أحداث دراماتيكية حصلت في الأيام القليلة الماضية في فلسطين، الحدث الأول هو إجراء انتخابات حركة (حماس) لاختيار رئيس الحركة في إقليم قطاع غزة، والحدث الثاني فصل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الدبلوماسي المعروف د. ناصر القدوة، بسبب رفضه قرار حركته المشاركة في الانتخابات التشريعية بقائمة بعيدة عن التنظيم.
أولًا: انتخابات حماس الداخلية في قطاع غزة.
حالة جدل رافقت قرار حركة حماس بإجراء انتخاباتها الداخلية قبل الانتخابات التشريعية، إذ المنطق يقول بضرورة تأجيل هذه الانتخابات لما بعد الانتخابات الفلسطينية، خوفًا من عواقب محتملة تحصل بعد الانتخابات في أغلب الدول والأحزاب في العالم، وهذه العواقب قد تنعكس سلبًا على قدرة حماس على خوض المعترك الانتخابي، لكن الحركة رسمت لوحة جميلة لم ينجح التيار التقدمي في الحالة الفلسطينية في رسمها منذ سنوات، ما دفع أوساطًا دولية وإقليمية لمتابعة الانتخابات ونتائجها وعواقبها، واستفزت (إسرائيل) التي تحاول باستمرار تصدير صورتها الديمقراطية للعالم، التي تقوم على قاعدة أن دولة الاحتلال الإسرائيلي هي الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط، ما دفع إعلامها للتشكيك بالعملية الانتخابية، وهو يدل على نجاح حماس في تقديم نموذج ديمقراطي يشار إليه بالبنان، ولكن نتيجة انتخابات حماس الداخلية بين يحيى السنوار ونزار عوض الله، بفارق ضئيل جدًّا لمصلحة الأول، تعكس مجموعة من الرسائل التي تحتم على السيد السنوار وضعها على أجندة مكتبه في دورته الأخيرة.
السؤال الرئيس هنا: هل من فرق بين السنوار وعوض الله؟ ولماذا كاد السنوار يخسر الانتخابات؟ وما أهم الملفات التي ينبغي أن ينتبه إليها السنوار؟
الفرق بين السنوار ونزار عوض الله: لا شك أن لكل شخص كاريزما خاصة به، ونمط تفكير مختلفًا إلى حد ما، لكن من يبحث في مسيرة حماس يصل إلى نتيجة مهمة، وهي أن من يحكم حماس هي المؤسسة لا الفرد، على أهمية الفرد في التأثير في المؤسسة، وهو ما يطرح سؤال عن سبب تراجع شعبية السنوار داخل التنظيم إلى هذا الحد؟
يحيي السنوار في دورته حقق إنجازات مهمة، لعل أهمها توطيد علاقات حماس مع القوى الوطنية والإسلامية، ففي دورته وصلت علاقات حماس مع فصائل المقاومة (تحديدًا الجهاد الإسلامي – الجبهتين الشعبية والديمقراطية وغيرها من الفصائل الأخرى) إلى مستويات متقدمة وصلت إلى درجة التحالفات، وانعكست على الأجنحة المسلحة بغرفة العمليات المشتركة ومناورة الركن الشديد، أيضًا يسجل لحركة حماس وعلى رأسها السنوار ترتيب العلاقة مع التيار الإصلاحي برئاسة النائب محمد دحلان، وأثر ذلك على تحسين العلاقة بين حماس والقاهرة التي شهدت قطيعة سياسية مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم، وعلى ملف المصالحة المجتمعية، كما يسجل لقيادة السنوار ومن خلفه مؤسسات الحركة بناء توافق وطني على النضال السلمي عبر مسيرات العودة وكسر الحصار، وبناء تفاهمات تخفف من الحصار عبر المشاريع القطرية والأممية، وتبني إستراتيجيات ردع للاحتلال تحقق بعض الأهداف دون الدخول في مواجهة عسكرية في وقت يعاني فيه شعبنا ويلات الحصار، وتراجعًا في مشاريع الإعمار.
ما سبق وغيره من الإنجازات تسجل للسنوار، ولكن ليس السنوار الفرد بل المؤسسة التنظيمية بأكملها، وهذا سيحدث أيضًا لو جاء نزار عوض الله أو غيره، وهو ما يعيدنا للسؤال الثاني، وهو: ما الأسباب الحقيقية التي ساهمت في ضعف شعبية يحيى السنوار داخل أروقة تنظيمه؟
ثمة ثلاثة أسباب تقف -من وجهة نظري- خلف تراجع شعبية السنوار، وهي:
1. البيئة السياسية التي رافقت دورته من عقوبات فرضتها السلطة الفلسطينية، وحصار صهيوني ظالم فاقم الواقع الإنساني وانعكس على المواطن عمومًا وعلى مؤسسات التنظيم على وجه الخصوص، وهو ما زاد من نسبة الرافضين هذا الواقع والراغبين في التغيير، إضافة إلى أن ثقافة التغيير لدى الناخب هي سمة موجودة في كل الدول والأحزاب التي تتبنى الديمقراطية وأداتها الانتخابية.
2. ما حصل في العملية الانتخابية من بعض المخالفات التي لم تعهدها الحركة من قبل ضاعف من الصوت العقابي.
3. زيادة حدة الاستقطابات داخل التنظيم.
وفقًا لما سبق إنني أنصح القائد يحيى السنوار بما يلي:
* العمل على إصلاح ما أفسده النظام الانتخابي الجديد نظامًا والعملية الانتخابية أداة.
* وضع ملف الحصار وموارد قطاع غزة (ملف الغاز) على رأس جدول أعماله بما يحقق العدالة الاجتماعية، والبحث بكل الوسائل عن مصادر دخل –غير الضرائب والجباية– لتحسين نسبة رواتب الموظفين الحكوميين وباقي مكونات شعبنا، والبحث في تفكيك أزمة حماس المالية التي تعانيها بعض مؤسسات الحركة وكوادها.
* ضم بعض المعارضين له مستشارين، حتى يكون على اطلاع على كل شاردة وواردة تدور من حوله.
* الانفتاح على مكونات التنظيم المختلفة، وعلى مكونات المجتمع الفلسطيني والاستماع لهم دوريًّا، كما كان في بداية دورته السابقة.
ثانيًا: فصل عضو اللجنة المركزية ناصر القدوة.
يحق لحركة فتح فصل أي عضو لا يلتزم بقراراتها، ولكن هذا مرتبط بمنسوب الديمقراطية في الحركة، فلو التزمت فتح بمؤتمرها العام دوريًّا، وكانت قيادة فتح منتخبة من القاعدة، فلن يجرؤ أحد على تجاوز قراراتها، وسيكون الفصل منطقيًّا وطبيعيًّا، ولكن منطق الهيمنة لا يقبله أحد، فلم تعد فتح أو حماس شأنًا تنظيميًّا خاصًّا، فهي شأن كل فلسطيني لكونها حركات تمسك بزمام الحكم والقرار السياسي الذي يحدد مصير شعبنا.
ولكن المفارقة في توقيت الفصل إذ يتزامن مع قرب الانتخابات العامة التي تتطلب وحدة تنظيمية وعملًا مشتركًا للارتقاء بالحركة وتحقيق نتائج تعبر عن تطلعاتها، وتطلعات مناصريها، وتتزامن أيضًا مع مشهد انتخابات حماس الداخلية التي تجعل الغيورين على فتح في موقف لا يحسدون عليه، فالمقارنة لدى جماهير فتح تعزز من إحباطهم، وعند النخب السياسية المقارنة تعزز من سيناريوهات تأجيل الانتخابات، بسبب عدم جهوزية فتح مقابل جهوزية خصمها السياسي حركة حماس.