"يأتي النجاح مع القدرة على الفهم والتكيف والتحلي بالصبر. التعاسة لا تدوم ولا السعادة. يكفي استعادة السيطرة على الأشياء لاكتساب الخبرة والمعرفة والمهارات الحياتية. يرتقي الحدس والبعد الروحي الرابع إلى نفس مرتبة الوعي والحكمة".
بعد الوصول الي نصف طريق الحياة، من منا لا يسعى لمعرفة ماذا يخبئه نصف الطريق الثاني في الحياة؟ و من منا لا يحاول استعادة لحظات من الماضي؟ نريد بشكل خاص أن نعود لنتذكر ما نصحنا به والدينا وبعض مسنين العائلة، ونسترجع لحظات من الماضي لاننا نريد استعادة شعور الأمان الذي كنا نتمتع به في الشرنقة العائلية. بعد الخمسين من العمر، ندرك أن تفسيراتنا لامور الحياة قد تغيرت وأننا نرى الأشياء بشكل مختلف عن الماضي.
تأتي تجاربنا على طول الطريق، لتضع بصمة عقلية وقدرات روحية جديدة. على سبيل المثال، نعرف أحيانًا من يقرع جرس باب بيتنا، أو ما يفكر فيه الصديق والإجراء الذي سيتخذه.
لا ينبغي أن نخاف من الحدس الذي يصل أحيانًا إلى الابعاد الروحية العلوية. يكتسب البعض منا بصيرة حدسية، مثل رؤية علامات مختصرة للأحداث المستقبلية كالمرض أو حادث مأسوي أو موت أو نجاح باهر.
مع ذلك، هناك أسئلة كثيرة حول الحياة، لأن بعض الرسائل تنتقل إلينا روحيًا لدرجة أننا نتساءل عما إذا كان هذا صحيحًا حقًا؟ في الواقع، ما نحتاج إلى معرفته هو أن بعد سنوات من العمل والمعاناة والمشقة، نتعلم أن نكون متسامحين ليس فقط مع الآخرين ولكن مع أنفسنا أيضًا. ثم نبدأ في التقليل من شأن ما نراه من انعكاسات، ونتأقلم مع صور الحياة التي لا تكون دائمًا إيجابية.
لكن ما زلنا نتعلم أيضًا أن هناك عملًا على الذات، وأنه علينا ألا نكف عن التعلم لتمكيننا من تحمل مسؤولياتنا ونقبل بخياراتنا أيضًا. ومن اللحظة التي نستعد فيها لمساعدة الآخرين، تأتي الينا مساعدة إلاهية و غير مرئية لإرشادنا حول الواجب الإنساني. كما ان مساعدة الاخرين تدفعنا الي العمل الإنساني، و التسامح والسلام الداخلي.
وهناك تزامن في أفعالنا وأقوالنا.كل هذا يحدث لنا في منتصف العمر، بدءًا من سن 55 عامًا. لأن في هذه اللحظة بالذات، لدينا ميول إنسانية ومفاهيم مستنيرة بفضل التجارب الحية التي يخوضها كل واحد فينا. ان الرغبة في مشاركة دروس الحياة مع الآخرين، هي بمثابة تقديم نصيحة جيدة لأولئك الذين في بداية رحلة الحياة. وبعد كل ما مررنا به، السؤال يتمحور حول اذا حققنا الصمود؟ هل بلغت أذهاننا القدرة على التغلب على جميع التجارب الصعبة؟ نحن بالتأكيد أقوى بكثير بعد رحلة طويلة وصعبة، لكن ذلك ساعدنا كثيرًا على فهم أنه يتعين علينا أن نكافح من أجل تحقيق جودة الروح. في الفيزياء، تشير كلمة المرونة إلى قدرة المعدن على تحمل الصدمات.
بالنسبة للطبيب النفسي الشهير بوريس سيرولنيك(2004) في كتابه "البط القبيح"، فإن المرونة هي إمكانات بشرية أخرى مخبأة في أعماق الدماغ. انها لا تكشف للبشر الا بعد فترة طويلة من الممارسات الحياتية و المهنية والاسرية مع مراحل المجد والفشل وخيبات الأمل.
بالنسبة لسيرولنيك، ان تحقيق التنمية البشرية يتمحور في اكتساب الانسان مهارات حياتية جديدة. و تأتي معها بصيرة الوحي للإنسان لاحقًا، كفضيلة تسند روح البشر و قدرته على التحمل.
فتظهر قيم أخلاقية جديدة تسوي الحياة وكنوزها. ويشير المصطلح المادي لكلمة"المرونة" اليوم إلى القدرة على التغلب على الصدمة والمخاوف التي يبتلي بها الانسان.
كثيرًا ما سمعنا آباءنا وكبار السن يخبروننا أننا بحاجة إلى التحلي بالصبر والحكمة. و تُكتسب هذه الفضيلة الأخلاقية كمكافئة بعد صبر طويل.
كما أكد الفيزيائي والرياضي رينيه ديكارت (1637)، في كتابه "الخطاب حول المنهج" أن هناك فصلًا تامًا بين الفعل في الحياة وعالم الحقيقة والعلوم. بالنسبة له، فإن الوعي هو مؤلف التمثيلات النشطة الحقيقية، والأساس الوحيد الذي يمكننا من خلاله إيجاد المعرفة. و تكمن قوة الإنسان في مدي ادراكه لما يحيط به، و الذي يشكل روح المعرفة و الكفاءة.