وأستشهد السلام في وطن السلام. وسقط العدل على المداخل. سقط العدل سقط العدل سقط العدل على المداخل.
لم يشفع لها ذاك الرداء الأبيض الموسوم بالسلام والأمان، رداء ملائكة الرحمة، الأبيض النقي ثوب الفرح، ولم يشفع لها غطاء رأسها الذي يثبت أنوثتها، ولم تشفع لها براءتها وصدقها، ولا صوتها الحاني وهي تنادي على بطل قد سقط بين يديها مدرجاً بدمائه أن لا ترحل مازال الميدان يحتاج أمثالك، ولا طموحها وحبها لوطنها، ولم تشفع لها أحلامها الوردية التي رسمتها على مدار عقدين من الزمان، ربطتها بخيوط الأمل والتفاؤل الا منتهي، وبنت عليها وشيدت نبراس المستقبل البعيد والمخبئ بعتمة الليل، وظلم ذوي القربى وحصارِ وبطشِ العدو، ومطرقة الانقسام والفرقة. حتى الملائكة يا #رزان تموت على حدود غزة.
كل هذه الأشياء مجتمعة كانت في حقيبة المستقبل التي جمعتها رزان ولكن الحلم توقف في لحظة وإلى الابد بجدار معدني تكونت منه رصاصة حاقدة، اخترقت تلك الجسد الصغير، نعم الجسد الأنثوي الرقيق الذي لا يحتمل قسوة المعدن ولا ظلم من احتل الوطن، لترحل إلى العلياء سفيرة ممثلة عن الحشود وأصحاب الحق مدافعة عن أيقونة السلام، مرفوعة على أكتاف الرجال من قامات وهامات من جادوا بفلذات الأكباد، رحلت محلقة في سماء المجد تشكو ظلم مزدوج وقع على أحلامها فحولها لهباء بعد ما كبرت وكبر معها الحلم المسلوب.
رزان الشهيدة.
رزان كغيرها من أبناء فلسطين جميعهم هدف لهذا المحتل القاتل، وصيد لقناصته الغادرة وأدواته الظالمة ، رزان لم ترحل وحدها فقد امتشق ياسر وأحمد كل منهم كمرته ليلتقط جمال مشهد عروس فلسطين وهي تزف الى العلياء ، ولم يبخل إبراهيم وفادي برفع الجسد الطاهر على أكتافهم حتى يطاف به في فلك الحرية المنشودة، ورغم الغربة لم تبكي ملاك وهي تنتظر رزان، ولا عجز حسن عن تقديم ضيافة الزائر الجديد ، هناك في العلياء كلهم اجتمعوا على ناصية الحلم منتظرين طيفا جميلا سيطل عليهم في الأفق برائحة المسك وابتسامة الفرح ونقاء القلب ولكنها المفاجأة حين نشاهد أن الملائكة يا #رزان تموت على حدود غزة.
ويُعتبر رحيلهم بما لا يدع مكان للشك أن هذا الاحتلال يمارس عنجهية وقتل وإرهاب غير مبرر ويستهدف جميع مكونات المجتمع متجاوزا كافة الأعراف والقوانين الدولية التي تنص على حماية المدنيين ، فكيف إذا كان هذا المستهدف هو مسعفٌ أصلاً ولديه من الحماية ما تكفية ليقوم بواجبه الإنساني والوطني تجاه أبناء شعبه، ويسعى بكل طاقته ليداوي هذا الجرح الغائر الذي فرضه عليه الاحتلال الإسرائيلي في مسيرة سلمية خرجت مطالبة بحق كفلته له كافة الشرائع والقوانين الدولية ونصت عليه مؤسسات حقوق الانسان، وغيرها من دعاة الديموقراطية في هذا العالم الظالم والذي يقف اليوم مكتوف الايدي يمارس دوره في المشاهدة عن بعد، مطلقاً عبارات الشذب والاستنكار من جانبٍ ومساندة المحتل في إرهابه من جانبٍ آخر.
المقاومة السلمية حالة جديدة في قطا غزة.
هي حالة جديدة حرص قطاع غزة على فرضها بمعادلة متوازنة شهد العالم بسلميتها وصوابها، وأوصلت صورة المشهد الحقيقي والوجه المشين للاحتلال ولجنوده ولآلة القتل التي لم تكترث بالعالم الهزيل وضربت بعرض الحائط كل هذه القرارات وداست بجنازير دباباتها على ما تبقى من كرامة العرب، هي الحالة التي تجسدت بمسيرات العودة الكبرى والتي خرج الشعب الفلسطيني في غزة يلتف حول علم فلسطين، يحمل حلم العودة في صدره يقاتل بالكلمة والصورة والقلم، يحمي إرث اجداده ممن رحلوا ومن هم لازالوا على أمل العودة، لكن هذا المشهد لم يروق لأعداء الإنسانية.
أيها الفراشة لا تستوحشي طول الطريق.
رزان أيها الملاك المسجى على أكتاف الرجال، رزان يا جمال القلب وصدق العزيمة والانتماء، يا فراشة حلقت عالياً تنشر ابتسامة الفرح، يا دمعة الفراق. لن يغادر طيفك جنبات المخيم ولن تمحى صورتك من ذاكرة الأبطال، ولن تنثني عزيمة الرجال في الميدان، أيتها الملاك وأنتِ بطهرك ونقاؤك أوصلتِ ما عجزت عنه الدنيا إيصاله وفضحتي جيشاً ادعى لنفسه الإنسانية والمثالية، وأظهرتِ عجزت أنظمة شاخت ولم تقدم لفلسطين ما يجب عليها تقديمه، بردائك الأبيض الذي امتزج فيه دمك الطاهر بدماء الأطهار ممن ضمدت يدياكِ الطاهرتين جراحاتهم وحمل قلبك لهم الرحمة والدعاء، أقمتِ الحجة على كل من سن قرارات تحمي من يرتدي هذا الرداء، كل ما حولكِ لم يشفع لكِ الأرض والأنسان والعلم والهوية ، ظنوا أنه بقتلك ستموت رزان وتموت معها أيقونة العطاء والوفاء، لكن هيهات فقدر شعب فلسطين أن يُخرج الزهر من بين الركام وأن يرسم البسمة والفرحة وأن يصنع لنفسه أيقونة النصر ويردد في جنبات مخيمات اللجوء التي تمتد من رفح جنوباً إلى بيت حانون شمالاً كلماتٍ للراحل درويش "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"