أستهل مقالي بسؤال مهم: هل نحن الفلسطينيين نقر ونعترف أن موقعنا الآن داخل الزجاجة حتى نخرج من عنقها، أم أن الواقع على ما يرام، ونظامنا السياسي مستقر لدرجة كبيرة جداً...؟
لا أعلم وجهة نظر قادتنا وأحزابنا، لكن في تقديري، وحسب تصريحات كثيرة، أننا نعيش أزمة سياسية حقيقية سببها الاحتلال والانقسام، وهذا يتطلب رسم خارطة طريق للخروج من عنق الزجاجة، لعل وعسى أن ننجح في ذلك ونتفرغ لمواجهة الاحتلال.
وأيضاً يجب أن نقر أننا نعيش أزمة أخلاق ساهمت في زيادة أزمة الثقة بين المكونات الفلسطينية، والغريب أننا نعلم جيداً أن الاحتلال يعزز من حجم الفجوة بين الحركة الوطنية بما يضمن استدامة الانقسام، وعليه تقليل تكلفة الاحتلال، وهذا بات واضحاً وضوحًا لا يختلف عليه اثنان من خلال نضالنا الوطني ضد الاحتلال، إذ أصبح كل طرف ينظر لسيناريو مواجهة الاحتلال كأنه موجه له وللبقعة الجغرافية التي يسيطر عليها، حتى وصلنا إلى مرحلة غياب المقاااومة بكل أشكالها عن الضفة الغربية، أما قطاع غزة الذي يمارس نضالاً عبر القوة العسكرية أزمة الثقة وحالة الانقسام أصبحت عبئاً على نضالنا العسكري في قطاع غزة انطلاقاً من تعدد الرؤى والبرامج، حيث حققت المقاااومة في قطاع غزة في الحروب السابقة إنجازات عسكرية لا يختلف عليها أحد، ولكن دون ثمرة سياسية ملموسة تعزز من فكر المقااااومة المسلحة لدى الأوساط الشعبية، التي تؤمن إيماناً عميقاً أن الانعتاق من الاحتلال بحاجة إلى مراكمة القوة، وتوظيفها في سبيل تحقيق أهداف سياسية، إلا أن الفريق الآخر الذي لا يؤمن بالمقاااومة المسلحة يرى أن أي نجاح يأتي عبر القوة العسكرية يعني فشل مساره السياسي، وبذلك سقوطه المدوي، وعليه يبدأ العمل في تبهيت الانتصارات وإفشالها عبر سياسة حرق الوقت، والعمل مع من تتقاطع رؤاهم مع هذا التوجه إقليمياً ودولياً لتحقيق هذا الهدف بطرق مختلفة، وهذا ما حصل خلال عدواني 2014 و2021م.
إن تضحيات شعبنا لأكثر من سبعين عاماً فريدة من نوعها في هذه المعمورة، ولكن دون نتائج حقيقية ملموسة، وحتى أوسلو الذي جاء نتيجة للانتفاضة الكبرى عملت (إسرائيل) وأطراف دولية على أن يكون اتفاقاً يصب في المصالح الإسرائيلية أكثر من المصالح الوطنية الفلسطينية، ورغماً عن ذلك انقلبت (إسرائيل) عليه لأن مشروعها أكبر مما نتخيل.
إن الخروج من عنق الزجاجة بحاجة لتحرك شعبي كبير، عبر تبني خارطة طريق يؤمن بها أبناء شعبنا، ويشارك في كتابة فصولها، ويعمل على تنفيذها عبر كل الوسائل السلمية، وصولاً إلى الحراك الشعبي الواسع، فالحركة الوطنية إن لم تلبِّ تطلعات شعبنا فهي ليست قدراً، وعجلة التاريخ تدور، والتغيير من سنن الحياة، وعليه أرى أن خارطة الطريق للخروج من عنق الزجاجة تتمثل في ثلاثة مسارات:
1. تعزيز الوعي الجمعي الفلسطيني عبر ثقافة مدنية يؤمن بها الجميع، وتساهم في القضاء على التعصب الحزبي الذي أخرج من رحمه جيشاً من السحيجة، يتم استخدامهم بما يضر الصالح الوطني العام.
2. عملية تحول ديمقراطي تطال كل مكونات النظام السياسي الفلسطيني، لاسيما حركة فتح التي أرى أن عقد المؤتمر الثامن ضرورة وطنية وأولوية قصوى لانتخاب قيادة جديدة تكون قادرة على توحيد فتح، وإعادتها إلى سيرتها الأولى حركة في طليعة حركات المقاااومة التي تستخدم كل الأدوات لإنجاز الأهداف الوطنية، وصولاً إلى بقية الحركة الوطنية، والنقابات والمؤسسات السياسية كافة.
3. تتوافق القيادات الجديدة على البدء في مسار تقييم وتقويم المرحلة السابقة عبر مؤتمر نخبوي يشارك فيه نخب شعبنا في الداخل والخارج، والعمل سوياً على إعداد خطة إستراتيجية واضحة المعالم تنسجم ونتائج التقييم التي خلص لها نخب شعبنا، وتبدأ مرحلة نضالية جديدة تكون قادرة على دفن الماضي الأليم، والنظر إلى المستقبل.
الخلاصة: بقاء الواقع الراهن على ما هو عليه في تقديري هو خدمة للاحتلال، ويساهم في تعزيز الدكتاتوريات، ويصنع وعياً تتآكل الوطنية بشكل تدريجي لديه، وينعش المشروع الصهيوني، وعليه فإن التغيير ينبغي أن يبدأ سلمياً وبالتوافق، وإن تعذر ذلك فلا بد للحراك الشعبي السلمي من الوصول إلى ذلك.