بين الممكن والمستحيل السمة السائدة في الحالة الفلسطينية، بعد اصدار المرسوم الرئاسي لإجراء الانتخابات، بسبب كثرة الملفات المتشابكة والعالقة على كافة الصعد والمستويات ، التي تحتاج إلى حلول منطقية بمنتهى الشفافية والموضوعية ، لأن الواقع العام لم يعد لديه القدرة على تحمل عبء المزيد من السياسات والتصريحات غير الناضجة والفاعلة ، التي لا تحمل في مضمونها إلا الهفوات.
من الممكن أن تُقدم السلطة على ايجاد بعض الحلول الجزئية والمتوقعة مسبقاً لموظفين قطاع غزة، وهذا نتاج التصريحات والوعودات الصادرة عن جهة الاختصاص والمسؤولية، التي تأتي ضمن سباق الدعاية الانتخابية، ولكن من المستحيل نسيان العقول المساومة على الحقوق الشرعية والمستحقات الانسانية، وجعلها تنحصر في معادلة تجارية عنوانها العرض والطلب لمقتضيات الظرف خاص والتوقيت المعين، لأن واقع التجربة أكبر برهان ودليل على معاقبة السلطة لقطاع الموظفين، وهذا ليس لشيء إلا أنهم أبناء قطاع غزة، وهذا واضح من خلال التمييز الجغرافي بينهم وبين أشقائهم الموظفين في الضفة الغربية.
من الممكن القيام في حلول جزئية عاجلة لقطاع الموظفين ، ولكن من المستحيل حل كافة الملفات العالقة لقطاع غزة، التي من أهمها قطاع العمال العاطلين والمعطلين عن العمل منذ سنوات ، وجيل الشباب الذي اندثر وغاب في واقع من التهميش المتعمد والمقصود بعيداً عن الخوض في الأسباب، وقطاع الخريجين والخريجات من أبناء الجامعات، والمرضى الذين بحاجة الى رعاية صحية وعلاجات ، وجموع البسطاء والفقراء الذين يفتقرون إلى كافة الحاجيات، ولا سيما الأساسية منها لتلبي لهم أدنى التطلعات والمتطلبات.
من الممكن حدوث تقارب واتفاق بين طرفي الانقسام ، ضمن قائمة مشتركة في سباق الانتخابات، ولكن من المستحيل صمود هذا التحالف مطولاً بعد انجاز الانتخابات، وهذا يعود لعدة أسبب أهمها تجربة الانقسام السياسي الطويلة، وعدم توصل طرفي الانقسام لحلول وسطية ممكنة تؤهل الحالة السياسية للانتقال إلى واحة المصالحة والوحدة الوطنية من خلال جولات وصولات المصالحة السابقة، التي استغرقت وقتاً وجهداً لو تم استغلاله في عملية التحرر الوطني من الاحتلال ، لكنا اليوم على أعتاب فجر الحرية والاستقلال، وناهيك عن اختلاف السياسات والأيدولوجيات الفكرية بين طرفي الانقسام ، التي من الصعب أن تحدث حالة من التقارب والتواؤم المستمر، نظراً لعدم وجود قواسم مشتركة سياسية تجمع الفريقين.
من الممكن حدوث الانتخابات، ولكن من المستحيل أن يتم بعدها حصاد غمارها القائم على النهوض والانجازات ، لأن الواقع الفلسطيني بأكمله يحتاج إلى عقول متفتحة ومستنيرة تقود مسيرته المستقبلية على كافة الصعد والمستويات، لمعرفتها المسبقة لما عليها من حقوق وواجبات ، تجعل المواطن مطمئن النفس ، واعطاء صوته لمن يستحق في صندوق الانتخابات.
بين الممكن والمستحيل ، ستبقى الحالة السياسية تراوح مكانها دون تأثير أو تغيير، إلا من خلال حدوث نقلة نوعية من المواطنين ، الذين خاضوا التجربة القاسية وذاقوا منها الويلات والأمرَين.