دخول الرئيس الفلسطيني أبو مازن البالغ من العمر "83 عامًا" المستشفى على إثر وعكة صحية ألمت به، فتح الباب واسعاً أمام تساؤلات تتعلق بمصير النظام السياسي في حال تدخل القدر "لا سمح الله".
لقد طرحت قضية خلافته وسط العديد من الآراء والتكهنات والتسريبات التي تم اطلاقها عبر وسائل الاعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي، ومعظمها لا يستند إلى أي أساس قانوني أو حتى منطقي، بل أن البعض كان يتلقف الأخبار من وسائل الإعلام الإسرائيلية التي هوَّلت من الموضوع ليس من باب الحرص على صحة الرئيس أو مستقبل الفلسطينيين، وإنما للتشكيك بالنظام السياسي، وكثرت التحليلات والآراء بين مؤيد ومعارض وشامت، والكثير منها تعبر عن الرغبات ليس أكثر.
إن مسألة خلافة الرئيس مسألة هامة بلا شك لاستقرار النظام السياسي الفلسطيني الذي لا يحتمل المزيد من الهزات، خاصة أنه واقع تحت تأثير الاحتلال، وغير مُحصَن ضد التدخلات الخارجية وتلك التي تبحث عن دور في تحديد الرئيس القادم لخدمة مصالحها.
وعليه فإن من الواجب بحث الآليات التي يجب اتباعها لحل إشكالية الخلافة وسد الثغرة، وقطع الطريق على المتربصين، والأهم حتى لا يحدث فراغ دستوري في منصب الرئاسة، وهو المنصب التمثيلي الأهم في كل مؤسسات الشعب الفلسطيني.
وانطلاقاً من ذلك سأعبر عن رأيي وهو اجتهاد على كل حال قابل للمناقشة:
أولاً: إن الرئيس محمود عباس هو آخر القادة التاريخيين لحركة فتح ولمنظمة التحرير وللشعب الفلسطيني أيضًا، باعتباره رئيسًا منتخبًا للسلطة الوطنية الفلسطينية "مجلس الحكم الذاتي"، كما اختير رئيسًا لدولة فلسطين تحت الاحتلال من قبل المجلس المركزي، وحصل ذلك بالإجماع من قبل المجلس الوطني في دورته الأخيرة الـ 23 التي عقدت في رام الله أيار 2018 .
بذلك يتقلد الرئيس ثلاثة مناصب رئيسية وهي:
- رئيس حركة فتح.
- رئيس منظمة التحرير الفلسطينية باعتباره رئيسًا للجنة التنفيذية للمنظمة.
- رئيسًا للسلطة الوطنية "سلطة الحكم الذاتي"، ثم رئيسًا لدولة فلسطين تحت الاحتلال.
فالنسبة للمنصبين الأول والثاني ليس هناك مشكلة في مسألة الخلافة، أما بالنسبة لخلافته في حركة فتح، استحدث منصب نائب رئيس للحركة وقد تم انتخاب الأخ محمود العالول لهذا المنصب من قبل اللجنة المركزية.
وبالنسبة لخلافته في منظمة التحرير ورئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أيضًا لا يوجد مشكلة، كون رئيس اللجنة التنفيذية يُنتخب من قبل اللجنة التنفيذية نفسها حسب النظام الأساسي للمنظمة، وضمن الواقع الحالي للجنة التنفيذية سيتولى هذا المنصب حُكمًا أحد ممثلي حركة فتح في اللجنة التنفيذية، والمرجح أن يكون من نصيب الأخ صائب عريقات، الذي يتولى حاليًا أمانة سر اللجنة التنفيذية.
ولكن المشكلة الاساسية تكمن في منصب الرئاسة : رئاسة السلطة الوطنية "سلطة الحكم الذاتي" أو رئاسة دولة فلسطين، حيث لم يُحدد فيهما نائب الرئيس، وهذه الثغرة الدستورية التي إن لم تعالج مبكرًا قد تقود إلى صراعات لا تحمد عقباها بين الطامحين للرئاسة سواء المدعومين من قوى وحركات حزبية، أو المدعومين من قوى إقليمية خارجية.
قد يقول قائل "وقد قيل ذلك فعلاً من قبل البعض" أن ليس هناك مشكلة في رئاسة السلطة الوطنية لأن القانون الاساسي حدد في المادة "37" الآلية التي تتبع عند شغور منصب الرئاسة حيث يتولى رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمدة لا تزيد عن ستين يومًا تجري خلالها انتخابات حرة ومباشرة لانتخاب رئيس جديد وفقًا لقانون الانتخابات الفلسطيني.
هذا الكلام سيكون صحيحًا من الناحية القانونية لو كان لدينا الآن رئيس منتخب للمجلس التشريعي، ولكن الحقيقة أن المجلس التشريعي في واقعه الحالي هو بدون رئيس أو هيئة رئاسة، وأن عزيز دويك الذي انتخب في الدورة العادية الأولى للمجلس التشريعي رئيسًا للمجلس، لم يُعاد انتخابه في الدورة التالية العادية للمجلس التشريعي طبقًا للنظام الداخلي "وهو القانون المُتبع في تسيير أعمال المجلس التشريعي"، حيث تنص المادة "47" من القانون الأساسي على أن المجلس التشريعي يتولى مهامه التشريعية والرقابية على الوجه المبين في نظامه الداخلي، وبالتالي فان الأخ عزيز دويك لم تعد له صفة الرئيس وهو بذلك لا يتميز عن أي عضو آخر من أعضاء المجلس التشريعي.
ولشرح ذلك أوضح التالي :
بداية لن أحاجج في شرعية أو عدم شرعية المجلس التشريعي، أو أن مدة المجلس انتهت بعد أربع سنوات، وهي المدة القانونية المُحددة في القانون الأساسي، كما يقول البعض
بل بالعكس سأعتبر ولاية المجلس التشريعي كمجلس لا زالت قائمة بغض النظر عن عدم فاعليته أو تجميده، وذلك استناداً للمادة "47" مكرر من القانون الأساسي والتي تنص على "تنتهي مدة ولاية المجلس التشريعي القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستوري".
إذا لا زالت ولاية المجلس التشريعي قائمة وفقًا لنص القانون الأساسي، طالما لم ينتخب مجلس تشريعي جديد.
وبالمناسبة هذه المادة أضيفت للقانون الأساسي المعدل عام 2005 لسد أي فراغ قانوني قد ينشأ في حال لم تجر الانتخابات التشريعية لأي سبب وخاصة إذا حاولت إسرائيل تعطيلها عبر منعها إجراء الانتخابات في القدس وفقاً للاتفاقية المرحلية.
وكما هو معروف وطبقًا للنظام الداخلي للمجلس بحسب المادة "16" فإن المجلس التشريعي يُعقد بدعوة من رئيس السلطة الوطنية دورته العادية السنوية على فترتين مدة كل منهما أربعة شهور.
وفي بداية أعمال المجلس أي في الدورة السنوية الأولى عام 2006 التي دعا إلى عقدها رئيس السلطة الوطنية محمود عباس طبقًا للقانون، تم انتخاب الأخ عزيز دويك رئيسًا للمجلس بأغلبية 70 عضوًا من أصل 116 حضروا الجلسة، وكذلك تم انتخاب أعضاء هيئة الرئاسة الآخرين.
ولكن المادة "4" من النظام الداخلي تنص على أن مهمة رئيس المجلس تمتد إلى يوم افتتاح الدورة العادية التالية، أي أن رئيس المجلس تكون مدة رئاسته فقط خلال الدورة العادية والتي مدتها سنة، ويجدد انتخابه في الجلسة الأولى لكل دورة سنوية عادية.
ولكن الذي حصل هو أن سلطات الاحتلال اعتقلت عددًا من أعضاء المجلس التشريعي غالبيتهم من حركة "حماس" خلال الدورة الأولى، مما أخل بالأكثرية العددية لكتلة حماس داخل المجلس، وحين انتهت مدة الدورة السنوية، طلب رئيس كتلة "حماس" البرلمانية أحمد بحر تمديد الدورة السنوية لمدة أربعة شهور أخرى من رئيس السلطة الذي استجاب لذلك وأصدر مرسومًا رئاسيًا بتمديدها بناء على ذلك الطلب.
وعندما انتهت فترة التمديد دعا الرئيس أبو مازن إلى افتتاح الدورة السنوية الثانية بمرسوم رئاسي أصدره في تموز 2007، وهنا رفضت حركة "حماس" عقد الجلسة الافتتاحية للدورة الثانية، والتي كان من المفترض أن يتم فيها انتخاب رئيس المجلس التشريعي، وبدلاً من ذلك قام رئيس كتلة "حماس" والنائب الأول لرئيس المجلس أحمد بحر بالدعوة إلى دورة غير عادية تجنبًا لإجراء انتخابات رئاسة المجلس، في ظل عدم توفر الأكثرية العددية للحركة بفعل الاعتقالات الإسرائيلية.
وقد أدى رفض افتتاح الدورة العادية الثانية بناء على المرسوم الرئاسي إلى تعطيل انتخاب رئيس المجلس التشريعي، بل وإلى تعطيل أعمال المجلس بشكل عام، لذلك لا يمكن تطبيق المادة "37" من القانون الأساسي في هذه الحالة، لأنه لم يعد هناك رئيسًا منتخبًا للمجلس التشريعي ليجري تفعيل هذه المادة.
فما هو الحل اذن؟
يُتبع ...