تشهد أوكرانيا ومحيطها توترا مستمرا مع الجارة الروسية منذ 8 سنوات، قُرعت خلالها مرارا طبول الحرب، بين البلدين تارة، وبين روسيا ومعسكر الغرب الداعم لكييف تارة أخرى.
تأتي التوترات الحالية بعد ثماني سنوات من ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، جنوبي أوكرانيا. ويخوض الجيش الأوكراني منذ ذلك الحين، حربا مع المتمردين المدعومين من روسيا في المناطق الشرقية بالقرب من الحدود الروسية.
وكان رئيس الوزراء البريطاني قال في وقت سابق، إنه يأمل في أن يجد "الردع القوي" و"الدبلوماسية الصبورة" طريقة للتغلب على الأزمة، لكن المخاطر كانت "كبيرة للغاية".
ورغم أن الكثيرين ينقسمون، بين من يعتبر أن الحرب آتية لا بد منها، ولو بعد حين، وبين من يستبعدونها كخيار ضروري، أو مطروح أصلا بين أطراف النزاع، فإنهم يُجمعون حول الأزمات والتوترات، التي قد تكون فيها شرارة "حرب محتملة"، يدور الحديث عنها عند كل تصعيد.
سبب النزاع بين اوكرانيا وروسيا :-
على مدار السنوات الماضية، تعاظمت إمكانيات اندلاع شرارة هذه الحرب، بحكم كثرة الأزمات والتوترات الرئيسية والفرعية، ومن أبرزها:
1- القرم:
في بادئ الأمر، تجلت أزمة أوكرانيا مع روسيا بسيطرة الأخيرة على القرم وضمه في مارس/آذار 2014، وتأكيد كييف أنها ستستعيد شبه الجزيرة بكل الوسائل المتاحة.
وترتبط بالقرم أزمات كثيرة، منها:
– عدم اعتراف معظم دول العالم بروسية القرم، وفرض عقوبات واسعة على موسكو، بسبب احتلاله، وانتهاك سيادة وسلامة أراضي أوكرانيا.
– عسكرة القرم، حيث تتهم موسكو بعسكرة أراضي شبه جزيرة القرم، بما يهدد أمن أوكرانيا ودول الجوار الأوروبي.
– شح المياه، حيث تتهم موسكو كييف بقطع شريان المياه العذبة عن القرم (قناة الشمال التي تلبي نحو 85% من حاجة سكانه وأراضيه)، ما أدى إلى أزمات عدة فيه.
2- حرب الدونباس:
في أوكرانيا حرب مشتعلة أصلا منذ سنة 2014 في إقليم "دونباس" شرقا، بين قواتها والانفصاليين الموالين لروسيا، وهذه الحرب قد تكون شرارة حرب أوسع في المستقبل.
وحدات عسكرية روسية قرب الحدود الأوكرانية (رويترز)
عوامل قد تلعب دورا في هذا السيناريو:
– إصرار كييف على أن موسكو طرف في النزاع، وليست وسيطا في عملية التفاوض، مع رفضها تقديم تنازلات للانفصاليين، قبل السيطرة على كامل الحدود الشرقية مع روسيا، في إطار "اتفاقيات مينسك".
– تحول كييف نحو الاعتماد على طائرات مسيرة تركية الصنع، وسط حديث ودعوات لتكرار سيناريو تحرير إقليم قره باغ الأذربيجاني في دونباس الأوكراني.
3- "حماية الرعايا"
اضطهاد الرعايا الروس، الذي كان ذريعة روسيا الأولى لدخول القرم ودعم الانفصاليين في دونباس، قد يكون ذريعة حرب في مناطق أوكرانية أخرى.
وروسيا، التي منحت جنسيتها لسكان القرم، وأعداد كبيرة من سكان دونباس، انتقدت بشدة قانون "الشعوب الأصلية" في أوكرانيا، الذي لم يشمل الروس، واعتبرته "قانونا عنصريا"، صادرا عن "سلطات فاشية".
وبدورها أيضا، ترفع أوكرانيا شعار حماية الرعايا، رغم فارق وضعف القدرة على حمايتهم فعلا، ولا سيما في صفوف المناوئين للاحتلال من أبنائها، كتتار القرم مثلا.
4- نوايا التوسع
عند كل تصعيد، تحذر أوكرانيا من "نوايا روسيا التوسعية"، وتشاركها هذه التحذيرات والمخاوف دول البلطيق (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، التي تخشى سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نحو استعادة أمجاد الاتحاد السوفياتي السابق، ولا سيما أنه يعتبر انهياره "أكبر مآسي القرن الـ20".
في 2014، كثر الحديث في روسيا عن حتمية قيام "روسيا الجديدة"، التي تشمل عدة مناطق أوكرانية ناطقة بالروسية، كدونيتسك ولوغانسك (التي يسيطر عليه الانفصاليون)، إضافة إلى سومي وخاركيف وزابوريجا وخيرسون وأوديسا.
5- زحف الناتو
أوكرانيا، بالمنظور الروسي، يجب أن تبقى "حديقة خلفية"، أو دولة تابعة موالية، أو محايدة رمادية على أكثر تقدير، بحسب خبراء.
وفي هذا الصدد، لعل أكثر ما يثير مخاوف روسيا حقيقة أن أوكرانيا تنشد عضوية حلف شمال الأطلسي "ناتو" (NATO)، وتقوم بخطوات عملية في هذا الاتجاه، وإن تعثرت.
وترفض روسيا زحف الحلف صوب حدودها الغربية مع أوكرانيا، وتعتبر أن في ذلك "خطوطا حمراء"، لا يجوز تجاوزها.
وقد شهدت السنوات والشهور الماضية كثيرا من التوترات والاتهامات المتبادلة في هذا الإطار، على خلفية مناورات عدة شهدها البر الروسي والأوكراني، وشهدها البحر الأسود.
6- البحر الأسود
يعتبر البحر الأسود من أكثر المناطق المتوترة أمنيا في المنطقة، بحكم أنه ساحة واسعة للمناورات، لا تسيطر روسيا على كامل أجزائه، وتستطيع من خلاله قوات الناتو والقوات الأميركية المرابطة قريبا من الحدود الروسية، ولهذا يرى خبراء روس أن البحر من "أبرز نقاط ضعف روسيا"، ومنه قد تأتي شرارة الحرب.
7- أهداف أميركا
بالإضافة إلى "دعم وحدة وسلامة أراضي أوكرانيا"، يرى مراقبون أن سر الاهتمام الأميركي بملف الأزمة الأوكرانية، وسر دعم كييف بمليارات الدولارات في مواجهة موسكو، يكمن في مصالح وأهداف أميركية، قد تتحول إلى شرارات حرب، ومنها:
– طعن روسيا في خاصرتها، وثنيها عن التحالف مع الصين، العدو الرئيس لواشنطن.
– عرقلة التقارب الروسي الأوروبي بعد سنوات القطيعة النسبية، وعرقلة مشروع "نورد ستريم 2" لنقل الغاز، كخطر جيوسياسي كبير على الحلفاء الأوروبيين.
– استنزاف قوى روسيا في ساحة الحرب الأوكرانية، وإضعاف نفوذها المتنامي إقليميا وعالميا.
8- السلاح المتطور
لا تزال أوكرانيا تطالب "الحلفاء" والولايات المتحدة بدعم عسكري نوعي، وأسلحة فتاكة، وقد حصلت فعلا على صواريخ "جافلين" الأميركية المضادة للدروع (Javelin)، وطورت صواريخ "نيبتون" المضادة للسفن (Neptune)، وكذلك اشترت من تركيا طائرات "بيرقدار" المسيرة.
وتعتبر روسيا أن هذه الأسلحة تهدد أمنها وسلامة رعاياها، وأن استخدامها على نطاق واسع قد يشعل أزمات دولية، وربما شرارة الحرب.
9- حشد القوات والتحالف الروسي البيلاروسي
وعلى أساس اتهامات بحشد 100 ألف جندي روسي على حدود أوكرانيا، يبدو أن روسيا تتحسب للحرب، وإن كانت تنفي الاستعداد لها، الأمر الذي يرفع حدة التوترات، وينذر بهبوب رياح الحرب.
ويدور الحديث هنا عن تطويق أوكرانيا من 3 جهات: من جهة القرم والبحر الأسود جنوبا، ومن جهة الدونباس شرقا، وكذلك من جهة الشمال البيلاروسي، لأول مرة منذ 2014، بحكم تحسن العلاقات كثيرا بين موسكو ومينسك مؤخرا، وقيام تحالف كبير واسع المجالات بين روسيا وبيلاروسيا في المنطقة.
10- أزمة المهاجرين
وأزمة المهاجرين الراهنة على الحدود البيلاروسية البولندية قد تتطور وتتحول إلى شرارة حرب أيضا، ولا سيما أن دولا ومحللين يرون أنها مصطنعة من قبل الحلف الروسي البيلاروسي، وتحمل دوافع سياسية للضغط على الاتحاد الأوروبي.
11- أزمة الطاقة وبرد الشتاء
ومن الأزمات الراهنة وأكثرها حدة تبرز أزمة الطاقة وارتفاع أسعار الغاز، وإصرار روسيا على إطلاق مشروع "نورد ستريم 2" والاستغناء عن خطوط النقل الأوكرانية، الأمر الذي لم يتم حتى الآن، نتيجة المخاوف والضغوط الأوروبية الأميركية.
وتتعاظم حدة هذه الأزمة كلما اشتد برد الشتاء، وارتفعت نسب التضخم أكثر فأكثر في القارة الأوروبية.
ويبدو أن مسؤولين عسكريين أوكرانيين، يتوقعون، على أساس كل ما سبق من أزمات وتوترات، اشتعال الحرب في نهاية يناير/كانون الثاني أو بداية فبراير/شباط 2022، كما صرح، قبل أيام، كيريلو بودانوف، رئيس وكالة الاستخبارات الدفاعية الأوكرانية.
12- إرهاب أو اغتيال أو حتى "انقلاب"
ولا يمكن استبعاد أن تكون شرارة الحرب المحتملة في عملية إرهابية لتبادل الاتهامات بالمسؤولية، أو في عملية اغتيال، تضاف إلى عشرات الاغتيالات التي شهدتها أوكرانيا ومناطقها المحتلة خلال السنوات الماضية.
وقد تكون الشرارة في محاولة "انقلاب" على السلطة في كييف بدعم روسي، الأمر الذي لمح إليها صراحة الرئيس فولوديمير زيلينسكي يوم الجمعة الماضي.
المصدر : وكالات