يوم 27/8/2012م أعلن منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ماكسويل غيلارد للصحفيين عن جوهر التقرير الأممي عن واقع قطاع غزة نتيجة الحصار قائلاً: قطاع غزة لن يكون “ملائما للعيش” بحلول عام 2020 ما لم تتخذ إجراءات عاجلة لتحسين إمدادات المياه والكهرباء والخدمات الصحية والتعليم.
في ذلك اليوم كنت أعمل باحثاً في وزارة التخطيط الفلسطينية بقطاع غزة، وبدأت بدراسة التقرير الأممي، وفعلاً كان المنحنى الرقمي لأغلب المؤشرات يسير باتجاه سلبي، فالفقر والبطالة والواقع الصحي والتعليمي، وغيره كان ينذر بأن العام 2020 فعلاً ستكون غزة على موعد مع واقع إنساني بائس وصعب يصل إلى درجة الانهيار.
في العلم 2019م أصدرت وزارة التنمية الاجتماعية في قطاع غزة بياناً بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الفقر، وجاء فيه: أن نسبة الفقر والبطالة في قطاع غزة وصلت إلى ما يقرب من 75%، كما أن 70% من سكان القطاع غير آمنين غذائياً، و33,8% تحت خط الفقر المدقع. لتؤكد تقرير الأمم المتحدة.
الواقع في قطاع غزة مرتبط بثلاثة عوامل رئيسية ساهمت في هذا الواقع الصعب، فغزة تعاني من:
احتلال صهيوني على البر والبحر والجو، جعل من قطاع غزة أكبر سجن في العالم، ورغم ذلك فرض عليها حصار مشدد، ولم يتوقف عند هذا الحد، فتعرضت غزة أكثر من مرة لعدوان صهيوني قتل وجرح الآلاف من الفلسطينيين، ودمّر آلاف المنازل والمصانع، وجرّف مئات الدونمات الزراعية.
انقسام سياسي بين حركتي فتح وحماس، ساهم في إضعاف المناعة الفلسطينية، وكان عاملاً أساسياً في واقع قطاع غزة الصعب، حيث قلّص المجتمع الدولي من مشاريعه بذريعة أن حماس حركة (إرهابية) تحكم قطاع غزة، واتخذت السلطة عام 2017 إجراءات عقابية ضد القطاع، كان لها أثر كبير في تفاقم الواقع الإنساني داخل غزة.
كثافة سكانية هي الأعلى في العالم، وسط غياب للموارد، واعتماد كبير على المساعدات والمنح التي حجبت عن حركة حماس التي تحكم قطاع غزة لتدجينها ودفعها للإذعان والقبول بشروط الرباعية الدولية – (الاعتراف بإسرائيل – نبذ العنف – الالتزام بالاتفاقيات الموقعة)- ما دفع الأخيرة لفرض مزيد من الضرائب أثقلت كاهل الغزيين، وزادت من معاناتهم.
دخل العام 2020، ومضت ثلاثة شهور تقريباً منه، وسط ترقب وانتظار من سكان قطاع غزة لما ستؤول إليه الأمور، فهل فعلاً ستكون غزة مكانًا غير قابل للحياة، كما أنذرت الأمم المتحدة…؟
لم يكن يعلم الغيب إلا الله، فلم يتوقع أحد أن تصبح معظم دول العالم في العام 2020 غير قابلة للحياة بسبب فيروس كورونا الذي أصبح وباءً عالمياً حسب منظمة الصحة العالمية، بينما تنعم غزة بهذه الحياة، حيث لم يسجل حتى تاريخه أي إصابة بوباء الكورونا، لا أقول ذلك فرحاً بما أصاب الأمة، فلا والله فقلبي يتألم عندما يصاب أي مواطن على هذه المعمورة بهذا الوباء، ولكنها رسالة غزة إلى العالم، كيف عاشت غزة لسنوات في حصار، لا دواء، ولا حليب للأطفال، وبطالة في ازدياد، وفقر وصل كل بيت تقريباً، ومعابر مغلقة، إنها رسالة إنسانية للعالم أجمع، لتصبح الكورونا فرصة لتقييم أنفسنا وسياسات دولنا، لنعمل سوياً من أجل حياة كريمة لكل مخلوق على هذه الأرض، عنوانها: تعالوا نجنب شعوب الأرض ويلات الحروب، وجشع الرأسمالية، تعالوا نتعلم من جهودنا ضد الكورونا، التي ستصل لنتائج تقضي على الوباء، ولكن شعوب الأرض تنتظر جهود العالم في القضاء على كورونا الإرهاب والقتل والتعذيب وجشع التجار، والفقر والبطالة، وغياب العدالة الاجتماعية، وغياب الديمقراطية، إلخ…