يطلق عليها السكان عبارة "نقطة تفتيش الموت"؛ ومنذ عامين، يخاطر 900 طالب وطالبة من لاجئي فلسطين المسجلين لدى الأونروا بحياتهم في سبيل عبورها يوميا للوصول إلى المدرسة الواقعة على الجانب الآخر منها.
ويقول المنسق التربوي للمدرسة بأن "هؤلاء الطلبة يحلمون بأن يصبحوا أطباء. وتقوم جماعات المعارضة المسلحة بمضايقتهم وهم ينتظرون العبور، وفي بعض الأحيان يقومون بمصادرة كتبهم. إلا أنهم صمدوا لأن التعليم بالنسبة لهم يعد مسألة حياة أو موت؛ وهو سلاحهم الوحيد". ويمر أولئك الطلبة عبر مخيم اليرموك للاجئين الذي يقع في ضواحي العاصمة دمشق والذي كان فيما مضى يأوي ما مجموعه 160,000 لاجئ من فلسطين. أما اليوم، فلم يتبق سوى ما يقارب من 6,000 منهم. وقد تمت السيطرة على غالبية المخيم من قبل داعش في عام 2015. وقد روع العالم بأسره بالصور الفظيعة لحصار اليرموك؛ فيما تعرضت كافة مدارس الأونروا في المخيم للدمار.
قبل ستة أسابيع كانت نقطة التفتيش مغلقة تماما، وعندما فتحت لوقت قصير بعد أسبوعين، اتخذ غالبية الأطفال البالغ عددهم 900 طفل القرار الصعب بمغادرة منازل أسرهم والانتقال للإقامة مع الأقارب أو الأصدقاء الذين يعيشون في الجهة المقابلة وذلك لكي يضمنوا عدم قيام المسلحين بإغلاق الطريق إلى المدرسة في وجههم مرة أخرى. إن تصميمهم يعد أحد تجليات القيمة التي توليها مجتمعات لاجئي فلسطين للتعليم، وتشرح السبب وراء قيام حوالي 48,000 طالب، على الرغم من المستويات المقلقة من انعدام الأمن، بمواصلة تحدي النزاع والذهاب إلى المدارس التي تديرها الأونروا في سوريا وذلك مقارنة مع 60,000 طالب كانوا يذهبون إلى تلك المدارس قبل اندلاع القتال. ومن خلال مقاربة مبتكرة اشتملت على التعلم عبر محطة فضائية الاونروا (التلفزيونية) التعليمية والمواد ذاتية التعلم، وفرت الأونروا لطلبة لاجئي فلسطين سبلا متواصلة للوصول إلى التعليم في سوريا وما وراءها.
إن أولئك الأطفال جزء من مجتمع لاجئي فلسطين في سورية الذين كان يبلغ تعدادهم قبل الحرب 560,000 لاجئ. وقد اضطر أكثر من 120,000 شخص منهم ترك سوريا، ويشمل ذلك حوالي 32,500 لاجئ دخلوا إلى لبنان وحوالي 17,000 لاجئ إلى الأردن. وتبقى الغالبية العظمى من أولئك الذين بقوا في سوريا بحاجة إلى مساعدة إنسانية مستدامة وذلك من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء والمسكن، مع العلم أن حوالي 60% من أولئك الذين لا يزالون في سوريا قد عانوا من النزوح مرة واحدة على الأقل.
ان برامج الأونروا للطوارئ تهدف إلى الإيفاء بتلك الاحتياجات، وإلى تقديم المعونة الغذائية والنقدية في هذا العام لما مجموعه 418,000 فلسطيني في سوريا بالإضافة إلى أولئك الموجودين في لبنان والأردن. وبالإضافة لذلك، فإننا نقدم الرعاية الصحية الأساسية للاجئي فلسطين المسجلين وذلك من خلال 15 عيادة وإحدى عشرة نقطة صحية في سائر أرجاء سوريا، وذلك على الرغم من أن ثمانية من أصل 23 مركز للرعاية الصحية قد تعرضت للدمار.
إن هذا العمل المنقذ للحياة يتعرض للتهديد بعد قيام أحد كبار المانحين بوقف أكثر من 300 مليون دولار من التبرعات المرصودة للأونروا. وقد أثر هذا القرار بشكل حاد على مناشدتنا الطارئة من أجل سوريا والتي تعاني حاليا من عجز في التمويل مقداره 165 مليون دولار. كما أثر القرار أيضا وبشكل حاد على موازنة برامجنا الرئيسة في التعليم والصحة والإغاثة والخدمات الاجتماعية في سوريا والأردن ولبنان والضفة الغربية وغزة. إن سبل وصول 625,000 طالب فلسطيني إلى التعليم وسبل وصول 3,5 مليون مريض إلى الرعاية الصحية وتقديم خدمات الطوارئ لما مجموعه 1,7 مليون شخص تواجه خطرا حقيقيا في أرجاء الشرق الأوسط.
وقد استجابت الأونروا لذلك وبقوة. ففي البداية، قمنا بالتوجه نحو مانحينا والطلب منهم تقديم موعد تبرعاتهم المتوقعة، والعديدون منهم قام بذلك ونحن ممتنون لهم للغاية لذلك. كما قمنا بإطلاق حملة #الكرامة_لا_تقدر_بثمن وبعقد مؤتمر للتعهدات في روما. واستجاب المانحون الرئيسيون بسخاء. وحتى تاريخه، تم التعهد بالتبرع بمبلغ 150 مليون دولار اضافية من بلدان كقطر والمملكة العربية السعودية وتركيا وكندا والنرويج والهند وسويسرا وفرنسا وغيرها. إن هذه خطوات مهمة للغاية ومرحب بها بشدة، وإنني على ثقة من أن هذا سيخلق زخما لدى المانحين الآخرين – الحاليين والجدد على حد سواء – وذلك من أجل المضي قدما وبشكل عاجل في سبيل أن تتواصل خدماتنا. إن هنالك الكثير مما ينبغي القيام به.
ولغايات بيان تصميمنا وقدرتنا الفريدة على تقديم الخدمات، دعوني أتحدث إليكم عن فيصل، وهو معلم لدى الأونروا من مخيم درعا جنوب سوريا ويبلغ من العمر 56 سنة. إنه يغادر منزله في الساعة السادسة والنصف صباح بشكل يومي، ويسافر في طريق موارب مسافة 60 كيلومترا عابرا خلالها جبهتين وأربع نقاط تفتيش وذلك من أجل تعليم طلبته في الصف الثالث الأساسي داخل درعا. لقد تعرضت مدارس تابعة للأونروا الثلاث هناك للدمار إلا أن 300 طفل يذهبون إلى مدرسة مؤقتة يقوم فيصل بالتدريس فيها. قبل اندلاع الحرب، كانت رحلة فيصل تستغرق 10 دقائق من الوقت وفي هذه الأيام، فإن فيصل بمعية 14 موظفا آخر من موظفي الأونروا يتركون أطفالهم خلفهم ويخاطرون بحياتهم في سبيل توفير التعليم للآخرين.
إن شجاعتهم نموذجية بالنسبة لموظفي الأونروا البالغ عددهم 4,000 موظف وموظفة في سوريا؛ والمخاطر التي يواجهون حقيقية. ويذكر هنا أن 18 زميل من زملائنا قد لقوا حتفهم بسبب النزاع فيما لا يزال 23 آخر مفقودين.
وفي ضوء المخاطر التي يواجهها فيصل وزملائه يوميا في سبيل الإبقاء على عمل خدماتنا الضرورية، فإنني لا أستطيع أن أتخيل إخباره في غضون بضعة أسابيع من الان بأننا فشلنا في حشد الدعم المالي المطلوب لحماية عملنا التربوي والصحي والطارئ، ناهيك عن وظيفته. إن هذا بحق سيكون موقفا لا يمكن تصوره.
إن الأونروا تدعم الأمل والمحافظة على حقوق مجتمع معرض للمخاطر بشكل كبير. وإنني أناشد العالم بأن يقفوا من أجل أولئك الطلبة من اليرموك البالغ عددهم 900 طالب ومن أجل لاجئي فلسطين من سوريا. إن كرامتهم مهمة مثلما هي كذلك مهمة الأونروا.