يحكى أن الفيل حيوانٌ قوي ليس من السهل السيطرة عليه، ولكن ابتدع الخبراء طريقة لترويضه، جوهر الطريقة يقوم على حفر حفرة على حجم الفيل، ودفعه للسقوط بها، ثم ينقسم الصيادون لفريقين الأول يرتدي بزة بيضاء والثاني بزة سوداء، وتبدأ عملية الترويض من خلال توزيع المهام فأصحاب اللون الأسود مهمتهم تعذيب الفيل كل يوم، وأصحاب الزي الأبيض مهمتهم إطعام الفيل وطرد أصحاب الزي الأسود، حتى تعزز لدى الفيل أن اللون الأبيض هم أصدقاء له وبذلك يتم ترويض الفيل والسيطرة عليه ودفعه إلى السير مع الصيادين أصحاب البزة البيضاء.
الفيل هو الشعب الفلسطيني، وأصحاب البزة السوداء هم أعداء الشعب الفلسطيني ومحاصروه وفي مقدمتهم إسرائيل، وأصحاب البزة البيضاء الولايات المتحدة التي تذكرت فجأة أن قطاع غزة على أبواب كارثة إنسانية وينبغي تقديم المساعدة له، وكأن غزة حوصرت اليوم، والأزمة الإنسانية هي وليدة الأيام الفائتة.
المطلوب ترويض شعبنا الفلسطيني والسيطرة عليه كالفيل تماماً ودفعه تدريجياً للسير في طريق تطبيق صفقة القرن دون أي مقاومة تذكر، بل على العكس سنسمع بعض عبارات الثناء منه للإدارة الأمريكية ومن يدور في فلكها.
أما قصة البقرة فيحكى أن رجلاً أراد أن يضع دجاجة في فناء بيته، فغضبت زوجته كثيراً وحدثت مشادة بينهما، فقام الزوج بجلب حمار ووضعه بجانب الدجاجة فازداد غضب الزوجة، فقام الزوج بجلب بقرة ووضعها بجانب الدجاجة والحمار، فطلبت الزوجة أن يزيل البقرة ويبقي على الحمار والدجاجة في فناء البيت.
قصة البقرة هي تحاكي واقع شعبنا مع العقوبات الظالمة التي فرضها الرئيس محمود عباس على قطاع غزة، حيث بدأت نسبة العقوبات 30% فاستشاط شعبنا غضباً، فكان رد السلطة الفلسطينية برفع النسبة إلى 50%، فزاد غضب شعبنا إلى أن جاءت تصريحات عضو مركزية فتح وتنفيذية منظمة التحرير لتلفزيون فلسطين بأن راتب شهر يونيو/2018م نسبته 70%، فبدأنا نقرأ على بعض صفحات التواصل الاجتماعي عبارات الثناء والبيعة والتفويض للرئيس محمود عباس ولعزام الأحمد، ونسينا أن من حق الموظف أن يحصل على 100% من راتبه وكامل مستحقاته بالإضافة إلى حق غزة في الحصول على كامل حقوقها المشروعة.
أما قصة السردين وبها أختم مقالي، فإن من عجائب الله أن وهب سمكة السردين الصغيرة الضعيفة ذكاءً خارقاً لمواجهة سمكة القرش، حيث لا تسير سمكة السردين لوحدها في البحر بل تمضي في سرب يقدر بالملايين، ويأخذ شكلاً كروياً عجيباً يخيف سمكة القرش فتهرب عندما تراه.
يوجد تقاطع كبير بين سمك السردين وبين مسيرات العودة وكسر الحصار، وهو أن الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده ترك غزة لوحدها تواجه صفقة القرن من خلال مسيرات العودة وكسر الحصار الظالم على شعبنا، باستثناء خروج حيفا ببعض المسيرات الداعمة لغزة ولمسيرات العودة.
لم تتوقف المشكلة عند هذا الحد، بل بدأنا نستمع لتصريحات من غزة وخارجها بأن مسيرات العودة هي لإنقاذ حركة حماس، وبدأت بعض الماكينات الإعلامية الموجهة تلعب على وتر آهات الجرحى، وجدوى تلك المسيرات، وكأن نضالنا الممتد منذ أكثر من مائة عام كان نضالاً خاليا من التضحيات.
نعم، ما يجري هو يسهل من عملية التهام غزة كما يلتهم سمك القرش سمكة السردين عندما تسير لوحدها، وهو ما يعكس خطورة حالة الانقسام على المشروع الوطني الفلسطيني، فلو كنا موحدين لن يجرؤ أحد على مواجهتنا أو فرض إملاءاته علينا.