تقرير/ وجيه رشيد
يرى مختصون في الشأن الاقتصادي، أن انخفاض سعر الدولار الأمريكي مقابل الشيكل الإسرائيلي سلاح ذو حدين باعتباره مفيدًا من ناحية لشركات الاستيراد والتصدير وضارًا بالنسبة للمواطنين والأسواق المحلية.
ويواصل الدولار هبوطه بشكلٍ حاد وغير مسبوق منذ 26 عامًا، حيث ارتفع سعر صرف الشيكل ووصل إلى أعلى مستوياته، وهو ما أثار حفيظة المواطنين وزاد تخوفاتهم خاصة الذين يتقاضون أجورهم بالدولار حيث ستنخفض عمليًا قيمة رواتبهم.
انخفاض الدولار أمام قوة الشيكل لم تحدث منذ ربع قرن تقريبًا، بحسب ما صرح به البنك المركزي الإسرائيلي قائلًا إن تم تحديد سعر الصرف عند 3.15 للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى منذ ربع قرن ففي إبريل العام 1996 تم تداول الدولار بأقل من 3.1 شيكل.
وأكد رونين مناحيم وهو كبير الاقتصاديين في "بنك مزراحي تفحوت" الإسرائيلي، أن صعود الشيكل مقابل اليورو يعود لضعف اليورو مقابل الدولار في جميع أنحاء العالم (من 1.22 دولار مقابل اليورو في منتصف العام 2021 إلى 1.156 دولار مقابل اليورو) بينما تعزز الشيكل مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.
وفيما يتعلق بارتفاع سعر الشيكل مقابل الدولار، قال مناحيم، إن هناك قائمة طويلة من العوامل التي تعمل معًا وراء هذا الاتجاه، منها الزيادات في أسواق الأوراق المالية في الخارج والتي تجبر المستثمرين المحليين على تحويل الدولارات إلى شيكل خوفا من تعرضهم للخطر ووصول شركات استثمارية كبيرة إلى "إسرائيل" وبالطبع الفائض المتزايد في الحساب الجاري.
بدورها، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن صعود الشيكل مقابل الدولار يفسر بخروج الاقتصاد الإسرائيلي من الموجة الرابعة لفيروس "كورونا"، مشيرة إلى أن "ميزانية الدولة التي يتوقع إقرارها الأسبوع المقبل ولأول مرة منذ أكثر من ثلاث سنوات ستزيد من تعزيز الشيكل".
وللوقوف أكثر على حثيثات القضية المورقة لجيوب المواطنين، توجهت "الوطنية" لخبراء اقتصاديين للتعرف أكثر عن أسباب انخفاض الدولار مقابل الشيكل ومن يقف خلف هذا التذبذب الخطير وما آثاره على الأسواق سواء المحلية أو الدولية.
وقال الخبير الاقتصادي الفلسطيني سمير الدقران، إن الانخفاض الكبير في سعر الدولار يؤدي إلى انخفاض أسعار المنتجات المستوردة وذلك استنادًا إلى التبادل التجاري والشراء الذي يتم بالدولار، والدينار مازال محتفظًا بقيمته أمام الدولار وليس الشيكل المعيار.
مصلحة للشركات ومضرة للأفراد
وأضاف الدقران، خلال حديثه لـ "الوطنية"، أن قيمة الدينار بالنسبة للدولار تقريبًا 1.5 دولار لكل دينار، حيث أن الدينار والدولار ينخفضان أمام الشيكل سويًا بنفس النسبة تقريبًا، وهذا تأثيره اقتصاديًا بدون تدخل الشيكل.
وتابع: "انخفاض سعر الدولار يتناسب مع انخفاض سعر الدينار على التساوي، فبما أن السلعة مستوردة بالدينار او الدولار يؤدي ذلك إلى انخفاض أسعار السلع التي يتم شراؤها بالدينار أو الدولار فهذا يكون إيجابيًا بالنسبة للمواطنين الذين يستوردن البضائع".
وأشار إلى أن الأوضاع الاقتصادية في أمريكا والأردن تزداد سوءًا بانخفاض أسعار الدولار والدينار، منوهًا إلى أن التبادل التجاري إما بالدولار أو الدينار، في كل الانخفاضات ينخفض الدولار مع الدينار بشكلٍ متوازي، أما مقابل الشيكل فيكون الأمر مختلفًا.
وضرب الخبير الاقتصادي مثلًا توضيحيًا: "إذا كانت السلعة قد اشتريتها بالدولار من أي بلد خارج وكان الدولار في ذلك الوقت 3.7 أما اليوم 3.1، ففي حال بيع السلعة بالشيكل وأسترجع الدولار بـ 3.1 فيصبح أكثر إفادة".
وبسؤاله عن التأثير السلبي مقابل تبديل العملة من الشيكل للدولار وبالعكس، قال: "هذه العملية تؤثر بالطبع وبشكلٍ كبير على المواطنين أما على مستوى الشركات فيصبح انخفاض الدولار أكثر إفادة".
وأردف: "انخفاض سعر الدولار يكون مفيدًا للشركات ويعمل على تقوية الأسواق على المستوى التبادل التجاري، أما الانخفاض فيؤدي بالمستوى الاقتصادي والسوقي إلى آثار سلبية كبيرة جدًا بالنسبة للمواطنين والمستهلك".
وقال إن البُطء الحاصل بتعافي الاقتصاد الأمريكي الداخلي بعد جائحة كورونا مقابل النمو الحاصل في الأسواق الأخرى التي تعافت مثل نظيره الصيني، ساهم بعدم صمود الدولار أمام بعض العملات العالمية الأخرى.
البنك المركزي الأمريكي من يقف خلف تذبذب الدولار
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي الفلسطيني معين رجب، إن هبوط الدولار بهذه الحدة بشكلٍ متتابع وخلال فترة قصيرة يشكلٍ مصدر قلق للجميع، ويعكس حالة من عدم الاستقرار في النظام النقدي العالمي باعتبار أن الدولار عملة دولية وهو احتياطي لمختلف بلدان العالم، لافتًا إلى أن الأصل أن يكون هناك استقرار نسبي بالأسعار ليتحقق الاطمئنان عند المتعاملين بالدولار.
وأوضح رجب، خلال حديثه لـ "الوطنية"، أن الانخفاض حاد بسعر الدولار مقابل الشيكل يعني ذلك ارتفاع حاد في الشيكل، وقد تكون هناك عوامل من جهة الاقتصاد الإسرائيلي وقد يكون هناك عوامل من جهة الاقتصاد الأمريكي وقد يكون هناك عوامل أخرى خارجية.
وعن أسباب هذا الهبوط، أكد أن الاقتصاد الأمريكي يمر بمرحلة لا تحكمها سياسة محددة للحفاظ على سعر مستقر مقابل العملات الدولية، مضيفًا: "البنك المركزي الأمريكي وهو الاتحاد الفدرالي لا يقوم باتباع سياسية ملائمة تحافظ على حالة الاستقرار في سعر صرف الدولار الأمريكي باعتباره لا يخضع للحكومة بشكلٍ مباشر وبنفس الوقت ينظرون للسوق الحر ليأخذ مجراه، فإذا ارتفع يستمر في الارتفاع إلى أن يبلغ مداه وإذا انخفض يستمر في الانخفاض حتى يصل أدناه، ولا يتدخلوا إلا إذا تفاقم الأمر".
وبين أن سياسية البنك المركزي الأمريكي غير ملائمة، فالأصل أن يكون له دور كبير في حماية العملة الوطنية، وهذا يعد من الأسباب الرئيسية في انخفاض سعر الدولار بعدم قيام البنك المركزي الأمريكي بدوره المنشود كما الحال في البنوك المركزية بالعالم.
ونوه إلى أن الذي يقف وراء ذلك هي الولايات المتحدة الأمريكية وسعيها للسيطرة والاستحواذ على الأسواق العالمية وتعزيز صادراتها، وضرب الاقتصاد الصيني.
والسبب الآخر، الانخفاض الحاد يصل إلى سعر متدني أمام العملات الأخرى فمن وجهة نظر المنتجين يجعل السعر المنتجات الأمريكية رخيصة فيساهم بالترويج والتصدير للخارج وهو مطلب تسعى إليه أمريكا في مواجهة رخص البضائع الصينية، بحسب الخبير الاقتصادي.
ونبه إلى أن الانخفاض يعد ميزة في عملية تحسين الميزان التجاري والتشجيع للصناعة الوطنية في أمريكا، ويبقى ألا تصل الأضرار إلى مستوى يضر ضرر كبير بأحد الطرفين، الضرر المحدود يمكن قبوله أما الضرر الكبير يلحق الأذى.
هل ينخفض الدولار أكثر من ذلك؟
وقال رجب، إن انخفاض الدولار أكثر من ذلك هي تنبؤات محتملة لا نستطيع الجزم بها، فهذه الاحتمالات واردة لأن ضررها بليغ، مؤكدًا أن السلطات المختصة تواصل عملية التقصير بإغفالها حقوق الآخرين المتضررين من هذه السياسية.
وتابع: "أمريكا تستغل فرصة انخفاض الدولار باعتبار أن العالم غير قادر على عمل أي شيء مضاد"، متوقعًا ألا يستمر هذا الهبوط بالصورة التي نشهدها، فربما يتدخل الاحتلال ويقوم بشراء ملايين الدولارات لإصلاح هبوطه لكن البنك الإسرائيلي لم يتدخل بالاتفاق بين الطرفين.
وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يتدخل البنك الإسرائيلي المركزي الذي عادة وبمثل هذه الظروف يشتري كميات كبيرة من عملة الدولار، بمحاولة لعمل توازن محدود والحيلولة دون حدوث فجوة كبيرة في السعر ولوقف انخفاض سعر الصرف.
وتشير توقعات الخبراء إلى أن يكون هذا التحول في سعر صرف الدولار أمام الشيكل "ليس مؤقتا" إنما قد يكون طويل الأمد.
المصدر : الوطنية - وجيه رشيد