إن الحصار الجزئي الجديد والتي فرضته إسرائيل على قطاع غزة له أهداف سياسية بإمتياز , الى جانب الأهداف الأمنية والتي تتمثل في محاولات السيطرة على الأطباق والبالونات الحارقة التي يستخدمها المشاركين في مسيرات العودة , والتي كلفت إسرائيل خسائر بملايين الشواقل من خزينة الدولة , ورغم أهمية السيطرة على الأطباق الحارقة بالنسبة لإسرائيل لكن هناك الأهم من ذلك , وهو جر غزة لهدنة أكثر قوة وأبعد مدى من الهدنة الحالية , فنستطيع أن نقول أن ذريعة الأطباق الحارقة هي أقوى ذريعة بالنسبة لإسرائيل لكي تحقق هدفها الأساسي بتحقيق هدنة طويلة الأمد وعلى أوراق رسمية .
لم تكتفي إسرائيل بتمسك الفصائل في غزة وفي مقدمتها حماس , بالهدنة التي تم التوقيع عليها بالقاهرة في أعقاب الحرب الأخيرة , ولكنها تسعى أن تكون الهدنة طويلة الأمد وموقعة على أوراق رسمية وتحت إشراف دولي , لأن إسرائيل تعلم بأن أي إتفاق هدنة جديد قادم بين إسرائيل وبين غزة بشكل منفرد سيكون لصالح إسرائيل أولا , لأن إتفاق الهدنة بين إسرائيل وغزة سيكون أشبه بإتفاق سلام وترسيم حدود , وهذا بالطبع سيعود بالخسارة السياسية على جوهر القضية الفلسطينية , وسيكرس ويدعم عملية الإنقسام بين غزة والضفة الغربية , وبعد أن تأكدت إسرائيل من نقاط ضعف الفصائل في غزة وهي الحالات الإنسانية والإقتصادية , أصبحت تبادر وتراوغ بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة , فقبل أيام كانت مقترحات إسرائيل لتحسين الأوضاع المعيشية في غزة تملأ الصحف , فالجميع كان يتوقع أن تتخذ إسرائيل إجراءات تحسين الإقتصاد في غزة , وأيضا بهدف جر غزة الى هدنة طويلة الأمد , ومن ثم تفاجئ الجميع بقرار إسرائيل لفرض عقوبات جديدة , فأصبح الأمر غريبا بالنسبة للفلسطينيين ولكنه ليس غريبا بالنسبة لإسرائيل , لأن الأمر مخطط له بعناية ومدروس بدقة , وله مخرجات سياسية ستتضح لنا الأيام القادمة .
أصبح الجميع يتسائل عن التغير المفاجئ في الموقف الإسرائيلي تجاه غزة , بعدما كانت إسرائيل تتبنى فكرة تقديم المساعدات لغزة وتحسين إقتصادها اصبحت تتخذ قرار سريع بمزيد من الحصار على غزة .
برأيي إن الإجابة على التساؤلات تتمركز في نفس الذريعة التي إتخذتها إسرائيل لتزيد الحصار , بغض النظر عن الهدف السياسي وهو جر غزة لهدنة طويلة , الذريعة هي نفس السبب والتي قلبت كل الموازين لدى إسرائيل , وهي الأطباق والبالونات الحارقة .
قبل مسيرات العودة وفكرة الأطباق والبالونات الحارقة كانت إسرائيل تتمتع بهدوء ناتج عن تمسك الفصائل بالهدنة الموقع عليها في القاهرة , وفي حال أي توتر كان يطرأ على الساحة كان ينتهي بعد إنتهاء ردات الفعل السريعة , ومن ثم تعود الفصائل في بيان مشترك تلتزم بالهدنة , وبناء على ذلك كانت إسرائيل تلمح بتوسيع العلاقة بينها وبين الفصائل وعلى رأسها حماس من خلال هدنة وبواسطة تقديم بعض الخدمات الإقتصادية لغزة , حتى جاءت فكرة المقاومة السلمية ومسيرات العودة والتي أربكت كل الحسابات السياسية بالنسبة لإسرائيل , فأصبحت مسرات العودة خارج السيطرة لأنها تحظى بمشاركة جماهيرية ليس مقتصرة على الفصائل فقط , فأدركت إسرائيل أن تقديم المساعدات لغزة غير مجدية ولم تغير شيئا بالنسبة للمسيرات , فكان القرار المفاجئ أن تتخذ إسرائيل الخطوات العكسية وهي تشديد الخناق على غزة من خلال الحصار الجزئي وما يتبعه من خطوات عقابية أخرى .
هكذا إسرائيل تكون إستبدلت عصا موسى بعصا فرعون في محاولة لقمع مسيرات العودة وأطباقها الحارقة , وأيضا لتحقيق هدفها السياسي الأول وهو جر غزة لهدنة طويلة وتكون أشبه بإتفاق سلام .