يجري الحديث في الآونة الأخيرة عن رغبة الإدارة الأمريكية في الإعلان عن صفقة القرن بشكلها النهائي في شهر يونيو القادم, وذلك بعد إعلانات وتسريبات سابقة عن تفاصيل الصفقة والتي تعتبر كلها احتمالات وتوقعات استنتاجية من مجريات العملية السياسية ليس إلا.
تجد الإدارة الأمريكية الآن أن الظروف الدولية مواتية للقيام بالإعلان عن الصفقة وخاصة أن الأحداث الإقليمية في المنطقة تزداد خطورة وتوتر, وذلك بعد الإعلان عن عزمها الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني استجابة لرغبة إسرائيلية في ذلك, مما يجعل محور الصراع بين إيران وإسرائيل عنصر توتر وإغضاب لأمريكا التي لا ترضى بأن تتعرض إسرائيل للأذى من إيران أو غيرها, على الجانب الآخر فهي لا تضمن ماذا ستكون عليه الأوضاع السياسية في فلسطين بعد مرحلة الرئيس عباس، وفي إسرائيل بعد نتانياهو ولا تضمن على المستوى العربي ماذا يمكن أن يحدث.
منذ وصول ترامب إلى الحكم في أمريكا, بدأت أبعاد السياسة الدولية تجد تحولات على كل الأصعدة الاقتصادية والسياسية, وجاءت صفقة القرن لتشكل فاتحة التحول السياسي في القضية التي لطالما شكلت هاجساً لكل الحكومات التي تعاقبت في البيت الأبيض, إلا أن كل منهم كان قادراً على احتواءها رغم عدم قدرتهم على حلها, أما الإدارة الجديدة فإنها تريد اقتلاع جذور الصراع وتعتقد بأنها قادرة على حلها بالتحايل وذلك بتقديم المعطيات السياسية المنحازة.
منذ الأيام الأولى للإعلان عن الصفقة أعلن الفلسطينيون الرفض الشديد لها, وذلك راجع لإدراكهم بأن توجهات السياسية الأمريكية الجديدة أكدت منذ أيامها الأولى على انحيازها للجانب الإسرائيلي وهي لذلك لن تكون منصفة في حق الفلسطينيين, وبالتالي فإن استمرار الفلسطينيين في الرفض حتى الآن لن يُحدث أي تغيير حقيقي في تصورات الأحداث السياسية, وخاصة لأن أمريكا متأكدة بأن الأطروحات التي ستقدمها لن تجد رفض إسرائيلي بل أصبح حتماً عليها أن توافق بما يطرح بعد الاستجابة الأمريكية للرغبة الإسرائيلية بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وما سيترتب عليها من عقوبات اقتصادية وسياسية على إيران, سترضي الطرف الاسرائيلي, أما عن الأطراف العربية ولنفس الأسباب السابقة هي مجبرة على الضغط باتجاه صفقة القرن, من خلال إقناع الطرف الفلسطيني بأنها الفرصة الأخيرة لتقديم بعض الإصلاحات السياسية والبنيوية الاستراتيجية في مسار العملية السياسية, وخاصة بعد فشل المصالحة الفلسطينية وكل عمليات الاحتواء التي قُدِمت لها من الجانب المصري, كل ذلك يجعل الأمر هين بالقبول العربي بالصفقة.
ما يشهده قطاع غزة من أوضاع إنسانية مؤسفة عوضاً عن حالة النزاع السلمي على حدود القطاع احتجاجًا على الوضع المعيشي الضحل في القطاع, وعجز حركة حماس على احتواء أزمتها الداخلية, يضاف لها فشل مساعي المصالحة يمكن اعتباره مسار من مسارات صفقة القرن التي تدخل ضمن مشروع " إنقاذ غزة" والذي سبق وأن عقد مؤتمر في البيت الأبيض بشأنه ورفضت السلطة الفلسطينية حضوره مما يجعلها بعيدة عن مسار الصفقة وما يدور بداخلها, وبالتالي فإن الدخول من الجانب الإنساني للقطاع ثم الاتجاه لجعل غزة دولة مستقلة عن الضفة الغربية جوهر الصفقة غير الظاهر.
يمكن القول بأن الخيارات المتاحة أمام الفلسطينيين هي ضئيلة وتكاد تكون منعدمة للخروج من المأزق الحالي, ففي قطاع غزة استمرار التظاهرات السلمية على الحدود من الممكن أن يوتر الأوضاع ويحملها الى التصعيد, أما على صعيد الضفة الغربية وخاصة بعد الأخبار الأخيرة المتداولة عن تدهور حالة الرئيس الفلسطيني محمود عباس, يجعل الحديث عن الوريث القادم للسلطة محل نزاع بل وخلاف آراء وهو الموضوع الذي يحسب له الأن بعيد عن كل الاعتبارات الدائرة, أما عن علاقة الفلسطينيين بإسرائيل فهي تعاني من حالة جمود سياسي لا مفاوضات منذ الإعلان الفلسطيني برفضه الرعاية الأمريكية للسلام بين الطرفين وذلك بعد المواقف الأمريكية المتكررة في الانحياز لإسرائيل.
الرفض الفلسطيني للصفقة ليس أمراً سهلاً في ظل انعدام الخيارات بل واعتقد بأنه خيار يجب أن يُدرس, فهو بكل الاحوال لن يكون مقبولاً أمريكياً بل وستحمل الفلسطينيين مسؤولية الفشل, وبالتالي من الممكن أن تكون الإجراءات العقابية على السلطة الفلسطينية أقسى من ذي قبل، فلا يقتصر على قطع المساعدات المالية للأونروا بل يتعداه لفرض عقوبات اقتصادية وسياسية أكثر صرامة, وذلك لأن ترامب يرى بخطته للسلام نقطة انطلاق لتشكيل مسار للعلاقات الإسرائيلية العربية.
ما تتضمنه الصفقة حسب ما نقل موقع استخباراتي عن مصادر وصفها بالمطلعة أن الإدارة الأمريكية حددت بعض النقاط قبل الإعلان عن الخطة، جاءت كالآتي:
١- ستقام دولة فلسطينية ذات سيادة محدودة على نصف الضفة الغربية وعلى كل قطاع غزة.
٢- تحتفظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية على معظم أرجاء الضفة الغربية ولكل معابر الحدود.
٣- سيبقى غور الأردن تحت السيادة الإسرائيلية والسيطرة العسكرية.
٤- تنضم الأحياء العربية في القدس الشرقية إلى الدولة الفلسطينية، باستثناء البلدة القديمة، التي ستكون جزءًا من "القدس الإسرائيلية".
٥- "أبو ديس" هي العاصمة المقترحة لفلسطين.
٦- سيتم دمج غزة في الدولة الفلسطينية الجديدة بشرط موافقة حماس على نزع السلاح.
٧- لا تتطرق الخطة إلى اللاجئين الفلسطينيين، ولكن سيتم إنشاء آلية تعويض وإدارة من قبل المجتمع الدولي.
٨- تنص خطة ترامب على الاعتراف بإسرائيل كوطن للشعب اليهودي، وفلسطين بسيادة محدودة كوطن للفلسطينيين.
٩- ستتشارك فلسطين والأردن المسؤولية الدينية عن الأماكن الإسلامية المقدسة في مدينة القدس.