أقل من شهر يفصلنا عن تنفيذ إسرائيل قرارات ضم أجزاء من الضفة الغربية تصل مساحتها إلى 30% تقريباً، وهو ما يمكن أن يجلب مزيداً من التوتر في المنطقة، فالرئيس عباس أصدر قراراته والتي من أهمها:
• التحرر من جميع الاتفاقيات والتفاهمات والالتزامات كافة الموقعة بين فلسطين من جهة وبين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى.
• على إسرائيل أن تتحمل جميع المسئوليات والالتزامات أمام المجتمع الدولي كقوة احتلال، وتحمل تداعيات ذلك.
• الانضمام إلى المؤسسات والمنظمات الدولية كافة دون قيود.
يبقى احتمال بأن تخرج الأمور عن السيطرة، وتندلع انتفاضة شعبية في الضفة المحتلة تخلط الأوراق احتمالاً قائماً بالنسبة للائتلاف الحاكم في إسرائيل، ولكن السؤال الاستراتيجي بالنسبة للائتلاف الحاكم هو موقع قطاع غزة من المعادلة…؟ وما هي الاستراتيجية التي يجمع عليها الائتلاف الحاكم للتعاطي مع قطاع غزة…؟
ينطلق السؤال الاستراتيجي في مسألة غزة من منطلق سياسة التفرقة والتقسيم الذي نجحت تل أبيب في صناعته وتعزيزه والقائم على تقسيم المناطق الفلسطينية لمربعات خمسة وهي: (القدس – الضفة الغربية – قطاع غزة – فلسطينيو 1948 – فلسطينيو المنافي والشتات) وأشغلت كل مربع بهمومه، وتعاملت مع كل مربع بسياسة مختلفة عن الآخر.
نعود إلى قطاع غزة التي تبلغ مساحتها 360كم2، ويسكنها 2 مليون ونيف نسمة، وتكمن أهميته بالنسبة لإسرائيل، بأنه يطل على ساحل شرق المتوسط وهي منطقة تعوم على الغاز الطبيعي، وحدودها مع سيناء المصرية ما يقارب 14 كم، بينما حدودها مع دولة الاحتلال 40 كلم تقريباً.
هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية الكبيرة، وصت معدلات الفقر فيها إلى أكثر من 53% لعام 2017م حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وهذه النسبة في ارتفاع لا سيما بعد الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية على قطاع غزة، حيث أفادت وزارة التنمية الاجتماعية نهاية 2019م أن نسبة الفقر في قطاع غزة وصلت إلى 75%، ومؤشرات البطالة هي الأعلى لا سيما بين الشباب، وهو ما يترتب عليه حالة من الإحباط تسود بين الأوساط الشبابية.
صانع القرار في إسرائيل يراقب حركة النملة في قطاع غزة، في ظل حكم حركة حماس التي بوجود حكمها تطورت البنى العسكرية لفصائل المقاومة، وهو ما يشكل تهديداً كبيراً على إسرائيل.
وفق ما سبق وغيرها يبقى السؤال ما هي خيارات الحكومة الإسرائيلية الجديدة للتعاطي مع قطاع غزة…؟
من وجهة نظري أن حكومة نتانياهو غانتس ستعمل بكل قوة على تحييد قطاع غزة عن مجريات الأحداث المحتملة في حال طبقت خطة الضم على أجزاء من الضفة الغربية، وعليه سأحصر كافة الخيارات المحتملة أمام الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والترتيب حسب الوزن الأكثر ترجيحاً.
أولاً: خيار التحكم عن بعد.
أعادت إسرائيل انتشارها في قطاع غزة عام 2005م، ولم تنسحب منه كما تدعي، أو كما يحاول أن يوصفها البعض، وربما جوهر خطة فك الارتباط التي قام على تنفيذها أرئيل شارون هو التخلص من عبء الكتلة الديموغرافية في قطاع غزة، وتركها تلقى مصيرها، والتحكم عن بعد في مداخل ومخارج قطاع غزة، وهذا السيناريو هو الأقل كلفة بالنسبة لإسرائيل، وهو ما تعمل عليه الآن: تفتح المعابر متى شاءت وتغلقها متى تشاء، وهذا السلوك ينطبق على كل شيء بما يرسخ معادلة الهدوء مقابل الهدوء، مع استمرار الحصار والانقسام الذي يمس بجوهر الوعي الجمعي ويدفعه نحو الهجرة أو التدجين أو الهزيمة الداخلية عند البعض.
لا أحد يختلف أن الحصار هو الوجه الآخر للحرب، أي الحرب الناعمة غير المكلفة بالنسبة له، ومن وجهة نظري هو أخطر من الحرب المسلحة، لأنه يستهدف كل شيء حي في غزة، ويهتك في عضد المناعة لدى المواطن الفلسطيني.
بالمناسبة تطبّق إسرائيل هذا التوجه مع الضفة الغربية، وحالة الاحباط لم تعد غزاوية، بل بات الجميع يدرك أن مشروعي المقاومة والتسوية مستهدفان عند إسرائيل، كونهما يمثلان مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني الذي يقوم على العودة والتحرير ولتحقيقهما نحن بحاجة للتفاوض والمقاومة بكل أشكالها.
ثانياً: خيار الضربات العسكرية.
بالإضافة إلى خيار التحكم عن بعد ستعمل إسرائيل ضمن مبدأ حرب الاستنزاف، وهي تهدف من الجولات القتالية تحقيق ثلاثة أهداف:
• المساس بفصائل المقاومة واستنزافها مالياً وعسكرياً.
• المساس بالحاضنة الشعبية للمقاومة من خلال المساس بالمدنيين في بعض المواجهات العسكرية.
• توحيد المجتمع الإسرائيلي الذي يتوحد على الدم العربي، في ظل التباينات والتناقضات التي تهدد وحدة تركيبته المجتمعية.
ثالثاً: خيار الاحتواء والجزرة
هناك أصوات داخل إسرائيل تتبنى هذا الخيار، وجوهره رفع كامل للحصار والسماح للغزيين بأن يكون لهم ميناء ومطار وتنمية، وبذلك تصبح المقاومة تمتلك مقدرات تدفعها لعدم الدخول في حرب خشية من المساس فيها.
محاذير هذا الخيار بالنسبة لصانع القرار في إسرائيل هو أنه سيعزز لدى الوعي الجمعي الفلسطيني بأن المقاومة انتصرت وأنه بالقوة ممكن تحقيق النتائج، وانعكاس ذلك سلباً على مستقبل السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ودورها الأمني الوظيفي، لكن بعد قرارات الضم وصفقة القرن، ربما يتعزز هذا الخيار في لحظة ما، ويصبح من الخيارات المرجحة في حال ثبت لإسرائيل جدية تهديدات الرئيس عباس بالتحرر من الاتفاقيات لا سيما التنسيق الأمني.
رابعاً: خيار اعادة احتلال غزة
بعض أقطاب اليمين يكررون الحديث عن ضرورة احتلال قطاع غزة، وهو ما يرفضه الكثيرون، انطلاقاً من أن هذا الخيار ممكن أن نسميه الخيار الأسود بالنسبة لإسرائيل، فالاحتلال يعني تحمل مسئولية قطاع غزة، وربما ترى إسرائيل نفسها مضطرة للتعاطي مع سيناريو ضم قطاع غزة لإسرائيل، ويضعف هذا الخيار الإجابة على التساؤلات التالية:
• هل تحتمل إسرائيل فاتورة الخسائر البشرية في الطرفين؟
• من سيحكم قطاع غزة بعد حماس؟
• ماذا بعد احتلال قطاع غزة التي انسحبت إسرائيل منه عام 2005م، وأقر الكنيست قانون القومية الذي يهدف للتخلص من غير اليهود في الداخل الفلسطيني المحتل.
الخلاصة: في ضوء الخيارات السابقة، وغيرها من الخيارات بات من الضروري البحث في التعاطي مع الخيارات السابقة على النحو التالي:
1. وحدة الموقف الفلسطيني في هذا التوقيت بالذات ضرورة تقتضيها المصلحة الوطنية العليا، بعيداً عن كل التحديات التي تعترض تحقيقها.
2. توحيد جهود الشعب الفلسطيني وعدم السماح لإسرائيل في التعاطي مع غزة والضفة والقدس وفلسطينيو 1948م والشتات كملفات منفصلة ومستقلة، ينبغي أن تتوحد الجبهات والأدوات في كافة أماكن التواجد الفلسطيني ومن يناصر العدالة الدولية.
3. زيادة فاتورة الاحتلال عبر تكثيف المقاومة الشعبية في مناطق التماس مع الاحتلال، مع ضرورة استثمار التفاهمات أمام العالم للتأكيد على أن إسرائيل هي من تدفع المنطقة نحو الانفجار.
4. ضرورة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية مع الدعوة لعقد الإطار القيادي المؤقت بما يعزز من صدارة جهة واحدة تمثل الكل الوطني في مواجهة التحديات.
5. التفكير الجاد في دراسة خيار الدولة الواحدة الديمقراطية بعد تآكل حل الدولتين.
6. عين إسرائيل على سواحل شرق المتوسط حيث الغاز وعليه ينبغي أن تكون عين المقاومة والقيادة الفلسطينية في الدفاع عن موارد الشعب الفلسطيني بكل الوسائل والسبل.
7. يجب أن لا نبحث عن خيار المواجهة العسكرية ولكن في نفس الوقت لا نخشاها، وعليه لابد من تدمير نظرية الهدوء مقابل الهدوء.
8. التقاضي الدولي مسألة بالغة الأهمية ينبغي دراستها لمواجهة الحصار والجرائم الصهيونية ضد شعبنا الفلسطيني.
9. لابد من استثمار الدور الصيني الجديد بعد مبادرة الحزام والطريق وتوجهات الصين الجديدة في المنطقة، وكذلك الدور الروسي وغيره من الدول الصديقة للشعب الفلسطيني.
10. تستطيع وحدات التفكير دراسة كافة الخيارات الإسرائيلية في التعاطي مع القضية الفلسطينية عموماً وغزة على وجه الخصوص، ووضع الرؤى في كيفية تمرير وتعزيز الخيار الذي يخدم المصالح الوطنية العليا وهو يستوجب صياغة استراتيجية وطنية تنسجم وطبيعة المتغيرات والتحديات.