حسب بيان سابق لغرفة العمليات المشتركة اعتمدت المقاومة الفلسطينية استراتيجية الدفاع وليس الهجوم من خلال تبني نظرية القصف بالقصف، وهذا يدعم من فرضية أن المقاومة غير راغبة بالذهاب لمواجهة عسكرية في هذا التوقيت، وأن الكرة في ملعب الاحتلال الصهيوني.
وفقاً لتحليل البيئة الاستراتيجية لكل من الاحتلال والمقاومة الفلسطينية فإن فرص الحرب تكاد تكون منعدمة، ولكنها ليست مستحيلة، وعلى الجميع تحمل مسؤولياته والعمل لمنع نشوبها، وأهم الخطوات لتحقيق ذلك، الذهاب لتهدئة طويلة مقابل رفع كامل وشامل للحصار المفروض على قطاع غزة.
تحليل البيئة الاستراتيجية لدولة الاحتلال الصهيوني.
هناك عوامل داعمة لاندلاع الحرب ووزنها النسبي أقل بكثير من العوامل التي تبعد شبح الحرب في قطاع غزة.
تحليل البيئة الإسرائيلية الداعمة للحرب.
تطرف المجتمع الصهيوني واتجاهه نحو أقصى اليمين، وحالة الاستقطاب الحزبي داخل إسرائيل، يشكلان حالة رأي عام ضاغط على الحكومة الصهيونية للذهاب باتجاه المواجهة العسكرية في غزة.
فشل سياسة الجزرة مع المقاومة الفلسطينية قد يدفع إسرائيل وبغطاء إقليمي ودولي للتوجه نحو العصا عبر استثمار وتوظيف حدث أمني تستخدمه إسرائيل لشن عدوان واسع لتقليم أظافر المقاومة في قطاع غزة.
تدحرج كرة الثلج من خلال القصف بالقصف وانزلاقها باتجاه مواجهة مفتوحة.
تحليل البيئة الإسرائيلية الرافضة للحرب.
إسرائيل تريد لمشروع التطبيع أن يسير للأمام وأي عدوان على غزة قد يحرج فريق المطبعين من الدول العربية والإسلامية.
استراتيجية الجيش الإسرائيلي تقدّم تهديد الجبهة الشمالية على الجبهة الجنوبية وبذلك تبريد جبهة غزة مصلحة استراتيجية إسرائيلية في هذا التوقيت، لا سيما حاجة إسرائيل في استكمال بناء الجدار على حدود غزة للقضاء على الأنفاق الاستراتيجية للمقاومة الفلسطينية.
الخشية من انفجار الضفة الغربية، وذهاب الضفة الغربية باتجاه خيار الفراغ السياسي والأمني، وهو ما لا تريده إسرائيل.
الخوف من الغرق في الوحل الغزاوي وبذلك تهتز صورة إسرائيل أمام العالم.
مازال هناك متسع للتلويح بالجزرة لتمرير صفقة القرن.
على صعيد المقاومة الفلسطينية، فهي الأخرى لا تريد الحرب للأسباب التالية:
إدراك المقاومة الفلسطينية لخطورة غياب الظهير العربي والإسلامي الداعم لها لو اندلعت حرب (البيئة المعادية للمقاومة).
الواقع الإنساني الصعب في قطاع غزة يدفع المقاومة للتفكير بالحلول الأخرى البعيدة عن الحل العسكري، لكن بقاء هذا الواقع الكارثي دون أدنى أفق لتجاوزه قد يدفع المقاومة نحو الانفجار.
إدراك المقاومة بأن مسيرات العودة وأدواتها تؤثر على الاحتلال بشكل أكبر لاسيما أن المقاومة تمتلك سلاح يستطيع أن يردع الاحتلال عند ارتكابه أي حماقة ضد المدنيين.
ما سبق يدعم من فرضية احتواء الموقف وعدم ذهاب الاحتلال الإسرائيلي باتجاه سيناريو المواجهة العسكرية الشاملة، وأن تتدخل القاهرة وأطراف دولية لدى المقاومة والاحتلال للعودة للهدوء مجدداً، وهو ما بدء بالفعل من خلال جهود مصرية للعودة للتهدئة، بحيث بات هذا السيناريو هو المعمول به بشكل مستمر دون البحث في جذور المشكلة والمتمثلة في الاحتلال والحصار، وسوء الأوضاع المعيشية في قطاع غزة، ما قد ينذر بأن تنفلت الأمور ذات مرة وتتدحرج كرة الثلج باتجاه المواجهة حتى وإن رفضها الجميع. ويبقى السؤال الأهم: ماذا ستستفيد الأطراف من سيناريو المواجهة العسكرية…؟
المكاسب الصهيونية: توجيه ضربة عسكرية من وجهة نظر إسرائيلية قد تعيد حركة حماس وفصائل المقاومة بل قطاع غزة برمته لعشرات السنين للوراء، وهو مكسب استراتيجي إسرائيلي، ولكنه مكسب يضلل المجتمع الصهيوني والرأي العام الغربي، فحرب العصف المأكول نجحت المقاومة في مضاعفة قوتها العسكرية أضعافاً مضاعفة خلال فترة زمنية قصيرة، وبذلك لا يمكن من تحقيق مكاسب صهيونية حقيقة تتمثل في إسقاط حكم حماس وتفكيك بنيتها العسكرية والسياسية في القطاع دون احتلال كامل لغزة، ويبقى السؤال هنا: نجحت إسرائيل في احتلال غزة، هل ستنجح من الخروج منها..؟ أعتقد لا، وربما تجد إسرائيل نفسها تغرق في وحل غزة وتصبح القنبلة الديموغرافية أكثر خطراً وفتكاً بالمشروع الصهيوني من بقاء حكم حماس في قطاع غزة، يضاف إلى ذلك مدى قدرة الرأي العام الإسرائيلي على تحمل فاتورة الخسائر البشرية والاقتصادية والاعلامية والسياسية والقانونية نتيجة تلك الحماقة.
المكاسب الفلسطينية: قد يرى البعض بأن سيناريو المواجهة العسكرية يشكل عامل ضغط على الاحتلال والمجتمع الدولي لإيجاد حل للواقع الإنساني في قطاع غزة، وتبدأ عجلة المساعدات ورفع العقوبات تعود من جديد، وبذلك تشكل الحرب بارقة أمل للفلسطينيين للخروج من عنق الزجاجة في ظل تعثر كافة محاولات المصالحة الفلسطينية.
الخلاصة: من يرغب بتجاوز شبح الحرب على غزة ، عليه التفكير بسحب صاعق التفجير وهو الحصار الظالم وانعدام فرص الحياة الكريمة من غذاء وعلاج وحرية في التنقل والسفر، وهي مطالب مشروعة بالقانون الدولي، ولا ينبغي أن ينتظر المجتمع الدولي أكثر من ذلك، فغزة تناشد كافة الضمائر الحية وتقول: نريد الحياة ما استطعنا إليها سبيلا، ابعدوا عنا شبح الحرب، ولكننا لسنا بجبناء وسنقاتل لو استمر العدوان والحصار الصهيوني الظالم.