اتفاق الإطار «إطار التعاون» الذي أعلن عن توقيعه بداية شهر آب (أغسطس) من العام الجاري بين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» والولايات المتحدة الأميركية للعامين 2021 و 2022 ، ابتزاز سياسي ومالي من الإدارة الأميركية ليجعل الأونروا أسيرة للموقف الأميركي في صياغة برامج الأونروا ورسم سياساتها الاستراتيجية ويجعلها تعيش تحت ضغط إمكانية قطع التمويل الأميركي في حال عدم توافق سياساتها مع الرغبات الأميركية والإسرائيلية، أي أن هذا الاتفاق يجعل الإدارة الأميركية وإسرائيل مرجعية للأونروا.
وينص الاتفاق على «حفاظ الوكالة على حيادية موظفيها ومرافقها واتخاذ التدابير الممكنة لضمان عدم وصول أي جزء من الأموال او المساعدات لأي لاجئ تلقى تدريباً عسكرياً، وفي حال عدم التزام الأونروا بذلك، فيعطي الإدارة الأميركية الحق بقطع المساهمة المالية».
ولا يقتصر الاتفاق على ذلك، بل ينص على «إلتزام الأونروا بالإبلاغ عن أي انتهاكات جسيمة للحياد مع الولايات المتحدة في الوقت المناسب ومعالجتها... وتحسين قدرة الوكالة على مراجعة الكتب المدرسية المحلية والمواد التعليمية لضمان الجودة التي تستخدمها لتحييد واتخاذ التدابير لمعالجة أي محتوى يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة في المواد التعليمية». فالقضية الأساس ليست مناهج الوكالة بل الوظيفة السياسية والقانونية التي تشكلها وكالة الغوث باعتبارها أحد المكونات الاساسية التي يستند إليها حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين..
ويشترط الاتفاق على إدارة الوكالة «تقديم تقارير مالية وأمنية وبنوداً تتعلق بالموظفين وضمان حياديتهم في عملهم وعمل الاونروا كل 3 أشهر، ما يعد مساساً بمكانة اللاجئ الفلسطيني وهويته وانتماءاته... إلى جانب ذلك أن الاتفاق يعرّض الموظف والعامل لاحتمالية المحاسبة وحتى الفصل من وظيفته، رغم إدراكنا لخطورة الأزمة المالية التي تعانيها الأونروا والمطلوب حلها من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي». لذلك يعد اتفاق الإطار انتهاكاً فاضحاً لطبيعة التفويض الممنوح للوكالة من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 وينطوي عليه اشتراطات سياسية تفتح شهية التدخل الأجنبي في عمل ومهمات الأونروا.
ومن الجدير ذكره، أن المساهمات المالية للدول المانحة هي تبرعات طوعية غير مشروطة، وأي التزام يترتب على وكالة الغوث نتيجة مثل هذه الاتفاقات فهي غير قانونية وتتناقض مع كون وكالة الغوث هي احدى منظمات الأمم المتحدة التي تخضع للأنظمة والمواثيق الداخلية للمنظمة، وهي بالتالي ليست ملزمة سوى باحترام تلك الانظمة..
لذلك نقول إن «ما عجزت عنه الولايات المتحدة واسرائيل وبعض حلفائهما عن تحقيقه في مرحلة ما بعد النكبة، بجعل الاونروا جسراً للتوطين وتصفية قضية اللاجئين، لن تتمكن من تحقيقه اليوم بقوة الابتزاز المالي والسياسي».
وما تضمنته هذه الوثيقة من نصوص تؤكد حقيقة تدخلات الولايات المتحدة وخصوصاً في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في شؤون وكالة الأونروا وسياساتها، سواء بشكل مباشر أو عبر تحريض دول العالم ومنها دول عربية ضد الوكالة ودفعها لعدم تقديم مساهمتها المالية للأونروا.. ومنذ أيام اشترط الاتحاد الأوروبي استمرار الدعم المالي مقابل تغيير المناهج التعليمية الفلسطينية، والتي تضاف لحملات التحريض على الأونروا لقطع المساهمات عنها واتهامها بـ«نشر خطاب الكراهية والتشجيع على العنف داخل مدارسها».
ولم يقف اتفاق الإطار في خطورته عند ذلك بل يمتد إلى مراجعة الكتب المدرسية، ففي هذه الحالة يكون أمام الأونروا إما شطب جزء كبير من المناهج أو تأليف مساقات دراسية جديدة تنسجم مع الرغبة الأميركية والإسرائيلية، كون هذه الأطراف ترى أن «المناهج الفلسطينية تحرض على العنف ضد إسرائيل وتنفي أحقيتها في الأرض».
حيث شهدت أماكن تواجد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ولبنان وسوريا تحركات رفضاً لاتفاق الإطار والتحذير من مخاطره، لذلك فإن مجابهة هذا الاتفاق مسؤولية جماعية تتطلب استنهاض كل عناصر القوة لدى حركة اللاجئين وابتداع آليات متطورة تمكن من توسيع دائرة التأييد لحقوقهم وفي المقدمة حق العودة وفق القرار الأممي 194، وهنا تقع المسؤولية على دائرة شؤون اللاجئين في م.ت.ف لتفعيل دورها وتوثيق علاقاتها عبر البرامج الخدماتية مع مخيمات اللاجئين في المناطق المحتلة وفي الشتات.
إلى جانب ذلك على اللجان الشعبية في المخيمات ولجان واتحادات العاملين في الوكالة رص الصفوف وتوحيد جهودهم في الدفاع عن الأونروا، كهيئة مستقلة لدفع المفوض العام للأونروا وإدارتها على التراجع عن تلك الاتفاقية والتحلل من كل ما ورد بها من التزامات.
لذلك بات ضرورة وضع اتفاق الإطار وما تضمنه من مخاطر وتحديات على جدول أعمال اللجنة التنفيدية لـ م.ت.ف والتنسيق مع الدول العربية المضيفة. كما بات مطلوباً من المستوى الرسمي الفلسطيني صياغة استراتيجية وطنية على مساحة كل تجمعات الشعب الفلسطيني خاصة بوكالة الغوث وما ترمز إليه على المستويات القانونية والسياسية والخدماتية، بكل ما يتطلبه ذلك من توسيع الحركة الشعبية تجاه الدول المانحة والمنظمات الدولية لوقف سياسة الابتزاز المالي الذي تتعرض له الوكالة وإبعادها عن دائرة الضغوط الاميركية والإسرائيلية.