أحاول استبعاد فكرة تعاون الأجهزة الأمنية الفلسطينية مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في سعيها المحموم البحث عن الأسرى الستة، لما تمثله هذه القضية شديدة الحساسية من مشاعر وجدانية ووطنية جارفة.
وأن الأسرى يشكلون ضمير الفلسطينيين ورمز مقاومتهم وصمودهم، وتحظى قضيتهم باهتمام كل بيت فلسطيني، وما شكلته قضية تحرير الأسرى لانفسهم من استعادة الوعي الجمعي الوطني المقاوم والروح المعنوية للفلسطينيين في مواجهة حالة الإحباط واليأس السائدة بين الفلسطينيين.
وعدم القدرة على استثمار ما حققته هبة القدس وفلسطيني الداخل والعدوان على قطاع غزة وطنيا، والالتفاف عليها وتوجهات السلطة الفلسطينية بتجديد العلاقة والتنسيق مع دولة الاحتلال على إثر اجتماع غانتس مع الرئيس محمود عباس .
ما يثير الشك وعدم اليقين بقدرة السلطة على الاستجابة لنبض الفلسطينيين، وفي الحد الادنى الخروج بتطمينات للفلسطينيين انهم لن يكونوا طرفاً في عمليات البحث والتعاون مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ودحض ما قاله وزير الأمن الاسرائيلي بيني غانتس عن استمرار العلاقة مع السلطة الفلسطينية، والإشارة إلى التنسيق الأمني بين الجانبين.
ووفقا لمحللين اسرائيليين يسود الاعتقاد أن الشاباك وشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية ستتمكن من العثور على الأسرى، وأن السؤال المطروح هو ماذا سيحدث عندها وكيف سيؤثر ذلك على الوضع الأمني.
تسعى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خاصة جهاز الامن العام "الشاباك" بشكل حثيث إلى تغيير الصورة والاعتقاد السائد في دولة الاحتلال أنه يتحمل جزء من المسؤولية عن الإخفاق الاستخباراتي في سجن الجلبوع. فهو لم يعلم بخطة الهروب، والأمر المقلق أكثر هو أنه لم ينجح بالعثور على الهاربين حتى الآن. والشاباك وحدة نخبة. والتوقعات منه مرتفعة، ويعتقد الاسرائيليون أنه قادر على رصد أي محادثة هاتفية مشبوهة في الضفة، وأي مؤامرة "إرهابية" في غزة. لكنه لم يتوقع المواجهات في المدن المختلطة في أيار/مايو الماضي، ولم يقبض على الاسرى الستة والذين قدموا مساعدة لهم، كما ذكر محللين سياسيين وعسكريين وأمنيين إسرائيليين،.
وفي ضوء ذلك وعلى الرغم من أن أولئك المحللين قالوا أن الشاباك عبر عن تخوف أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، وأمام بار ليف من أنه طالما الأسرى الستة طلقاء، "قد يشكل البُعد الإدراكي لهذا الحدث، أكثر بكثير من الخطر المباشر الذي يشكلونه، مصدر طاقة لتفجرات عنيفة داخل السجون وبين السكان الفلسطينيين عموماً.
وأن تقديرات أجهزة الأمن تشير إلى احتمال أن يسعى الستة إلى تنفيذ عملية مسلحة ضئيل جدا، وانهم يسعون إلى الاختباء وفعل أي شيء كي لا يعودوا إلى السجن، ولكن ليس التضحية بحياتهم. وتقديرات أجهزة الاستخبارات هي أن احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة ضئيل، وحتى أنه ضئيل جدا.
وذلك في إشارة حسب إدعاءاتهم الى أن الفلسطينيين في الضفة يعرفون ثمن انتفاضة ثالثة، غير أن تقديرات الأجهزة الأمنية تعترف ايضا بأنه من الصعب توقع تاثير شرارة واحدة. وخاصة أن المكان التي ستبدأ النيران منه، وأحد الأماكن الذي قد يصل الفارين إليه، هو مخيم اللاجئين في جنين.
وفي محاولة أيضا من المحللين الامنيين والعسكريين الذين يتلقوا معلوماتهم من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تشويه صورة ومقاومة الفلسطينيين، وعدم قدرة السلطة الفلسطينية على الحكم، خاصة في مخيم جنين باعتباره "مركز قوة" المناضل، زكريا زبيدي، ووصف المخيم بأنه الغاية الأكثر إشكالية لدخول قوات إسرائيلية، ويعاني الإهمال والتقصير من السلطة وانتشار فايروس كورونا و"عصابات" شوارع وجهات مسلحة مختلفة تسيطر على المكان. ولا ينتهي دخول إسرائيلي إليه من دون تبادل إطلاق نار وقتلى وجرحى أحياناً.
في حين اشار آخرين ونقلا عن تقديرات واعتقاد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وأنه بالإمكان العثور على الأسرى الستة خلال أسابيع في الحد الاقصى، وجميعهم سكنوا في منطقة جنين قبل أسرهم. والضفة الغربية هي إحدى المناطق الخاضعة لتغطية استخباراتية الأشمل والأكثر كثافة في العالم، وعاجلا أو آجلا، ستنتج على الارجح البصمة’ الاستخباراتية التي تدل الشاباك على مخبأ الستة.
ويبني أولئك تحليلاتهم حول امكانية معرفة مكان الاسرى من خلال القوة والإجراءات التي تحددها اجهزة الاستخبارات وقدراتها وخاصة أن هوية الاسرى الستة معروفة وشبكة علاقاتهم مع العالم خارج السجن قد تم تحليلها، وأن الشباك وشعبة الاستخبارات العسكرية يجرون رصدا لكافة أنواع التوثيق، كاميرات المراقبة على أنواعها، والاتصالات الخليوية والانترنت ذات العلاقة بالأسرى الستة ومسار هروبهم.
تقديرات الأجهزة الامنية الاسرائيلية أنه في حال استشهاد الأسرى الستة أنها غير قلقة من مواجهات أو ان يشكل الأسرى الستة دافع وتقليد الشباب لهم في السجون او القيام بعمليات ضد الجيش، أو حتى تضامن الضفة الغربية مع الأسرى، إنما وفقا لاعتقادهم أن الخطر هو التصعيد في قطاع غزة. وذلك بناء على تهديد الفصائل خاصة حركتا الجهاد الإسلامي وحركة حماس بإطلاق قذائف صاروخية.
يعتقد بعض المحللين الاسرائيليين أن المنطقة الأوضاع في الضفة الغربية غير ناضجة في اندلاع انتفاضة أو مواجهات مع الاحتلال، ربما قد يكون ذلك صحيحا خاصة وأن توجهات قيادة السلطة الفلسطينية واضحة سواء في تعزيز العلاقة مع دولة الاحتلال واستمرار التنسيق الأمني، ولَم تغادر قيادة السلطة ومن حولها برنامجها وفقا لمصالحها وهي غير مستعدة للتنازل عن امتيازاتها التي حصلت عليها خلال السنوات الماضية وتدجينها وتجريف المقاومة حتى السلمية والشعبية.
وعلى الرغم من الالتفاف الشعبي العارم مع الأسرى الستة وما شكلوه من حالة وطنية جامعة، وايضا الاشادة والفخر من قيادة فتح بالاسير المحرر زكريا الزبيدي وتصويره على انه قائد المجموعة، إلا أن حجم التضامن والاحتجاجات ضد ما يتعرض له الأسرى في السجون من قمع وحشي لا تعبر عن المطلوب وطنيا واستثمار ذلك بتغيير النهج والبرامج.
وفي ضوء ذلك يعتقد بعض المحللين الاسرائيليين ان المنطقة المهيئة أكثر للتضامن الفعلي مع الأسرى في حال حدث لهم مكروه هي غزة، ووفقا لتقديرات دولة الاحتلال، وهي الوسيلة المناسبة لحماس التي قد تمنحها ذريعة ممتازة لمواجهة جديدة مع إسرائيل لاجبارها على الالتزام بالتسهيلات وعودة الاوضاع لما كانت عليه قبل العدوان الاخير على القطاع في ايار/ مايو الماضي.
اعتقد أن هذا التقدير بحاجة الى تدقيق، وأن حركة حماس غير معنية بالتصعيد وعدوان جديد على غزة التي تعاني اثار العدوان ولم تستعد عافيتها واخوالها مأساوية، والكلفة الغالية التي دفعا الناس ولا يزالوا، اضافة الى الجدل الذي اثير على اثر العدوان وان المقاومة المسلحة حرفت الانظار عن هبة القدس واحتجاجات فلسطيني الداخل، مع ان العدوان الاسرائيلي على غزة عزز حجم المساندة والتضامن الفلسطيني الجمعي مع الذات، وما حققته المقاومة من انجازات هزت صورة دولة الاحتلال. بالاضافة الى ذلك وفي ظل الحديث عن بدء عجلة إعادة الإعمار، وأن البدء بالتنفيذ في بعض المنح كـ المنحة القطرية بات قريباً.
قد يقول البعض أن ذلك جاء نتيجة الضغط الامريكي والاقليمي، ربما يكون ذلك ساعد، لكن يجب عدم اغفال موقف المقاومة واصرارها على التصدي للشروط الاسرائيلية والابتزاز الذي مارسته ولا تزال للضغط على غزة التي لم تعد تحتمل استمرار الحصار.
لا اعتقد ان هناك نوايا لتصعيد عسكري من غزة التي ستدفع اثمان عالية ومكلفة.
التقديرات والتحليلات الإسرائيلية حول عدم احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة ضئيل، وحتى أنه ضئيل جدا، هي تقديرات غير صحيحة، فالمقاومة الفلسطينية والانتفاضة مستمرة في الضفة وغزة وباشكال وصور مختلفة، وما يجري في القطاع والضفة وحالة الوعي واستعادة الروح الوطنية، هي استمرار لرفض الفلسطينيين للاحتلال وممارساته العدوانية والاجرامية الاستيطانية.
لم تصل الحالة الفلسطينية الى خالة جمعية ومنظمة لمقاومة الاحتلال بتاء على تخطيط واتفاق وطني ووحدة وطنية، إلا أن ما تشهده الاراضي الفلسطينية يؤكد على حيوية الشعب الفلسطيني وفعله المقاوم المستمر.
ما يحتاجه الفلسطينيون إعادة الاعتبار لحركتهم الوطنية كحركة تحرر وطني واستعادة منظمة التحرير وتعزيز صمودهم، وانهاء الانقسام، والتخلي عن وهم السلطة تحت الاحتلال الدي يريدها سلطة مجردة من أي بعد وطني، وان تبقى وظيفتها التنسيق والتعاون الامني وعقبة امام تحقيق الشعب الفلسطيني أهدافه وآماله بالتحرر من النظام العنصري الاستعماري.