تشتد حاجة المواطنين إلى كهرباء، وتتزايد من وقت لآخر لأهميتها القصوى كسلعة استراتيجية، أساسية وضرورية ليس في بلادنا فحسب ولكن في جميع بلدان العالم المتقدمة والنامية على حد سواء، نظرا لاستخدامات هذه الكهرباء في جميع أوجه الحياة اليومية وأهمها الإضاءة ليلا في المنازل والشوارع والأماكن العامة بل خلال أوقات النهار في أحيان كثيرة، اضافة إلى استخداماتها في تشغيل الأجهزة المنزلية كالثلاجات والغسالات وأجهزة التبريد والتكييف والمصاعد المستخدمة في الأبراج والعمارات، هذا اضافة إلى ضخ المياه نحو الأدوار العليا، بجانب استخدام الكهرباء في تشغيل المولدات للحصول على المياه من الآبار والأحواض المائية والجوفية، وعمليات معالجة المياه العادمة.
ولا غنى عن الكهرباء لاحتياجات تشغيل الآلات والمعدات في المصانع والورش والمرافق العامة كالمدارس والمستشفيات والمراكز الصحية، إضافة إلى خدمات المال والأعمال والمصارف، كذلك فإن احتياجات الحرفيين والمهنيين والباحثين والدارسين في جميع المراحل التعليمية هي من الحاجات الضرورية والملحة على مدار الساعة ليلا ونهارا وليس لساعات محدودة غير منتظمة هنا وهناك.
بل إن الأضرار التي يتكبدها المستهلكون والمنتجون من خلال انقطاع الكهرباء لساعات طويلة وعدم انتظامها فاقت كل تصور واحتمال، سواء بتعطل النشاط الإنتاجي وتعطل العاملين والدارسين، إضافة إلى تعطل النشاط الاستهلاكي حتى لو كان الانقطاع طارئا أو محدودا.
ولا يغيب عن الأذهان حدوث الكثير من الحرائق الناتجة عن استخدام الشموع في الإضاءة ووقوع ضحايا من وقت لآخر، خاصة عندما تقع الحرائق ليلا أثناء النوم كما تحدث بكثرة نتيجة اضطرار بعض المصانع والمخابز لتخزين الوقود بكميات كبيرة وبدون طرق آمنة، كما حدث منذ أشهر لأحد المخابز في المنطقة الوسطى الذي أودى بعشرات الضحايا بين قتيل وجريح.
إن التبريرات التي يتكرر ذكرها حول ديمومة مشكلة الكهرباء وانقطاع التيار من وقت لآخر، هي تبريرات دارجة وقد تتركز حول استمرار الحصار على قطاع غزة، اضافة إلى الممارسات الإسرائيلية وإغلاق المعابر واعتبارات مالية وفنية متعدددة. وقد تكون هذه التبريرات مقنعة إذا تعلق الأمر بأحوال طارئة أو حوادث استثنائية أو لفترات قصيرة من الزمن، غير أن هذه التبريرات تصبح غير مقبولة إذا كان العجز كبيرا ولفترات زمنية طويلة كحالة قطاع غزة التي تمتد مشكلة الكهرباء فيه لأكثر من أربعة عشر عاما.
إن العجز المزمن في الإمدادات الكهربية أجبر كل مستهلك وكل منتج على أن يسلك كل سبيل في مواجهة انقطاع الكهرباء بكل الطرق المتاحة رغم مخاطرها على النحو السابق ذكره – إضافة إلى تكلفتها الباهظة، وقد تمثلت أغلب هذه الوسائل في طرق بدائية أو تقليدية وللاستعمال الذاتي أو الشخصي في المنازل ولدى أصحاب المحلات مع ما يترتب على ذلك من ضجيج وشكوى مستمرة من جانب المتضررين من تشغيلها.
كما حفز ذلك استيراد مولدات بكميات كبيرة من الخارج من أجل سد جزء من حاجة السوق، غير أن هذه المولدات كانت في البداية ذات طاقة توليد منخفضة وبكفاءة متدنية وتحتاج إلى تأمين شراء وتخزين المشتقات النفطية لتشغيلها.
وبمرور الوقت اتجهت أذهان المستثمرين نحو استيراد مولدات ضخمة نسبيا لكي يمكن استخدامها كعمل تجاري من خلال بيع الطاقة المتولدة عنها للراغبين فيها، بحيث يختص كل مستثمر بمربع سكني معين أو مربع تجاري محدد، وقد ازداد الطلب عليها تدريجيا تحت وطأة الحاجة الشديدة والضرورات الملحة لأصحاب المتاجر واحتياجات البيوت والدارسين وأصحاب المصالح التي تستوجب حاجتهم إليها، مما شكل وضعا احتكاريا لهؤلاء المستثمرين مع عبء مالي باهظ التكلفة على المستهلكين في ظل تقديم هذه الخدمة بطريقة غير مرخصة وغير منظمة ودون اشراف أي جهة رسمية او غير رسمية. مع بقاء هذه الخدمة قاصرة على شريحة محدودة من المجتمع مع مساهمة محدودة في تغطية جزء يسير من العجز الكبير في التيار الكهربي.
إن تشكيل ائتلاف طوعي وبمبادرة ذاتية من ثلة وازنة ومبدعة من عدد من أصحاب الخبرة والأكاديميين والمهندسين ورجال الأعمال والإعلام والمفكرين في غزة، والذي تحدثت عنه المواقع الإخبارية والإعلامية أو منصات التواصل الاجتماعي يمثل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، وهي قائمة على استنهاض الهمم نحو المشاركة الجماعية في خدمة الوطن والمواطن ولكي يمثلوا حلقة تواصل فاعلة بين المواطنين من جهة وبين جهات الاختصاص من جهة أخرى بثقة تامة بأنه يمكن الوصول إلى حلول في حدود أقصى ما هو متاح، من خلال العمل الحثيث وبذل مزيد من الجهد في هذا الاتجاه باعتبار أن مخرجات هذه المبادرة ستكون ذات انعكاسات ايجابية بشكل مباشر وغير مباشر على شرائح عديدة من المجتمع.
إن مبادرة الائتلاف نحو المساهمة في حل مشكلة النقص الحاد في الكهرباء مع ارتفاع التكلفة قد تركزت على قضية واحدة هي تعزيز دور المستثمرين من رجال القطاع الخاص المتجهين نحو تقديم خدمة الكهرباء عن طريق مولدات ضخمة يجري استيرادها من الخارج مستندين في ذلك إلى دراسات بحثية معمقة حول التكلفة الحقيقية لهذه الخدمة التي تباع للجمهور حاليا بسعر 4 شيكل/ كيلو وات، وهو رقم مبالغ فيه مقارنة بما تبيعه شركة التوزيع وهو نحو نصف شيكل فقط/ كيلو وات، حيث أسفرت هذه الدراسات على أن التكلفة الحقيقية هي في حدود 2شيكل/ كيلو وات فقط وبالتالي يجب أن ينخفض سعر البيع من خلال هذه الخدمة في حدود التكلفة اضافة إلى هامش مناسب من الربح. ويرى أصحاب هذه المبادرة أن التسعيرة المقترحة ستكون مجزية للطرفين، وكانت المبادرة قد استندت إلى المحاور التالية:
• امكانية خفض الضريبة التي تقوم بتحصيلها الحكومة في غزة على السولار الذي سيستخدم في تشغيل المولدات الكبيرة للمستثمرين الذين يقومون بتوفير الكهرباء عند انقطاعها بأجر مرتفع مما يساهم في خفض التكلفة.
• أن هذه المبادرة تقوم على أساس عدم التحيز لأي طرف من الأطراف بل تقوم على التوفيق بين مختلف الجهات بما في ذلك شركتي توليد وتوزيع الكهرباء وسلطة الطاقة الفلسطينية، والهيئة العامة للبترول التي تقوم باستيراد المشتقات النفطية من الخارج سواء من الجانب الإسرائيلي أو من الجانب المصري عبر معبر رفح.
• إن خفض سعر الكهرباء عبر مولدات المستثمرين سيعمل على تحفيز الطلب الجديد من خلال دخول شريحة جديدة من المستهلكين، مما يعني زيادة الإقبال لاحقا على هذه الخدمة وبالتالي استغلال طاقة المولدات بالكامل ومن ثم أيضا تقليل المخاطر الناشئة عن التحديات العديدة التي يواجهها مع تحسين هامش الربح.
• إن تسهيل استيراد مولدات أخرى – لاحقا- ذات قدرة أكبر وكفاءة أعلى يساهم في تحسين الجودة وخفض التكلفة ومن ثم خفض سعر البيع، وإعادة تحفيز الطلب من جديد.
• استبعاد اللجوء إلى الحلول المقترنة بالعوامل السياسية باعتبارها غير مؤكدة، ومرتبطة بالأجل المتوسط أو الطويل كإعادة تشغيل الخط 161 المنطلق من الجانب الإسرائيلي إلى قطاع غزة، أو الحل المقترن باستخدام الغاز في تشغيل محطة التوليد الوحيدة في غزة باعتباره أقل تكلفة وأعلى جودة وانتاجية مما يعني امكانية زيادة توليد حجم الطاقة الكهربية. اضافة إلى إعادة تشغيل الخط القادم من مصر المتوقف حاليا، الذي كان يغذي جزءا من احتياجات القطاع وخاصة جنوبه. ويبقى أيضا ضمن الحلول بعيدة المدى والمرتبطة بالأوضاع الدولية والإقليمية والمحلية خط الربط الكهربي الإقليمي الذي يتجه من الغرب إلى الشرق بدءا من ليبيا ومصر ثم فلسطين والأردن و العراق وسوريا ولبنان وتركيا.
إن نجاح الائتلاف في الوصول إلى نتائج ملموسة قائمة على المنافسة بين المستثمرين سعيا لتوفير خدمة عالية الجودة وبسعر مناسب، يعني في حد ذاته نجاح الجهود التي يقوم بها الائتلاف، ويمثل اختراقا حقيقا للمشكلة في جانب مهم من جوانبها، وقد يقود إلى مواصلة الجهود نحو خطوات أكثر تقدما.
وبالمقابل نود الاشارة أن بدائل توفير الطاقة ليست محصورة في جانب معين أو في جوانب محدودة، بل هناك إمكانية للتوجه نحو الطاقة الكهربية النظيفة صديقة البيئة ومنها استخدام الطاقة الشمسية خاصة وأن بلادنا تتمتع بأجواء ملائمة من حيث سطوع الشمس لساعات طويلة خلال اليوم الواحد وعلى مدار السنة باستثناء الأيام المطيرة أو شديدة الأمطار في فصل الشتاء.
إن هذه الطاقة الشمسية هي طاقة ربانية مجانية وفرها الخالق لأغراض عديدة بكميات لامحدودة تكفي البشرية مهما بلغ عدد سكانها حتى قيام الساعة. إن دول كثيرة متقدمة وغير متقدمة قد سلكت هذا السبيل وحققت نتائج ملموسة بأقل قدر من السلبيات، وهناك خطوات متقدمة تم تنفيذها في الضفة الغربية وامامها آفاق رحبة للتطور.
علما بأن هناك مساحات ارضية واسعة في القطاع يمكن استغلالها لهذا الغرض، كأسطح المنازل والعمارات والأدراج ، وأسطح المرافق العامة كالمدارس والمستشفيات وغيرها.
والحديث حول الطاقة الكهربية النظيفة يحتاج إلى مقالات أكثر توسعا.
ولا يفوتنا القول أن قيام سلطة الطاقة و الموارد الطبيعية باعتماد تسعيرة الزامية لبيع وحدة الكهرباء بسعر 2.50 شيكل و الزام أصحاب المولدات بتنفيذها يمثل خطوة بالغة الأهمية في الدور المنوط بالجهات الحكومية لأن يكون لها دور رئيس في متابعة كافة القضايا المتعلقة بتشجيع نشاط القطاع الخاص من جهة و متابعة هذه الأنشطة من حيث تطوير الانتاج و زيادة الجودة و الالتزام بتسعيرة محددة مما يحقق التوازن بين حق القطاع الخاص في تحقيق الربح من جهة و في عدالة السعر المباع للمستهلك.