الحديث عن عمليات التصفية للقضية الفلسطينية هو موضوع قديم, فمنذ أوسلو إلى الأن تُطرح الخطط والصفقات التي تجعل التخلي عن الحقوق الفلسطينية يكتسب الموافقة والشرعية الدولية, وتعتبر صفقة القرن واجهة جديدة للتصفية, أما الواجهة القديمة فتمثلت باتفاقية أوسلو والتي أضاعت ما أضاعت من حقوق الفلسطينيين.
منذ الأيام الأولى للإعلان عن الصفقة أظهر الفلسطينيون الرفض التام لها سواء على مستوى القيادة الفلسطينية المتمثلة برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس, أو على مستوى الفصائل الفلسطينية, فالشعب الفلسطيني مدرك بأن كل ما يتمخض عن الإدارة الأمريكية الجديدة المنحازة بشكل تام للطرف الإسرائيلي لن يخدم المصالح الفلسطينية, أو بشكل موضوعي أكثر لن ينصف الفلسطينيين.
زيارة كوشنير الأخيرة لمنطقة الشرق الأوسط ولقاءه مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناقشة "صفقة القرن" دون مشورة الفلسطينيين أثار استفزاز رئيس السلطة الفلسطينية, الذي زاد تأكيده على موقفه المعارض للصفقة منذ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. فقد ورد في صحيفة "معاريف" أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، سيرفض خطة السلام الأمريكية، وأن هناك ضغوطا تمارس عليه حاليا، للموافقة على "صفقة القرن". وهو ما أكدت عليه مواقع ومصادر إخبارية أخرى من أن أبو مازن يرفض الخطة الأمريكية للسلام منذ إعلان الرئيس ترمب عن نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
تلجأ الإدارة الأمريكية حالياً لأساليب جديدة لتمرير الصفقة مع استمرار الرفض من قبل القيادة الفلسطينية, فمنها محاولة الالتفاف على القيادة الفلسطينية وذلك باللجوء إلى أطراف عربية أخرى لضغط على القيادة للموافقة من أجل تمريرها, أما الأسلوب الآخر هو ما أُعلن عن الرغبة الأمريكية في مخاطبة الشعب الفلسطيني مباشرة دون توجيه أي اعتبار لرئيس السلطة محمود عباس, عوضاً عن اقتراح مشاريع من أجل تحسين الأوضاع في قطاع غزة والنهوض بها من أجل الحصول على الموافقة.
يبدو بأن ترمب مصِّر على تمرير الصفقة وبأي ثمن ولكن لنا كلمة الفصل في ذلك, فيمكن القول بأن طرح مخاطبة الشعب الفلسطيني مباشرة بعيداً عن القيادة هو أمر مثير للسخرية, إما يصدر عن شخص غير قارئ لتاريخ الشعب الفلسطيني, أو شخص قد بلغ به اليأس القمة. فتاريخ الشعب الفلسطيني حافل بالنضالات, يُضاف لذلك امتلاكه الوعي الوطني الذي يُمكنه من مناقشة الحلول السياسية التي تطرح عليه, لذلك فإن التعويل عليه هو طرح مؤسف للإدارة الأمريكية، فالشعب الفلسطيني الذي قاتل وناضل ودافع عن قضيته على مدار عقود من الزمن لن تغريه تحسينات أو تسهيلات أو منح لبعض مظاهر الحياة , فهو الآن وبالرغم من الضائقة الاقتصادية والضنك والفقر الذي يعيشه إلا أنه يناضل ومسيرة العودة هي المثال الأول لذلك, وما يثبت ذلك أنه عندما عاش الفلسطينيون فترة رخاء اقتصادي في فترة الستينات حتى1987 لم يمنع من قيام الانتفاضة الفلسطينية في تلك الفترة وبالتالي الحكم بالفشل على رغبة الإدارة الأمريكية بالتوجه للشعب مباشرة هو أمر بديهي.
وبالتالي فإن الإغراء بالنهوض الاقتصادي للفلسطينيين وتجاهل وإهمال متعمد للحقوق السياسية الوطنية للفلسطينيين يجعل من الصفقة كمشروع من مشارع الإصلاح الاقتصادي, أكثر من كونها مشروع للتسوية بين الطرفين, وهي أولاً وأخيراً مشروع للتصفية لكل ثوابت القضية الفلسطينية.
رغم كل ما تقوم به الإدارة الأمريكية من أجل تمرير الصفقة إلا أنها تصطدم في كل خطوة, فبالرغم من تعويلها على الدول العربية لإقناع السلطة الفلسطينية كمصر والأردن إلا أنها تلقت الجواب الأخير للطرفين وهو الرفض لأي حلول لا تكون فيها قيام دولة فلسطينية مستقلة, ورغم ذلك لن تستكين أمريكا لهذا الرفض, فطرحت مشاريع اقتصادية جديدة لتحسين الأوضاع ببعض الدول العربية, بالتالي ما زال الموقف العربي يعيش في بوتقة الموقف الفلسطيني فمدى التأكيد الفلسطيني على الرفض يكن الموقف العربي قوياً, لذلك فإن التأكيد العربي على قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية شكل عقبة أمام الخطة الأمريكية.
فعلى صعيد الموقف المصري فإن مصر لا تقبل بالصفقة الأمريكية بصورة كاملة، فقد أعلنت بعد اجتماع ضم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري، ورئيس المخابرات والمسؤول عن ملف القضية الفلسطينية، عباس كامل، بدعم مصر لكافة الجهود والمبادرات التي تهدف للوصول إلى اتفاق شامل، يمكن على أساس قيام دولتين في حدود 1967 وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.
أما الأردن نفت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة جمانة غنيمات موافقة الأردن على صفقة القرن. وقالت أن موقف الأردن بخصوص الحل النهائي للقضية الفلسطينية؛ يرتكز على ثوابت معلومة، "على أساس حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية". أما السعودية وباقي الدولي العربية فهي متذبذبة بين القبول والرفض وذلك تبعاً للضغوطات التي يتعرضون لها من قبل الإدارة الأمريكية والتي ترغم بعض الأطراف كقطر والإمارات من تمويل مشاريع الصفقة.
في الختام احتمالات نجاح الصفقة هو احتمال ضئيل في ظل الرفض العربي والفلسطيني, ولكن ذلك لا يعني بأن الإدارة الأمريكية سوف تستلم لذلك الرفض فمن الممكن جداً أن تطرح مشاريع إضافية وحلول تقلب الطاولة كما تفعل دائماً, إلى أنه وإلى الآن فرص النجاح للصفقة ضئيلة.