استهداف موكب رئيس الوزراء الفلسطيني أثار حفيظة الشارع الفلسطيني بين شجب واستنكار، فالكثيرون اعتبروه محاولة لإماتة المصالحة ونفيها الى أرضٍ بعيدة.
فور وقوع الحادثة تناولت بعض وسائل الإعلام المحلية الحادث بنوع من التضخيم, الامر الذي جاء منسجماً مع هدف المنفذين وهو تضخيم الوضع وإثارة الفتنة لدفن المصالحة وجعلها أمر لا يمكن العودة إليه أبداً, وبما أن التفجير مدبر مسبقاً فلا يسعنا الا القول بأن الرغبة في إحداث نوع من البلبلة والفتنة في صفوف الفلسطينيين من خلال وسائل الإعلام هو أمر محسوب مسبقاً.
بالرغم من ذلك فإن الحمد لله وبعد تعرضه للحادث أكمل خطة عمله التي وصل غزة لأجلها، قبل أن يشد رحال العودة لرام الله، وما أكد على استيعابه الوضع أنه كان هادئ الوتيرة ساكن النفس, وفور وصوله للضفة عقد مؤتمر أكد فيه على إصراره وعزمه العودة الى غزة مع ثلة من الوزراء في أقرب وقت ممكن, وأن هذه الحادثة لن تثنيه عن ممارسة مهامه الحكومية الموكلة إليه.
لا شك بأن إلقاء التهمة على حركة "حماس" هو أمر بديهي ومأخوذ بالحسبان كونها هي المسؤول الأول والأخير عن الأوضاع الأمنية داخل قطاع غزة, وبالتالي فإنها مطالبة الأن بنفي التهمة عن نفسها، من خلال كشف الفاعل والمسؤول عن الحادث بشكل فردي، أو من خلال تشكيل هيئة وطنية لتحقيق بالجريمة للوصول للفاعل.
محاولة إماتة المصالحة الفلسطينية هو أمر متكرر الحدوث، ولكن هذه المرة جاء بوسيلة أكثر عنفاً, في العادة كان يتم إماتتها بتراشق العبارات الكلامية بين الطرفين، وكان ذلك كفيلاً بإنهاء مسيرة المصالحة, ولكن أن يصل الأمر إلى محاولة اغتيال فإن هذا الأمر يجعل منها أمراً غير ممكن.
بالرغم من وجود شعور داخلي لدى الكثيرين بأن "حماس" غير مسؤولة عن التفجير, إلا أن ذلك لا ينفي التهمة عنها إلا إذا تمكنت من إيجاد الفاعل ولكن بالرغم من ذلك وقعت "جماس" أيضاً في الفخ الذي نصب لها من قبل المخططين والمنفذين للهجوم، رغم تأكيد حماس الدائم بأنها على استعداد لإنجاح خطوات المصالحة بتقديم التنازلات, لكن أصبح واجباً عليها بذل جهد ميداني واعلامي وسياسي أكثر مما كان لإثبات بأنها عازمة وراغبة بالنهوض بالمصالحة مرة أخرى.
للوصول لغاية توضيحية أعمق يمكن القول بأن هذا الاستهداف لم يقصد منه اغتيال الحمد لله، بقدر ما كان مجرد تحريك للأحداث والإبقاء على جذور الانقسام الفلسطيني الذي يخدم بعض الاطراف والجماعات الأخرى, وإلا إن قصدت الاغتيال كان بإمكانها استخدام عبوات أشد تفجير وبالتالي تضمن تنفيذه، لكنها لم تقم بذلك.
لاشك بأن وقوع الحادث في وقت تمر فيه القضية الفلسطينية بلحظة حرجة وصعبة هو أمر في غاية الخطورة، فمن جهة نحن على أبواب عقد المجلس الوطني الفلسطيني , ومن ناحية أخرى الجميع ينتظر كشف الأمريكان عن صفقة القرن التي أعلن بأنه سيسبقها إصلاح أوضاع قطاع غزة الإنسانية وهذا إن كان يدل على شيء إنما على أن القضية الفلسطينية أصبحت بالنسبة لأمريكا هي قضية إنسانية أي قضية منطقة تعاني فقط من الجوع والفقر وبحاجة الى إنعاش وليست قضية وطن تم انتزاعه من أصحابه.
المطلوب من السلطة الفلسطينية الأن إعادة هيكلة سياستها الداخلية والسماح لحركتي حماس والجهاد الإسلامي حضور اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني لأن هذه الخطوة من شأنها إثبات بأن وتيرة المصالحة ما زالت تسير في طريقها المخطط وفيه رد على مرتكبي الحادثة بأن اللحمة الوطنية ستبقى مهما تكالب عليها الاعداء , وأيضاً السماح لهم بالمشاركة يعني تمكين حكومة غزة من تمثيل نفسها بطريقة عادلة.
بالتالي يجب على الأطراف الفلسطينية أن تعي جيداً بأنها في وضع لا يسمح لها بالتأثر بأي أحداث من شأنها إعاقة عملية المصالحة بل عليها التصدي لكل الجهات التي قد تشكل عائقاً أمامها وليس زيادة التوتر بالقضاء على كل محاولات المصالحة, بل من الممكن أن يمثل هذا الحادث وسيلة لحماس وفتح للتعاون لتمكين الحكومة الفلسطينية.
يجب على حركة "حماس" تبرئة نفسها بإثبات الفاعل ويجب على فتح أن تذلل العقبات أمام المصالحة الفلسطينية و الاتجاه للتعاون الجدي، في ظل "صفقة القرن" التي بدأت بجعل القدس عاصمة "إسرائيل", وتستعد الأن لإجبار السلطة الفلسطينية على العودة لطاولة المفاوضات مع تجاوز موضوع القدس لأنها قامت بحل هذا الملف.