ما قبل «صاروخ ديمونا» ليس كما بعده؛ فخطوط السياسة المتوازية باتت أكثر تقاطعاً وترابطاً، وبصرف النظر عن التفاصيل المتعلقة بهذا الصاروخ سواء كان مضاداً للجو أو صاروخاً باليستياً، فإن نقطة تقاطع المتوازيات باتت تنطلق من حقيقة أساسية جوهرية، تشير إلى فشل إسرائيلي في اعتراض الصاروخ، رغم القبة الحديدية ومقلاع داوود وحيتس وباتريوت وسائر مقومات الدفاعات الإسرائيلية ذات المستويات الأعلى على نطاق عالمي، والأخطر من ذلك محاولة القيادات الأمنية الإسرائيلية تصوير الأمر وبإصرار غريب وشديد بأنّه ليس نوايا عدوانية أو انتقامية من قبل سورية، وأنّ الصاروخ وبالصدفة حاد عن هدفه ليصل إلى المنطقة الأكثر تحصيناً أمنياً في الدولة العبرية ليشكل فضيحة محرجة لدولة تعتبر نفسها من أهم دول العالم في قدراتها الأمنية والاستخبارية، الاعتبارات المنطلقة من «صاروخ ديمونا» لم تعد متوازية مع ما يجري في العاصمة النمساوية من تفاهمات ستؤدي على الأرجح ورغم الصعوبات إلى عودة أميركية إلى الاتفاق النووي الإيراني، وهنا يظهر التقاطع الجديد المنطلق من «صاروخ ديمونا» من خلال أكبر وفد أمني استخباري إسرائيلي يقوم بزيارة واشنطن، وكأنه إنزال ذا طبيعة أمنية استخبارية غير مسبوقة للتنسيق بين المتوازيات والتقاطعات المتصلة «بصاروخ ديمونا».
من المقرر أن يهبط هذا الإنزال إلى واشنطن وهو يضم رئيس الأركان أفيف كوخافي الذي يزور العاصمة الأميركية لأول مرة منذ تعيينه، وبرفقته رئيس الشعبة الإستراتيجية في وزارة الحرب بال كولمان، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية تمير هايمان، ورئيس «الموساد» يوسي كوهين، ورئيس مجلس الأمن القومي مئير بن شبات، يحمل هذا الوفد حسب المصادر الإسرائيلية رسالة تحدّي إلى واشنطن مفادها أنّ إسرائيل لا تراهن على اتفاق نووي مع إيران، وأنّ يدها ستمتد للحفاظ على أمنها، وباختصار فإن هذه الرسالة تعتبر تحدياً مكشوفاً لإدارة بايدن التي تراهن وبشكلٍ معلن على إرادتها في التوصل إلى العودة للاتفاق النووي من خلال عملية سياسية تفاوضية، وهنا يمكن الحديث عن تقاطع جديد لمتوازيات يتعلق هذه المرة بالربط بين الموقف الإسرائيلي إزاء الملف النووي الإيراني من جهة، وعلاقة ذلك مع سياسة واشنطن بالعودة إلى الاتفاق النووي، خاصة أنّ هذه السياسة تجد ترحيباً من القوى المؤثرة على الصعيد العالمي وحيث تبدو إسرائيل معزولة تماماً عن خيار تتجه القوى العالمية لتحقيقه.
وعندما تلتقي خطوط مفاوضات فيينا مع صنعاء، فإنه بالإمكان رؤية التقاطعات التي فرضت نفسها على المتوازيات، وذلك من خلال موقف أميركي معلن بالعمل على إنهاء الحرب في اليمن، ما يتطلب بالضرورة إقناع الحوثيين بالتخلي عن الحل العسكري لصالح الحل السياسي، وهذا يتطلب بدوره ربطاً بالموقف الإيراني، لذلك يمكن مراقبة ما نجم عن اجتماعات ومباحثات سعودية إيرانية جرت في بغداد مؤخراً، ما يهيئ لتطورات يمكن معها التأثير على مستوى نتائج مباحثات فيينا من ناحية وتهيئة صنعاء لرؤية سياسية تقرّب اليمن من حل سياسي من ناحية أخرى، ورغم صعوبة هذا الأمر، إلا أنّ جملة التقاطعات تشير إلى أنّ إمكانية ذلك باتت في الأفق البعيد الذي يمكن أن يقترب أكثر مع جملة التقاطعات التي طغت على متوازيات المنطقة من «صاروخ ديمونا».
في خضم هذه التقاطعات تنطلق من إسرائيل رسالة مفتوحة موجهة إلى رئيس حكومتها من قبل رئيس «الموساد» السابق أفرايم هاليفي، ورئيس شعبة الاستخبارات الأسبق أهارون هاليفي، ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق تشيك فرايلف، تطالب نتنياهو بعدم اتخاذ خطوات صدامية مع إدارة بايدن وعدم تخريب جهودها بالعودة إلى الاتفاق النووي، وذلك في رسالة تتوازى من دون أن تتقاطع مع الإنزال الأمني الإسرائيلي إلى واشنطن ممثلاً بالقيادات الأمنية والاستخبارية التي سبق الإشارة إليها.