بدأ العدّ التنازلي للإعلان الرسمي عن القوائم الانتخابية لخوض المرحلة الأولى من الانتخابات الفلسطينية، بينما ستبدأ الجولة الثانية من الحوار الفلسطيني الفلسطيني يومي 16 و17 آذار/مارس الجاري في العاصمة المصرية القاهرة، بمشاركة رئاسة المجلس الوطني ولجنة الانتخابات المركزية والأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، للبحث في بناء مرجعية وطنية، وإعادة بناء المجلس الوطني الفلسطيني، واستكمال وضع آليات واضحة تضمن نجاح مسار الانتخابات المقبلة التي ستبدأ أولى محطّاتها في 22 أيار/مايو القادم.

هذه الجولة من الحوار ستأخذ صبغة خاصّة مختلفة عن مجمل الحوارات السابقة التي كانت تركّز على مسار محاولات تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وستتناول قضايا استراتيجيّة تمسّ جوهر إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني من جديد، من خلال إعادة تفعيل منظمة التحرير الفلسطينيّة وتطويرها وبنائها، لتصبح كياناً فلسطينياً جامعاً يمثل الكل الوطني الفلسطينيّ، بعيداً من الهيمنة والتفرّد والإقصاء.

الحوار القادم مهمّ ومفصليّ، ويتطلَّب مسؤولية وطنية عالية من كلّ الأطراف، بضرورة تقييم المرحلة السابقة والوقوف على أسباب الفشل والتراجع الكبير للقضية الوطنية الفلسطينية، وتقديم كلّ عوامل النجاح، والتوافق على برنامج سياسيّ وطنيّ جديد.

 إنّ متطلّبات نجاح الجولة الثانية من الحوار الفلسطيني تتمثّل في أن تخرج الفصائل المجتمعة منها برؤية وطنية جديدة تكون قادرة على مواجهة التحديات التي تمرّ بها القضيّة الفلسطينيّة. لا قيمة للمجلس الوطني من دون أن يكون المرجعيّة السياسيّة للشعب الفلسطيني بمختلف مكوناته. لذلك، ينبغي إعادة الاعتبار إليه، من خلال إعادة الاعتبار إلى الميثاق الوطني الفلسطيني، حتى تكون منظّمة التّحرير الإطار الجامع للشّعب الفلسطينيّ في كلّ أماكن تواجده، بدءاً من غزة والضفة والقدس والشتات والداخل المحتل، باعتبارها المحطة المركزية والنّواة الأساسيّة لإعادة بناء النظام السياسي الجديد، وإعادة الاعتبار إلى المقاومة، والتحلّل من اتفاقية أوسلو وكل ملحقاتها الأمنية والسياسية والاقتصادية، وإعادة ترجمة القرارات الوطنية بشكل جديد يقاوم الاستيطان والتهديد وعربدة المستوطنين وكل أشكال التطبيع مع الاحتلال.

أعلنت "حماس"، وفق تصريحات قيادتها السياسيّة، أنَّها لا تفكّر في إنشاء كيانات سياسية موازية أو تأسيس منظّمة تحرير بديلة، وهي تريد أن تكون جزءاً من الحالة الوطنية الفلسطينية، ولها تمثيل كباقي الفصائل في مؤسَّسات الشعب. ولو أرادت ذلك، لأقدمت على مثل هذه الخطوة حين توفرت لها فرص كثيرة وعروض أميركية متعددة، لمحاولة البحث عن حلول مباشرة معها للقضية الفلسطينية، لكنها فضَّلت حالة الإجماع والتوافق وإصلاح النظام السياسي الفلسطيني تحت مظلّة منظّمة التحرير الفلسطينية.

حتى ينجح حوار القاهرة هذه المرة، لا بدَّ من رفع الفيتو الإقليمي عن دخول حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في منظّمة التحرير الفلسطينية بشكل واضح، ثم إنَّ الركيزة الأهم تتمثل في وعي حركة "فتح" أنّ حالة التفرّد لم تعد مجدية، وعليها احتضان الحالة الوطنية برمّتها، وتقديم مرونة كبيرة، والاتفاق على برنامج سياسيّ جديد قائم على ترتيب أوراق المنظمة، وإعادة ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني على أسس وطنية سليمة تتجاوز برنامج أوسلو.

حتى ينجح حوار القاهرة، لا بد من تحقيق القناعة السائدة في الشارع الفلسطيني واقعاً، بضرورة أن تجتمع كل الأطياف الفلسطينية وتتفق على القوانين الناظمة لانتخابات المجلس الوطني وكيفية تركيبة المجلس الوطني بشكله الجديد.

حتى ينجح حوار القاهرة، لا بدّ من أن تتوفّر القناعات بضرورة التغيير وإعادة البناء، فليس معقولاً أن نقول إن منظمة التحرير هي الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وهي لا تضمّ في عضويتها سوى حركة "فتح" وبعض قوى اليسار التي أصبح بعضها في الأساس ينتقد سلوك المنظمة وبرنامجها وينادي بضرورة إصلاحها.

أصبحت حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" تشكّلان كبرى حركات المقاومة، ولهما قاعدة جماهيرية كبيرة ومؤثرة لا يستهان بها. وإذا ما أرادت الأطراف المختلفة إعادة تطوير المنظمة وبنائها واستنهاضها حتى تصبح ممثلاً شرعياً لكلّ الفلسطينيين، فلا بدَّ من إعادة صياغة برنامج يتفق عليه كل الفلسطينيين، ويكون فيه تعدد في الخيارات بعيداً من فرض أجندات أو برامج فاشلة لم تحقّق تطلّعات الشعب وطموحاته.

كيف يمكن الحديث عن منظّمة تحرير في الوقت الذي لا تضم القوى المقاومة والحية من الفصائل الفلسطينية، وفي الوقت الذي شاخ جميع قياداتها، وأصبح مشكوكاً في شرعيتها، وباتت فارغة من الرؤية والبرنامج!؟

إنَّ نجاح دخول حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إلى منظمة التحرير الفلسطينية يمنحها إضافة نوعية، ويعني ضخَّ دماء جديدة فيها وفي مؤسّساتها، ويجعلها منظمة جامعة في التمثيل وموحّدة في البرنامج واتخاذ القرار. وربما من أهم القضايا التي تؤكد الحاجة إلى أن تكون المنظمة جامعة للكل الفلسطيني هي كيفية اتفاق الفلسطينيين على خيار السلم والحرب، وعلى البرنامج السياسي الذي سيواجه الفلسطيني به مخطّطات "دولة" الاحتلال الإسرائيلي المدمرة لأحلام الشعب الفلسطيني.

لقد بات أمام الفلسطينيين أكثر من أيّ وقت مضى تجاوز مرحلة الماضي بكل أخطائها، ومواصلة المعركة مع الاحتلال بجسم واحد يمثل كل الفلسطينيين، وذلك في منظمة تحرير قوية متينة متماسكة، حتى يحقّقوا أهدافهم بالعودة والانعتاق من الاحتلال وتحقيق الحرية.

جولة حوارات مفصلية بموازاة شعب عانى الاحتلال والانقسام، وما زال ينتظر الآن بصيص أمل جديد يبعث الروح في القضية الوطنية من جديد نحو ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، ليتفرّغ الفلسطينيون لمواجهة الاحتلال وتحقيق مستقبل مشرق نحو الحرية والعودة والاستقلال.

كلّ الشّكر والتقدير والامتنان للقاهرة التي تستضيف جولات الحوار الفلسطيني وترعاها، على أمل أن ينتهي الانقسام والاحتلال، وتتحقق المصالحة الفلسطينية، ويعيش الشعب الفلسطيني مثل بقية الشعوب.