الوطنية - وجيه رشيد
من جديد، طفت قضية الأسرى الإسرائليين المحتجزين بغزة لدى كتائب القسام الذراع العسكري لحركة "حماس" على السطح بعد إعلان الناطق باسم الكتائب أبو عبيدة عن تدهور صحة أحدهم.
إعلان أبو عبيدة الذي جاء في وقت حساس إسرائيليًا بعدما اتفق رئيس الحكومة نفتالي بينيت ووزير خارجيته يائير لابيد على حل "الكنيست" واللجوء إلى انتخابات خامسة مبكرة، حرك المياه الراكدة في أكثر الملفات تعقيدا وأعادها لواجهة الأحداث مجددًا.
وفي خضم القضية، قال أبو عبيدة، في تغريدة له على "تيلجرام"، إن صحة أحد أسرى العدو لدى كتائب القسام، قد تدهورت".
المثير للاهتمام ولافت في تلك التغريدة، أنه لم يتم تحديد هوية الأسير الإسرائيلي مما سيزيد الضغط على أي حكومة إسرائيلية قادمة لإنهاء هذا الملف الذي ما زال يراوح مكانه دون أي تقدم ملموس يذكر.
وتحتفظ كتائب القسام بأربعة إسرائيليين، بينهم جنديان أُسرا خلال الحرب على غزة صيف عام 2014، أما الآخران، فقد دخلا غزة في ظروف غير واضحة.
ويبلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال نحو(4600) أسيرًا، وذلك حتّى نهاية شهر أيار 2022، من بينهم (31) أسيرة، و (172) طفلاً، و (682) معتقلاً إداراياً، و (500) أسير مريض، و(551) أسير يقضون حكماً بالسجن المؤبد، بالإضافة إلى (214) أسيراً مضى على اعتقالهم 20 عاماً فأكثر وهؤلاء يُطلق عليهم "قدماء الأسرى".
في حين بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري الصادرة في الشهر أيار 2022 نحو 157 أمرًا من بينها 82 أمر جديد، و 75 أمر تمديد.
وتأمل المقاومة في تحقيق صفقة تبادل ثانية كما حدث في عام 2011، عندما جرت صفقة تبادل أسرى بين "حماس" و"إسرائيل" برعاية مصرية، إذ تم خلالها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، مقابل إطلاق سراح 1027 أسيرة وأسيرًا.
ويرى محللون سياسيون، أن إفصاح القسام عن تدهور صحة أحد أسرى الاحتلال لديها سيعيد الملف الشائك إلى الواجهة بعد حالة الجمود الذي أصابه.
وأكد هؤلاء، في تصريحات ومقالات، كانت تحت مجهر "الوطنية" أن اختيار القسام لهذا الوقت بالذات لكشف تلك المعلومات يعد الأنسب والأمثل، باعتبار أن "إسرائيل" تعيش في أزمة غير مسبوقة وخلافات تعصف بالمستوى السياسي.
إعلان في وقت أزمة غير مسبوقة
وقال الكاتب والمحلل السياسي شرحبيل الغريب، إن إعلان القسام عن تدهور أحد الأسرى سيحرك المياه الراكدة في ملف صفقة تبادل الأسرى.
وأضاف الغريب، أن الإعلان جاء في وقت تعيش فيه "إسرائيل" أزمة غير مسبوقة وخلافات تعصف بالمستوى السياسي، لافتا إلى أن ذلك يندرج تحت إطار حرب المعلومات وصراع الأدمغة بين المقاومة والاحتلال.
وأوضح أن طبيعة الإعلان سيحدد تداعياته من خلال هوية الجندي الذي طرأ تدهور على صحته، مشيرًا إلى أنه سينعكس سلبا على مستويات أمنية وعسكرية وسياسية إسرائيلية.
ولفت إلى أن هذا الإعلان سيشكل عامل ضغط إسرائيلي داخلي من عوائل الجنود الأسرى ومزيد من التأليب على حكومة هزيلة تسيطر عليها الخلافات والانقسامات.
تحريك الملف
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، إن لدى القسام ما يمكن أن يحرك ملف تبادل الأسرى مع الاحتلال بعد التبلد الذي أصاب قيادة الكيان في عدم تعاطيها مع ملف الأسرى ومحاولاتها تضليل الجمهور الإسرائيلي بأن جولدن وشاؤول جثث لدى القسام.
واعتقد الصواف، أن ما سيكشفه القسام أو سيتحدث به متعلق بالضابط الذي أسر في رفح جولدن أو الذي أسر شرق الشجاعية.
وأضاف: "الحديث الذي سيكون يؤكد كذب قادة الاحتلال على جمهوره، وأن من كان يسميهم جثث ها هو أحدهم وضعه بات متدهورا وهذا يؤكد أن ما يتحدث عنه القسام بأن لديه جنديين حقيقة مؤكدة، وهو الجهة التي لديها المعلومات حول وضع الجنديين اللذين أسرى في عدوان 2014".
وتابع: "القسام بات أكثر نضجا في التعامل مع صفقة جديدة من خلال استثمارك وضع الجنديين، وربما يرون أن هذا الوقت الأنسب لإثارة هذا الموضوع والذي كانت تريد القسام إستثماره وهو تقديم المعلومة مقابل ثمن، ولكن الحالة التي عليها الجندي الأسير والوضع الداخلي للكيان والصراع القائم على المستوى السياسي قد يكون هو الأنسب".
وأكمل: "لكن الحالة التي عليها الجندي الأسير والوضع الداخلي للكيان والصراع القائم على المستوى السياسي قد يكون هو الأنسب الذي ترى القسام أنه يمكن الضغط على حكومة في نهايتها أو قد يكون ورقة تقدم لمن سيأتي بعد حكومة نفتالي بينيت والذي سيشكل حراك الرأي العام الإسرائيلي ضغطًا كبيرًا على الحكومة القادمة وبقايا الحكومة القائمة".
لا معلومات مجانية
إلى ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي مفيد أبو شمالة، إن تغريدة الناطق باسم كتائب القسام نقلت واقعا حقيقيا لما تعرض له أحد الأسرى الصهاينة بالفعل.
وأكد أبو شمالة، أن من حق الاحتلال والوسطاء فهم تغريدة أبو عبيدة كما يرغبون، لافتًا إلى أن كتائب القسام لن تقدم أي معلومة مجانية.
ونوه إلى أن جيش الاحتلال لا يزال يستمر في إنكار وجود أسرى لدى كتائب القسام ويمارس التضليل على جمهوره، منبهًا إلى أن كتائب القسام أثبتت مصداقيتها في كثير من المواطن.
وأضاف: "المعلومة الآن في الفضاء ومن حق العالم أن يتلقفها:، مشيرً إلى أن حكومة الاحتلال تتنكر لملف الأسرى الصهاينة.
تعليمات إسرائيلية مشددة
وفي المقابل، قال مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت، إن حركة "حماس" مسؤولة عن حالة الأسرى الإسرائيليين لديها.
وأضاف مكتب بينيت، أن "إسرائيل" ستواصل جهودها، بوساطة مصرية لإعادة الأسرى والمفقودين من قطاع غزة.
وفي السياق، قالت القناة 13 الإسرائيلية، إن رئاسة الوزراء أصدرت تعليمات بعدم التعليق على إعلان "حماس" بشأن صحة أحد الأسرى لحين استيضاح الأمر.
بدوره، زعم مسؤول إسرائيلي كبير، وفق ما ذكرته قناة "ريشت كان"، أنه لم يطرأ أي تغيير على صحة أي من الأسرى لدى "حماس"، معتبرًا إعلان القسام بأنه "استفزازي" في الذكرى الثامنة لعملية "الجرف الصامد/ عدوان 2014".
وقال المسؤول، إن "حماس" تخوض حربًا نفسية ضد "تل أبيب" عبر إعلان تدهور صحة أحد الجنود الإسرائيليين لدى كتائب القسام.
فيما اعتبرت القنوات الإسرائيلية المختلفة أن "حماس" بهذا الإعلان تشير للأسيرين أفراهام منغستو، وهاشم السيد، باعتبار أنهما أحياء، في حين تعتبر منذ سنوات أن الجنديين هدار غولدن، وأرون شاؤول بأنهما عبارة عن جثث، في حين كانت كتائب القسام قد ألمحت إلى أنهما أحياء.
من هم الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى كتائب القسام؟
الجدير ذكره، أن كتائب القسام كشفت مساء 20 يوليو 2014 عن أسرها جنديًا إسرائيليًا يدعى "شاؤول أرون" خلال عملية شرق حي الشجاعية شرق مدينة غزة إبان العدوان البري؛ لكن جيش الاحتلال أعلن عن مقتله.
وفي الأول من أغسطس من نفس العام، أعلن جيش الاحتلال فقده الاتصال بضابط يدعى "هدار جولدن" في رفح جنوبي القطاع، وأعلنت القسام حينها أنها فقدت الاتصال بمجموعتها التي أسرته في المكان، ورجحّت استشهادها ومقتل الضابط الإسرائيلي.
وفي يوليو 2015 سمحت الرقابة الإسرائيلية بنشر نبأ اختفاء الإسرائيلي "أبراهام منغستو" من ذوي الأصول الأثيوبية بقطاع غزة قبل 10 أشهر (سبتمبر 2014) بعد تسلله من السياج الأمني شمالي القطاع، كما أفادت مصادر صحفية غربية عن أن "إسرائيل" سألت عبر وسطاء غربيين عن شخص "غير يهودي" اختفت أثاره على حدود غزة في تلك الفترة، وهو الأمر الذي لم تتعاط معه "حماس" مطلقًا.
وعرضت كتائب القسام صور أربعة جنود إسرائيليين وهم: "شاؤول آرون" و"هادار جولدن" و"أباراهام منغستو" و"هاشم بدوي السيد"، رافضة الكشف عن أية تفاصيل تتعلق بهم دون ثمن.
وفي يناير 2018، قال وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إنه لا يعرف إذا كان الإسرائيليون المحتجزون في قطاع غزة أحياء أم أموات.
وكانت تلك المرة الأولى التي يعترف فيها مسؤول إسرائيلي رفيع بإمكانية وجود أسرى على قيد الحياة لدى المقاومة في غزة، بعد إصرار لسنوات على أنهم "جثث".
المصدر : الوطنية - وجيه رشيد