في الخامس عشر من أيار يحي شعبنا في الوطن والشتات الذكرى الثانية والسبعين للنكبة الكبرى التي حلت بشعبنا الفلسطيني عام 1948 وما زال شعبنا الفلسطيني يئن تحت وطأة آثارها المؤلمة حتى يومنا هذا.
إنها ذكرى النكبة التي حلت بشعبنا قبل سبعة عقود وعامين حيث أقتلع شعبنا عنوة وطرد من أرضه وبيوته في أوسع وأبشع عملية تطهير عرقي في العصر الحديث، في ذلك اليوم الأليم اكتملت فصول المؤامرة التي حاكتها العصابات الصهيونية بالتواطؤ مع الامبريالية العالمية المتمثلة في بريطانيا الدولة المنتدبة على فلسطين في حينه،
في تلك الأيام السوداء نجحت العصابات الصهيونية بمساندة من بريطانيا والعديد من الدول الامبريالية الناشئة آنذاك ليس فقط بسرقة أرض بلا شعب كما كانوا يدعون، بل استولوا على دولة كانت قائمة بمؤسساتها المختلفة على الأرض وشعبها آمن يسعى لاستقلاله أسوة بالشعوب المجاورة التي تحقق لها ما أرادت.
اليوم ونحن نحيي ذكرى النكبة لا بد لنا من تلميع الذاكرة بالتركيز على ما تناولته مراكز الأبحاث والدراسات التي بحثت في القضية ، حيث أشارت في كل ما تناولته من ابحاث إن العصابات الصهيونية قامت بدعم كامل من بريطانيا بطرد أصحاب الأرض الأصليين في أوسع عملية تطهير عرقي منذ الحرب العالمية الثانية، فقد قاموا باغتصاب دولة كانت قائمة بالفعل لكنها خاضعة للانتداب البريطاني الذي خالف ما جاء في نص صك الانتداب بضرورة مساعدة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحرمت الشعب الفلسطيني من حقه في الاستقلال أسوة بشعوب البلدان المجاورة التي كانت خاضعة للاستعمار آنذاك، ولم يقتصردور بريطانيا على التآمر والتواطىء فحسب بل وفرت أيضا للحركة الصهيونية عملا بوعد وزير خارجيتها اللورد بلفور المشئوم كل فرص وعوامل النجاح، بدءا من توفير السلاح والعتاد وإقامة عشرات معسكرات التدريب للمجندين اليهود، علاوة على تسهيلها لحركة الهجرة واستيعاب عشرات الألوف من اليهود في العالم وإسكانهم في فلسطين، ومارست في نفس الوقت كل أشكال البطش والعنف الوحشي ضد أصحاب الأرض الحقيقيين وحرمتهم من أي وسيلة للدفاع عن حقوقهم في مواجهة الخطر الداهم الذي كان ينمو ويتصاعد أمام ناظريهم، فقاوموه بشجاعة وبسالة نادرة في محاولة لمنع الحركة الصهيونية من تحقيق أهدافها، لكنها نجحت اخيرا في تحقيق مشروعها باغتصاب وطن وتهجير شعب عاش مستقرا فوق أرضه آلاف السنين،
اليوم مرة اخرة وفي ذكرى النكبة نجدد ما أكدته العديد من الدراسات والأبحاث بأن فلسطين لم تكن ارضا بلا شعب كما يدعون فقد ضمت حتى العام 1945 ألف وثلاثمائة تجمع بين قرية ومدينة وبلدة يتجاوز عدد سكان معظمها الآلاف بينما لم يكن للصهاينة حتى ذلك إلا 181 مستعمرة لا يزيد عدد سكانها عن المئات نجحوا بإقامتها بالتواطؤ والتزوير البريطاني، ومع استمرار الدعم والتسهيلات المكشوفة من بريطانيا وصل لاحقا آلاف اليهود من شتى أصقاع الأرض ونُظموا برعاية الجيش البريطاني وتدريبه في عصابات الارغون وشتيرن والهاغناة قامت هذه العصابات بشن حربا وحشية وحملات إبادة وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني إلى أن تمكنت هذه العصابات في منتصف أيار عام 1948 من سرقة الوطن وهو ما نسميه بحق( النكبة الكبرى)، في هذه النكبة المأساة سرقوا الوطن الذي كان قائما بمؤسساته وطردوا شعبنا كان يسعى للاستقلال أسوة بجيرانه خاض كفاحا مريرا لكنه لم ينجح نظرا لحجم وطبيعة القوى المتآمرة على فلسطين وشعبها .
في معرض الحديث عن النكبة والوطن الذي سرق لابد من التأكيد للرأي العام في العالم أجمع بأن فلسطين لم تكن خالية من السكان كما يزعم الصهاينة بل كانت دولة قائمة تخضع لانتداب بغيض لعب دورا تآمريا في حرمان شعبها من الاستقلال، وتشير مختلف الدراسات والأبحاث خاصة تلك التي قاب ها الباحث الدكتور سلمان ابو ستة و تناولت أوضاع فلسطين قبل النكبة أن الصهاينة أقاموا دولتهم العنصرية على مؤسسات دولة قائمة، فقد كان في فلسطين إبان الانتداب1700 منشأة حكومية من نوادي ومباني ومؤسسات للصناعة وغيرها، وكانت فلسطين تعتبر من أكثر الدول المجاورة تقدماً في المجالات التجارية والصناعية والزراعية فقد ضمت 500 مؤسسة عاملة في مجالات متعددة ، وتميزت فلسطين بموقعها الجغرافي المميز الذي كان يربط البلدان المجاورة بشبكة من السكك الحديدية وفيها 41 محطة للقطار و700 كيلو متر من السكك الحديدية، إضافة إلى 31 مطاراً و 6000 كيلو متراً من الطرقات المعبدة و37 معسكراً للجيش البريطاني سلمت بمعظمها ومعداتها للصهاينة الغزاة الذين استخدموها في حربهم لإبادة شعبنا وتهجيره عن وطنه.
في تلك النكبة المستمرة أيضا استولت إسرائيل في حينه على 2000 معلم تاريخي من المساجد والمقابر والاديره والكهوف ومراكز الآثار، كما كانت فلسطين غنية أيضا بمصادر المياه وعذوبتها وفيها آنذاك 3650 مصدراً للمياه، ومن أجل السيطرة على كل هذا استخدمت العصابات الصهيونية كل وسائل الإبادة من قتل وتدمير واغتصاب وحرق الناس وهم أحياء كما حدث مع أهالي طيرة حيفا، وقد أثبتت ذلك الدراسات التي صدرت مؤخراً بما فيها تلك التي صدرت عن الكتاب والباحثين الإسرائيليين ممن استيقظت ضمائرهم فأشاروا إلى أن 90% من القرى الفلسطينية نزح سكانها الذين مثل عددهم آنذاك 52% تحت وطأة التعرض لهجمات عسكرية جرت أثناء وجود الانتداب البريطاني وتحت حمايته، ومع حلول شهر أيار عام 1948 و الإعلان رسمياً عن قيام دولة الاحتلال تم طرد النسبة المتبقية التي تمثل 42% من السكان وقد استكملت عملية طرد العدد المتبقي الذي يمثل 6% بعد اتفاقات الهدنة .
وتبين تلك الدراسات أيضا أن العصابات الصهيونية ارتكبت في حربها ضد شعبنا أبشع المجازر التي عرفتها الإنسانية حيث دمرت أكثر من 700 قرية ومحله مسحتها بالكامل عن الأرض ونفذت ما بين عامي 1947و1949 فقط 247 حادثة قتل وأباده منها 141 مذبحة تعتبر 70 منها في إطار المذابح الكبرى و 71 في إطار المتوسطة ، بهذا الإرهاب الغير مسبوق الذي قامت به العصابات الصهيونية تمكنت عام 1948 من إتمام حلقات فاصلة وهامة من فصول مؤامراتها القاضية باحتلال كل فلسطين وطرد أهلها الذين تحولوا إلى لاجئين فاق عددهم هذه الأيام ستة ملايين ونصف مليون لاجئ تناثروا في اتجاهات متعددة إلى كل من لبنان والأردن وسوريا والضفة الغربية وقطاع غزة والى العديد من دول العالم الأخرى،
من خلال ما تقدم فان لغة الأرقام التي أشرنا لها أعلاه والعديد مثلها تختزنه ذاكرة الأجيال وما أكدته الأبحاث والدراسات تبين بشكل جلي أن دولة الاحتلال قامت بسرقة دولة قائمة بذاتها وشردت شعباً قلبت حياته رأسا على عقب
في هذه الأيام من شهر آيار حيث تمر ذكرى النكبة هذا الجرح الغائر في الجسد الفلسطيني نقول بالرغم من مرور هذه العقود السبعة من الالم وما تركته من آثار مؤلمة سيبقى يعاني منها إلى أن يتعافى، ولن يتم ذلك إلا بتحقيق حقوقه العادلة في العودة والحرية والاستقلال.
إن شعبنا الفلسطيني ورغم ما اصابه من جراح وألم لم ولن يستسلم للوقائع التي فرضتها دولة الاحتلال كنتاج للنكبة وما زال يواصل مسيرتة الكفاحية متمسكا بحق العودة الي تلك الديار التي شرد منها وعلى طريق ذلك أسقط العشرات من مشاريع التوطين التي استهدفت قضية اللاجئين وتمكن شعبنا خلال سنوات كفاحه الطويل منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية التي شكلت ذروة التحدي الفلسطيني في مواجهة النكبة واستطاع إعادة تشكيل هويته الوطنية وإبراز كيانه السياسي الموحد المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية وتنامي دورها ووتعززت مكانتها على كافة الأصعدة وحظيت باعتراف عربي و عالمي في دعم وتأييد حقوق شعبنا في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعودة لاجئيه طبقا للقرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة .
ونحن نتحدث هذه الأيام عن النكبة لابد لنا من أن نشير ونحذر من مخاطر تشكيل حكومة اليمنين المتطرفة في دولة الاحتلال التي تسعى بدعم مكشوف من الولايات المتحدة الامريكية وإدارة ترامب عبر تنفيذ ما يسمى صفقة القرن لاستكمال فصول النكبة التي لم تكتمل بعد وفق المنظور الصهيوني حيث نشهد تصاعد وتيرة العدوان وزيادة وتكثيف التوسع الاستيطاني والضم وفقا لمؤامرة "صفقة القرن" الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية التي بدأت فعليا بضم القدس واعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال والسعي المحموم لضم الأغوار وشمال البحر الميت ومناطق المستوطنات مع الإبقاء على سلطة عاجزة لإدارة شؤون السكان، وبقاء السيطرة الكاملة للاحتلال على أوسع مساحة من الأرض واقل عدد من السكان، هذا بالإضافة إلى تركيز الجهود المعادية على قضية اللاجئين والسعي لتصفيتها عبر إلغاء دور الاونروا كتجسيد للالتزام الدولي بقضية اللاجئين وحق العودة، ناهيك عن مخطط الاحتلال أيضا بالدفع نحو تحويل مئات الآلاف من أبناء شعبنا في الداخل إلى لاجئين جدد بموجب قانون القومية العنصرية وخطة ترامب نتنياهو اللعينة علاوة على محاولة استغلال استمرار حالة الانقسام وتحويله لانفصال تام يجعل من قطاع غزة مركزا لحل القضية الفلسطينية على حساب ضم القدس واجزاء واسعة من الضفة بما يقطع الطريق على حق شعبنا في اقامة دولته الفلطسينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس .
لذلك وفي ذكرى النكبة التي نعيش وانطلاقا من كل ما تقدم نلاحظ دون إي عناء أن المخططات التصفوية لقضية شعبنا متصاعدة بوتيرة عالية لم يسبق لها مثيل، الامر الذي يتطلب دون مماطلة او تردد الإسراع في اعتماد إستراتيجية وطنية شاملة تقوم على تنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي فيما يتعلق بالعلاقة مع الاحتلال وإلغاء كافة الاتفاقات الموقعة معه ووقف العمل بالالتزامات المترتبة على ذلك وفي المقدمة وقف التنسيق الأمني فورا، بالإضافة لتشكيل جبهة موحدة لتفعيل المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال والمستوطنين، وتنشيط العمل السياسي والدبلوماسي لاستثمار الـتأييد والتضامن الدولي الذي يتزايد مع شعبنا عدالة قضيته، إن مواجهة هذه المخططات التصفوية المتسارعة يتطلب دون إي شكل من اشكال المماطلة والمرواغة الإسراع في إنهاء الانقسام والابتعاد عن التلويح بالحصول على أوراق اعتماد تضعف التمثيل الفلسطيني الموحد وتشكل ثغرة لتنفيذ المؤامرة، إن تعزيز الجبهة الداخلية واستعادة الوحدة الوطنية والعمل على معالجة كافة الملفات أمر في غاية الاهمية يتطلب اعادة الاعتبار لمكانة ودور منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها لتقوم بدورها كاملا في قيادة شعبنا وتعزيز صموده داخل الوطن وفي أماكن اللجوء ومخيمات الشتات
بهذا فقط يمكننا إن نضع أقدامنا على طريق مواجهة المخاطر وإفشالها وبغير ذلك فإن نكبة جديدة اشد خطورة تلوح في الافق
*عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني 15-5-2020