تبادل الزعماء والقادة منذ فجر التاريخ المخاطبات والرسائل، وقطعت الرسل الفيافي والقفار وهي تحمل هذه المخاطبات والرسائل، بما فيها من مواقف وأخبار، وتهديد ووعيد، وتمجيد وتحقير، من هذه الرسائل ما كان يخطب الود، ومنها ما كان يفرض الشروط، ومنها ما كان يعبر عن الخنوع والخضوع، وعلى الرغم من فحوى تلك المراسلات ساد عرف بين القادة والزعماء منذ القدم بان الرسل لا تقتل، وذلك حتى تبقى وسيلة التخاطب قائمة بين الزعماء ولا تنقطع.

يخبرنا التاريخ أن القادة والزعماء أنواع شتى، منهم من كان له مواقف شهد لها التاريخ، وكانت مخاطباته علامة فارقة خلد الزمان ذكرها، ومنهم من كانت له مواقف فارقة أيضا ولكنها سجلت في التاريخ الأسود للامة، وبقيت ندبة سوداء في تاريخ الشعوب.

ومازالت هذه المخاطبات والمراسلات تكتب حتى يومنا هذا، مسجلة المواقف في سجل التاريخ الخالد الذي ستقرؤه الأجيال من بعدنا لتحكم على مواقف الزعماء والقادة، كما حكمنا نحن على أسلافنا منهم، وكان حكمنا عليهم نابعاً من استشعارنا العزة والقوة في مخاطباتهم أو استشعارنا الذلة والمهانة منها، ثم قضينا الى الذي كان عزيزاً أبياً بالشرف والبطولة، وقضينا الي الذي كان ذليلاً مهيناً بالخزي والعار، فاذا جاء وعد الآخرة قضى الله (سبحانه وتعالى) قضاءه الذي لا معقب ولا راد له.

اليوم تسطر رسالة جديدة سيدونها التاريخ في سجله، أرسلها السفير الإماراتي محمد الخاجا لرئيس دولة الاحتلال ريفلين، يعبر فيها الخاجا عن مكنونات صدره، وهو بذلك يعبر عن موقف قيادته من الاحتلال، وقد تجلى موقف الخاجا بتمني المزيد من التقدم والازدهار للاحتلال، والإعراب عن الاعتزاز والفخر بلقاء رئيس دولة الاحتلال، كأول سفير إماراتي لديهم، والتطلع الي العمل معاً من أجل مستقبل واعد للدولتين (دولة الاحتلال ودولة الإمارات)، وتحقيق التنمية والازدهار والرخاء للشعبين. ويختتم الرسالة بالشكر على حفاوة الاستقبال.

التحليل المبدئي للرسالة ينم عن جانب عظيم من الخنوع والتزلف للاحتلال، بشكل يتجاوز الأعراف الدبلوماسية في التخاطب بين الدول، وما يؤكد ذلك أن السفير الخاجا قد كتب نص الرسالة بخط يده، فلم تطبع الرسالة كما هي العادة في المخاطبات الرسمية، الامر الذي  يدلل على الحميمية في العلاقة التي أُريد لها ألا تأخذ الطابع الدبلوماسي الجاف، هذا من ناحية، ومن ناحية أخري فان كتابة الرسالة بخط اليد يؤكد الدلالة عن شخصية صاحبها، فخط اليد دليل قضائي على صاحبه في علم الأدلة الجنائية، فخط اليد يميز صاحبه عن أي شخص أخر، وفي ذلك محاولة من الخاجا على ما يبدو لتأكيد العلاقة الشخصية الحميمة كما أسلفنا مع الاحتلال، هذا من حيث الشكل، أما من حيث الموضوع فلا يفهم معنى تمني التقدم والازدهار والتنمية والمستقبل الواعد لدولة الاحتلال إلا في سياق التنكر للحق الفلسطيني  التاريخي الذي يقوم على أساس التناقض التام مع وجود الاحتلال، فتمني التقدم للاحتلال يعني تمني التراجع للشعب الفلسطيني، وتمنى المستقبل المشرق للاحتلال، يعني تمنى المستقبل المظلم لفلسطين، وتمني الازدهار والرخاء للاحتلال، يعني تمني الجوع والحرمان وبقاء الحصار لفلسطين، اذاً كيف يفهم موقف الخاجا والقيادة الإماراتية في إبداء كل معاني الحب والوئام للاحتلال، في الوقت ذاته الذي يفرض فيه الاحتلال الحصار الظالم منذ خمسة عشر عاماً على الشعب الفلسطيني؟ كيف تفهم رسالة الحب والوئام للاحتلال، في الوقت الذي يصادر فيه الاحتلال الأرض الفلسطينية ويحرق أشجار الزيتون؟ كيف يفهم تمنى الازدهار والتقدم للاحتلال، وهو يعتقل آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجونه في ظل ظروف تخالف كافة المواثيق الدولية والإنسانية؟، وإذا لم تكن هذه الرسالة هي رسالة خنوع وخضوع لجبروت الاحتلال المجرم المتغطرس، الذي يمارس التطهير العرقي ضد أبناء شعبنا، فما تعريف الخنوع وما تعرف الجبن؟ وإلا فليأتنا الخاجا بقاموس جديد للغة العربية عسانا نفهم منه معاني جديدة لم نفهمها من لغة العرب.

لا شك أن التودد المبالغ فيه للعدو، يعبر في المقابل عن كره وبغض تجاه شعب وقضية فلسطين غير معلومي السبب، فالشعب الفلسطيني كان دائماً سنداً وعوناً لشعب الامارات، وكان له يد بيضاء في تعليم أبناء الشعب الاماراتي حينما كان الجهل يضرب أطنابه في أعماق مجتمعهم، وكذلك كان له يد بيضاء في النهضة العمرانية الهائلة التي تشهدها دولة الامارات، إذ أن المهندسين الفلسطينيين كان لهم شرف السبق في تخطيط المدن الإماراتية الكبرى، وعلى وجه التحديد العاصمة أبو ظبي، وكان يأمل الشعب الفلسطيني أن يقابل هذا المعروف بمثله أو بما يزيد عليه كعادة العرب في الشهامة والوفاء، فليس الواصل بالمكافئ كما يقول الحديث الشريف، ولكن يبدو أن مكارم العروبة قد انسابت من عروق هؤلاء حتى لم يبق في أجسادهم إلا بقايا من جفوة الأعراب.