الرهان على الإدارة الامريكية الجديدة بإحداث تحولات في عملية التسوية الفلسطينية – الإسرائيلية أشبه بقدر القيادة السياسية الفلسطينية التي تؤمن أن البيت الأبيض محور الكون يدور حولها الجميع ويخشون تجاوزها أو لا يملكون القدرة على ذلك.
كما أن القيادة الفلسطينية تدرك أن أمريكا – إن أرادت- تعد الدولة الوحيدة القادرة على إلزام تل أبيب بعملية حقيقة تؤدي الى تسوية الصراع التاريخي في الشرق الأوسط.
الجديد لدى القيادة الفلسطينية هو المؤشرات الواضحة على حدوث استدارة حادة من الرئيس الأمريكي الجديد بخلاف مسار ترامب، وشعور الحزب الديمقراطي بحجم الإهانة التي تلقاها الرئيس الأسبق بارك أوباما ووزير خارجيته جون كيري من نتنياهو وحلفائه في اليمين الاسرائيلي.
كما ترى الرئاسة الفلسطينية أن دولة فلسطين قدمت كل ما تملك من أجل السلام والحفاظ على كافة الالتزامات، خاصة الأمنية وعدم الانجرار لأي معارك تؤدي الى استدراج الرغبة الاسرائيلية في فتح أبواب العنف لتنفيذ مخططات الضم والتهويد بسرعة وقوة وغطاء أمني متجدد.
التعقل الفلسطيني وسلوك طريق “الصبر الاستراتيجي” يراهن على مدخلين مختلفين للوصول إلى صناع القرار في البيت الأبيض.
المحور الأول يتمثل في القاهرة وعمان بهدف التأكيد على صحة الموقف الفلسطيني في رفض صفقة ترامب والقدرة على تجاوزها بوصفها أحد المشاريع الفاشلة في التاريخ المعاصر، ولضم الجهود المصرية والأردنية لدعم فكرة مؤتمر دولي جديد يحدد جدولا زمنيا لإقامة الدولة الفلسطينية ضمن عملية سياسية تفاوضية يشرف عليها كبار مجلس الأمن، وعلى الأردن ومصر توفير الضمانات الأمنية والقضايا التفصيلية للمفاوضات.
المدخل الثاني يتمثل في حشد الجهود القطرية والتركية خلف فكرة المؤتمر الدولي للسلام وتفكيك قنبلة الانقسام الفلسطيني عبر أدوات الضغط في الدوحة واسطنبول على حركة حماس، بالذهاب إلى انتخابات ترتيب الأوزان ودمج حماس في النظام السياسي الفلسطيني، أو على الأقل تسكين الخلاف وإعطاء ضوء أخضر للرئيس عباس للعودة للمفاوضات بآليات جديدة، أو التزام الصمت حيال المحاولة الجدية.
الرئيس أبو مازن حشد خلفه باريس وموسكو باعتبارهما عاصمتين رفض نتنياهو سابقا الحضور إليهما من أجل “تنشيط عملية السلام”، فضلا عن الموقف التقليدي الصيني والاتحاد الاوربي والأمم المتحدة وإصرارهم على رفض سياسية فرض الوقائع على الأرض التي تحول دون تطبيق “حل الدولتين“.
المخاوف التي قد تواجه التصور الفلسطيني تتمثل في انشغال إدارة بايدن بإطفاء الحرائق التي أشعلها ترامب من إيران حتى الصين، والتطورات الكبرى في الأزمة الصحية جراء انتشار وباء كورونا، خاصة في أمريكا والتعافي من آثاره الاقتصادية.
كذلك هناك خوف من بقاء نتنياهو في الحكم بعد فشل معارضيه في الإيقاع بالرجل القوي وصاحب الخبرة، فضلا عن عدم قدرتهم على تشكيل تحالفات وازنة وصلبة تحد من “الحكم الملكي” لنتنياهو.
ولا يغيب عن كل ذلك احتمال قيام نتنياهو بتصعيد عسكري ضد ايران أو لبنان أو غزة لخلط الأوراق ووضع البيت الأبيض في زاوية حماية إسرائيل كأولوية أمريكية لا يعلو فوقها أي اعتبار.
خطوات القيادة الفلسطينية نحو المؤتمر الدولي يفضل أن لا تبقى مسارا منفصلا عن أي حراك داخلي لتفكيك الألغام الفلسطينية الداخلية وإحداث “طفرة ديمقراطية” عبر انتخابات ديمقراطية ونزيهة تعزز المسار السياسي.