لم تتردد الأطراف الفلسطينية في إظهار عدائها لبعضها البعض, في الوقت الذي انشقت فيه قلاع الأمل لدى أبناء الشعب بالنجاة, سرعان ما انهدمت الأحلام وطالت الخسارة الجميع, المواطن هو المتضرر الأول والأخير, لا قادة تعي ولا حياة لمن تنادي.

الحديث عن المصالحة الفلسطينية أمر قد مُل منه وتأخر كثيراً, كل من الطرفين يطالب بالمستحيل لكي يفشل المصالحة, "حماس" ليست المسؤولة الوحيدة عن تدهور الوضع بالقطاع، بل قيادة "فتح" ورئيسها محمود عباس هو المعرقل الأول لإحداث توافق جدي بين الطرفين, في الوقت الذي تنازلت فيه حركة "حماس" عن كثير من الأمور لإنجاح المصالحة وطالبت من السلطة الفلسطينية بأن تعود أدراجها وتمسك زمام الأمور, تحاول حركة "فتح" فرض مزيد من العقبات أمام "حماس".

لابد لنا أن ندرك بأن جميع محاولات انجاح المصالحة جاءت متأخرة ولن تنجح ما دام كل طرف يفرض نفوذه في منطقة, فنحن الأن في وضع يجعلنا نضع كل الاحتمالات وأن نكون أكثر واقعية بأن "حماس" خلال 11 سنة من الانقسام قد تجذرت وسيطرت على كل قطاعات الحياة داخل القطاع لذلك من غير الممكن مطالبتها بالتخلي عن القوة التي تمتلكها وما هذا الا محاولة من السلطة لإغلاق كل طرق الحل.

اذا ما حاولنا وضع بعض معوقات الانقسام جانباً كملف سلاح المقاومة وطالبنا من كلا الجانبين السعي بباقي الأمور المطلوبة لإنجاحها, نرى بأن العقبات قد وضعت في أول خطوة من خطوات الحل على سبيل المثال قضية موظفي "حماس" أظهرت السلطة عدم قدرتها على استيعاب الكم الكبير داخل الحكومة وأنها إن كان لها نية فذلك يعني بأن باقي الموظفين سيكونوا في خانة العاطلين عن العمل.

إن سعي الطرف المصري لتذليل العقبات أمام المصالحة لإتمامها بشكلٍ مقبول وخاصة استضافتها في الفترة الماضية للعديد من الوفود الفلسطينية, يدل على رغبة الادارة المصرية تحقيق انتصارات قد تجعل منها طرف فاعل في المنطقة, ودافع منها  لحماية القضية الفلسطينية، ومواجهة القرار الأمريكي الأخير بشأن القدس، ومواجهة الاستيطان.

في سياق الحديث عن المصالحة لا يجب أن نغفل المساعي الدولية الحالية لإحداث تسوية سياسية جديدة, وخاصة بعد فشل كل محاولات التسوية القديمة بين الطرف الفلسطيني والاسرائيلي بعد إعلان الرئيس الامريكي بأن القدس عاصمة "إسرائيل" التي مثلت الصفعة التي دوت وجعلت كل ما سبق من إجتماعات للتفاوض رماد.

كانت السلطة الفلسطينية ترى في عملية التسوية السياسية مهرباً من التساؤلات التي تطرح عليها أين القدس؟ وأين حق العودة؟ وأين الأرض؟ فكانت تجد في المفاوضات طوق نجاة بأنها ما زالت تدافع وتطالب بهم جميعاً, ولكن بعد الإعلان الامريكي المشؤوم أصبح واجباً على السلطة الفلسطينية التخلي عن مشروع التسوية السياسية.

السلطة الفلسطينية لم تيأس من وضع احتمالات للعودة لطاولة المفاوضات, تلك العودة التي تعتبر خوف أكثر منه رغبة بإيجاد حلول بديلة, وبالتالي فهي مدركة تماماً بأن تصفية القضية الفلسطينية هو مشروع يتم الأن وأن صفقة القرن التي تنبأت بها, قد بدأت بنودها بالتنفيذ وهي غير مدركة لخطورة الأوضاع.

لا شك بأن اللقاءات الاخيرة بين نتنياهو وترمب تدفع بعجلة "صفقة القرن" إلى الأمام وخاصة بعد أن نجح في اقناع ترمب بالإسراع في نقل السفارة والتي أبدت الادارة الامريكية بالاستجابة الفورية له, بل لا يقتصر الامر على ذلك حيث من الممكن أن تقوم دول أخرى بنقل سفاراتها أسوة بالولايات المتحدة الامريكية التي سوف تمارس الضغط والغطرسة عليها.

اذا ما نظرنا إلى خفايا تصريح نتنياهو يظهر لنا بشكل واضح بأنها محاولة  في إقناع ترمب وإدارته بضرورة دعم "إسرائيل" بضم الضفة الغربية، هذا الأمر وإن لم يظهر ا\إلى العلن الأن إلا أنهُ من الممكن الترجيح بأن مصير الضفة الغربية قد تم الحديث عنه في بنود الصفقة.

يظهر لنا في النهاية بأن الولايات المتحدة الامريكية التي تمارس الضغط على السلطة الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات هي التي أنهت كل مشاريع التسوية السياسية بانحيازها الكامل لـ "إسرائيل", وأن أي خطوات للعودة من قِبل السلطة هو بدافع الخوف وليس الرغبة, لأنها على يقين بأن  الخروج من عملية التسوية السياسية ببعض الأرباح هو مجرد أوهام, ومضيعة وقت.

وجميع هذه العقبات تلقي بثقلها على الشعب الفلسطيني الخاسر والمتضرر الأول من أحداث الانقسام وتدهور الاوضاع الانسانية في قطاع غزة هي الشاهد على ذلك, وجميع الفلسطينيين بما فيهم اللاجئين المتضررين من عملية التسوية السياسية.