فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِى مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ ».الترمذي ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« قَدْ جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ فِيهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ » رواه احمد وغيره ، 3- الصيام في رمضان تفتح له أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين : ففي صحيح البخاري ( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – :« إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ ، وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ » ، قال الإمام النووي رحمه الله : وأما قوله صلى الله عليه و سلم: ( فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين) : فقال القاضي عياض رحمه الله : يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن تفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب جهنم وتصفيد الشياطين علامة لدخول الشهر وتعظيم لحرمته ويكون التصفيد ليمتنعوا من إيذاء المؤمنين والتهويش عليهم ، وقال: ويحتمل أن يكون المراد المجاز ويكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل إغواؤهم وإيذاؤهم ليصيروا كالمصفدين ويكون تصفيدهم عن أشياء دون أشياء ولناس دون ناس ويؤيد هذه الرواية الثانية فتحت أبواب الرحمة وجاء في حديث آخر صفدت مردة الشياطين ، قال القاضي عياض: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عموما كالصيام والقيام وفعل الخيرات والانكفاف عن كثير من المخالفات وهذه أسباب لدخول الجنة وأبواب لها وكذلك تغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين عبارة عما ينكفون عنه من المخالفات ومعنى صفدت غللت وقيدت ، 4- شهر رمضان وصيامه يكفر الذنوب: فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُولُ : « الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ » مسلم. قال الإمام المناوي رحمه الله : (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان) أي صلاة الجمعة منتهية إلى الجمعة وصوم رمضان منتهياً إلى صوم رمضان (مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر) شرط وجزاء دل عليه ما قبله ومعناه أن الذنوب كلها تغفر إلا الكبائر فلا تغفر لا إن الذنوب تغفر ما لم تكن كبيرة فإن كانت لا تغفر صغائره ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ارْتَقَى الْمِنْبَرَ فَقَالَ :« آمِينَ آمِينَ آمِينَ ». فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا؟ فَقَالَ :« قَالَ لِى جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَقُلْتُ آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَقُلْتُ آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ فَقُلْتُ آمِينَ » سنن البيهقي وصحيح ابن حبان ، 5- العمرة فى رمضان ثوابها مضاعف: ففي صحيح مسلم « فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً ». قال الإمام المناوي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ( عمرة في رمضان تعدل حجة ) في الثواب لا أنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزى عن حج الفرض ، 6- ومن فضائل رمضان وخصائصه نزول القرآن الكريم فيه : قال الله تعالى : (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) البقرة 185 ، قال الإمام ابن كثير رحمه الله : يمدح تعالى شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره من بينهن لإنزال القرآن العظيم، وكما اختصه بذلك قد ورد الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه على الأنبياء ، وأخرج الإمام أحمد في مسنده عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ وَالإِنْجِيلُ لِثَلاَثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ » . 7- ومن فضائل رمضان وخصائصه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر: قال تعالى ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) سورة القدر ، قال الإمام القرطبي رحمه الله : قوله تعالى : {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}: بين فضلها وعظمها، وفضيلة الزمان إنما تكون بكثرة ما يقع فيه من الفضائل. وفي تلك الليلة يقسم الخير الكثير الذي لا يوجد مثله في ألف شهر. . وقال كثير من المفسرين : أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وقال أبو العالية : ليلة القدر خير من ألف شهر لا تكون فيه ليلة القدر وقال الإمام ابن كثير رحمه الله : يخبر تعالى أنه أنزل القرآن ليلة القدر, وهي الليلة المباركة التي قال الله عز وجل:{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } ، قال ابن عباس وغيره: أنزل الله القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة من السماء الدنيا, ثم نزل مفصلاً بحسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال تعالى معظماً لشأن ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها فقال:{ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ وَلاَ يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ » سنن ابن ماجة. وقوله صلى الله عليه وسلم :(ليلة خير من ألف شهر) أي العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر (من حرم) والمحروم الممنوع أي من منع خيرها بأن لم يوفق لا حياء والعبادة فيها (فقد حرم) أي منع الخير كله كما سيجيء صريحاً ففيه مبالغة عظيمة. والمراد حرمان الثواب الكامل أو الغفران الشامل الذي يفوز به القائم في إحياء ليلها
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فضائل شهر رمضان )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام….. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن فضائله وخصائصه صلاة التراويح : فقد أجمع المسلمون على سنية قيام ليالي رمضان ، وقد ذكر النووي أن المراد بقيام رمضان صلاة التراويح يعني أنه يحصل المقصود من القيام بصلاة التراويح .ففي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » ، وقوله صلى الله عليه وسلم :(من قام رمضان إيمانا): أي تصديقاً بأنه حق معتقداً فضيلته ، واحتساباً يريد به الله وحده لا رؤية الناس ولا غير ذلك مما يخالف الإخلاص غفر له ما تقدم من ذنبه ، والمعروف عند الفقهاء أن هذا مختص بغفران الصغائر دون الكبائر، وقال بعضهم: ويجوز أن يخفف من الكبائر إذا لم يصادف صغيرة من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة أي بوجوب ، وقال الإمام النووي رحمه الله : قوله: (من قام رمضان) هذه الصيغة تقتضي الترغيب والندب دون الإيجاب واجتمعت الأمة على أن قيام رمضان ليس بواجب بل هو مندوب ،وقال الإمام ابن بطال رحمه الله : وفى جمع عمر الناس على قارئ واحد دليل على نظر الإمام لرعيته في جمع كلمتهم وصلاح دينهم ، قال المهلب : وفيه أن اجتهاد الإمام ورأيه في السنن مسموع منه مؤتمر له فيه ، كما ائتمر الصحابة لعمر في جمعهم على قارئ واحد ؛ لأن طاعتهم لاجتهاده واستنباطه طاعة لله تعالى لقوله : ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) [ النساء : 83 ] ، وفيه: جواز الاجتماع لصلاة النوافل ، وفيه أن الجماعة المتفقة في عمل الطاعة مرجو بركتها ، إذ دعاء كل واحد منهم يشمل جماعتهم ، فلذلك صارت صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ، فيجب أن تكون النافلة كذلك ، وفيه: أن قيام رمضان سنة لأن عمر لم يسن منه إلا ما كان رسول الله يحبه ، وقد أخبر عليه السلام بالعلة التي منعته من الخروج إليهم ، وهى خشية أن يفترض عليهم ، وكان بالمؤمنين رحيمًا ، فلما أمن عمر أن تفترض عليهم في زمانه لانقطاع الوحى ؛ أقام هذه السنة وأحياها ، وذلك سنَةَ أربع عشرة من الهجرة في صدر خلافته . قال المهلب : وفيه أن الأعمال إذا تركت لعلة ، وزالت العلة أنه لا بأس بإعادة العمل ، كما أمر عمر صلاة الليل في رمضان بالجماعة ، وفيه أنه يجب أن يؤم القوم أقرؤهم ، فلذلك قال عمر : أُبَى أقرؤنا ، فلذلك قدمه عمر ، وهذا على الاختيار إذا أمكن ؛ 9- ومن فضائله وخصائصه الاعتكاف : فقد روى البخاري ومسلم (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – زَوْجِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ) ، قال الإمام الصنعاني رحمه الله: فيه دليل على أن الاعتكاف سنة واظب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه من بعده ، قال أبو داود: عن أحمد لا أعلم عن أحد من العلماء خلافا أن الاعتكاف مسنون ، وأما المقصود منه فهو جمع القلب على الله تعالى بالخلوة مع خلو المعدة والإقبال عليه تعالى والتنعم بذكره والإعراض عما عداه ، وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ ، وَهِىَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ قَالَ « مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ » . فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ ، فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ ، مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ ) رواه البخاري . قال الإمام ابن رجب رحمه الله : هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأوسط من شهر رمضان لابتغاء ليلة القدر فيه، وهذا السياق يقتضي أن ذلك تكرر منه ، 10 – أن شهر رمضان شهر الجود ومدارسة القرآن :عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ) البخاري ومسلم . قال الإمام ابن رجب رحمه الله: وفي تضاعف جوده صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان بخصوصه فوائد كثيرة: منها: شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه، ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم، فيستوجب المعين لهم مثل أجرهم، كما أن من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلفه في أهله فقط غزا، وفي سنن الترمذي بسند صحيح (عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا » ومنها: أن شهر رمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، لا سيما في ليلة القدر، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء كما في البخاري قال صلى الله عليه وسلم : « إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ » فمن جاد على عباد الله جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل. ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة كما في الحديث عَنْ عَلِىٍّ قَالَ ،قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا ». فَقَامَ أَعْرَابِيٌ فَقَالَ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : « لِمَنْ أَطَابَ الْكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ » رواه الترمذي وغيره. وهذه الخصال كلها تكون في رمضان، فيجتمع فيه للمؤمن الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث، والصيام والصلاة والصدقة توصل صاحبها إلى الله عز وجل. وقال بعض السلف: الصلاة توصل صاحبها إلى نصف الطريق، والصيام يوصله إلى باب الملك، والصدقة تأخذ بيده فتدخله على الملك. وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه أَنَا. قَالَ « فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه أَنَا. قَالَ « فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه أَنَا. قَالَ « فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا ». قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه أَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا اجْتَمَعْنَ فِى امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ ». ومنها: أن الجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها، وخصوصا إن ضم إلى ذلك قيام الليل، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الصيام جُنة) ، وفي رواية: (جُنة أحدكم من النار كجُنته من القتال) ، وكان أبوالدرداء رضى الله عنه يقول: صلوا في ظلمة الليل ركعتين لظلمة القبور، صوموا يوما شديدا حره لحر يوم النشور، تصدقوا بصدقة لشر يوم عسير. ومنها: أن الصيام لا بد أن يقع فيه خلل أو نقص، وتكفير الصيام للذنوب مشروط بالتحفظ مما ينبغي التحفظ منه ، وعامة صيام الناس لا يجتمع في صومه التحفظ كما ينبغي، ولهذا نهى أن يقول الرجل: صمت رمضان كله أو قمته كله، فالصدقة تجبر ما فيه من النقص والخلل. ولهذا وجب في آخر شهر رمضان زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث. والصيام والصدقة لهما مدخل في كفارات الإيمان ومحظورات الإحرام وكفارة الوطء في رمضان، ولهذا كان الله تعالى قد خير المسلمين في ابتداء الأمر بين الصيام وإطعام المسكين، ثم نسخ ذلك وبقي الإطعام لمن يعجز عن الصيام لكبره، ومن أخّر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر فإنه يقضيه ويضم إليه إطعام مسكين لكل يوم تقوية له عند أكثر العلماء، كما أفتى به الصحابة وكذلك من أفطر لأجل غيره كالحامل والمرضع على قول طائفة من العلماء. ومنها: أن الصائم يدع طعامه وشرابه لله فإذا أعان الصائمين على التقوي على طعامهم وشرابهم كان بمنزلة من ترك شهوة لله وآثر بها أو واسى منها، ولهذا يشرع له تفطير الصوام معه إذا أفطر، لأن الطعام يكون محبوبا له حينئذ فيواسي منه حتى يكون من أطعم الطعام على حبه، ويكون في ذلك شكر لله على نعمة إباحة الطعام والشراب له ورده عليه بعد منعه إياه، فإن هذه النعمة إنما عرف قدرها عند المنع منها.
المصدر : مواقع دينية