نشرت صحيفة "ذا غارديان" في عددها الصادر، الأربعاء الماضي، مقطع فيديو يُظهر ضابط مخابرات بصفوف قوات النظام السوري وهو يُقدم على إعدام ما لا يقل عن 41 شخصاً في حي التضامن بالعاصمة دمشق في العام 2013.
وجاء المقطع "الصادم" الذي حذّرت الصحيفة من احتوائه على مشاهد قد تكون مؤلمة، مرفقاً بتقرير مطّول حول تحقيق أجراه باحثان وينشر في وقت لاحق.
ووقع الفيديو هذا بين يدي أحد المجنّدين عن طريق الصدفة. فبحسب الصحيفة، سلّمته إحدى المليشيات التي تقاتل مع نظام بشار الأسد حاسوباً عندما تمّ تعيينه في إحدى الجبهات المشتعلة في ريف دمشق. فتح المجنّد الحاسوب وبدأ يتصفّح محتوياته فعثر على المشاهد التي "أصابته بالغثيان فشعر بضرورة تحريرها من جهاز الحاسوب ونشرها في الفضاء العام"، بحسب ما جاء في تقرير "ذا غارديان" الذي أعدّه مارتن شولوف.
تقول الصحيفة: "بعد إنهاء عملية الإعدام الجماعي تلك رمياً بالرصاص، سكب مرتكبوها الوقود على الجثث المتراكمة وأضرموا النار بها ضاحكين"، مشيرة إلى أنهم كانوا "يتستّرون حرفياً على جريمة حرب على بعد بضعة أميال فقط من مقرّ القيادة السورية".
ويعود تاريخ الفيديو إلى 16 إبريل/ نيسان 2013 ونفّذه "الفرع 227" من جهاز المخابرات العسكرية التابعة لنظام الأسد.
تحكي صحيفة "ذا غارديان" كيف سُرّب الفيديو بداية إلى ناشط معارض في فرنسا ومنه إلى الباحثين أنصار شحّود وأوغور أوميت أونجور، العاملين في "مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية" في جامعة أمستردام، مما شكّل مصدر خوف عظيم بالنسبة للمجنّد الذي ينتمي إلى عائلة بارزة موالية للأسد وكان ما يزال في الداخل السوري ذلك الحين.
يروي تقرير الصحيفة قصة "هروب" الفيديو من "سورية الأسد" إلى أوروبا، في رحلة محفوفة بالمخاطر، إلى جانب تفاصيل دقيقة عن كيفية التحقيق الذي خاضه الباحثان للوصول إلى هوية مرتكب "المجزرة المريعة". وكانت أنصار شحّود قد عارضت النظام منذ بداية الثورة، وانتقلت للعيش في بيروت عام 2013 ومنها إلى أمستردام عام 2016 حيث التقت أوميت أونجور.
على مدى عامين، انتحلت شحّود شخصية مزيّفة على صفحة "فيسبوك"، وحاولت الإيقاع بالكثير من المتورّطين بالدم السوري. "في مارس/ آذار 2021، وصلت أخيراً أنصار شحّود بهويّتها المستعارة إلى معرفة هوية الرجل الذي يرتدي قبعة صيد في الفيديو ويقوم بتنفيذ عملية الإعدام تلك. فأصبح الصياد هو الفريسة"، بحسب الصحيفة.
"تحدثت الشخصية المستعارة إلى ما يصل إلى 200 مسؤول في النظام، بعضهم متورّط بشكل مباشر في جرائم قتل، وآخرون مارسوا التحريض ودافعوا عن محاولات الأسد الوحشية المتزايدة للتشبث بالسلطة". ثم عثرت عن طريق البحث في صور "الأصدقاء" على الشاب "الصيّاد" واسمه على "فيسبوك" أمجد يوسف. وبعد حوارات مطوّلة اعترف أمجد بارتكابه عمليات قتل في مرات كثيرة متذرّعاً برغبته بالانتقام لمقتل أخيه في الحرب السورية. "إنني فخور بذلك"، يقول أمجد نقلاً عن الصحيفة.
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، قال معدّ التقرير مارتن شولوف إن "أهمية الفيديو والتحقيق تأتي من ربط المخابرات السورية بجريمة حرب موثّقة". وأضاف أن "هذا إلى جانب المحاكمات التي بدأت في ألمانيا ضد مجرمي الحرب، سيساهم في الوصول إلى العدالة ومحاكمة بشار الأسد على ما ارتكبه هو وأجهزته وحلفاؤه".
واعتبر شولوف أن مثل هذه المواد التوثيقية "مهمة جداً في الوقوف في وجه التطبيع مع نظام الأسد، إذ إنها ستعطي الحكومات التي تريد أن تطبّع سبباً إضافياً لإعادة التفكير بسياساتها"، معرباً عن اعتقاده بأن "العدالة قادمة لضحايا إجرام النظام السوري".
وتعدّ الخطوة التي اتخذتها الصحيفة البريطانية عبر نشرها الفيديو المرافق للتقرير، غير اعتيادية على الإطلاق في إعلام غربي تدعو قوانينه إلى "نبذ العنف" ومواجهة التحريض عليه. وعن ذلك قال شولوف: "كان علينا التفكير بنشر الفيديو بكثير من التأنّي. أخفينا الوجوه والملامح وامتنعنا عن نشر الفيديو كاملاً. إلا أننا اتخذنا قراراً تحريرياً بنشر ما يكفي للإضاءة على حقيقة ما جرى ولتوثيق هذه الجريمة".
المصدر : العربي الجديد