الرسالة الهامة التي نشرت على موقع الأمم المتحدة على لسان المفوض العام للأونروا فليب لازاريني التي وجهها لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين تحمل ما يكفي من الحقائق لتؤكد أن استهداف الأونروا بات واضحاً من عدد من الدول في مقدمتها إسرائيل والولايات المتحدة لإضعافها تدريجياً وتقويض دورها وصولاً إلى وضع المجتمع الدولي أمام معطيات، تقول إن الأونروا أصبحت عبئاً على المجتمع الدولي، ولا حاجة لاستمرار وجودها، ومن الأجدى تحويل عملها والخدمات التي تقدمها إلى الدول المضيفة للاجئين أو تحويلها إلى المفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة وبالتالي تصفيتها وإنهاء وجودها الأمر الذي يعني استهداف جوهر قضية اللاجئين بالمعنى السياسي والذي ينطوي عليه القرار الأممي 194 القاضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الديار التي شردوا منها مع تعويضهم.
إن الأونروا تشكل أحد الشواهد الحية والهامة لقضية اللاجئين الفلسطينيين، فقد أنشأت قبل 72 عاماً بقرار من الأمم المتحدة رقم 302 لعام 1949، ويتم إعادة التصويت على قرار إعادة التفويض للأونروا كل ثلاث سنوات لتجديد ولايتها، وعادة ما يكون التصويت بأغلبية 173 دولة (حسب آخر تصويت) إلى جانب تجديد التفويض لها. حيث إن التصويت هو تعبير صارخ عن الإرادة الدولية بالوقوف إلى جانب استمرار الأونروا من منطلق أنها تشكل عامل أمن واستقرار في المنطقة، ويعتبر إقرارا من المجتمع الدولي، أن قضية اللاجئين كمشكلة رئيسية ما زالت قائمة وبحاجة إلى حل سياسي ربطاً بالقرار الأممي 194. وهنا تكمن المسئولية الأممية التي لا يستطيع أحد التملص منها مهما بلغت محاولات الضغط والتأثير على عدد من دول العالم، ومهما بلغت حملات التحريض والاتهام للأونروا والتي جُرِبَتْ على مدار سنوات طويلة مضت وباءت بالفشل، سواء ما كان يطرح من إدارة ترامب السابقة في إطار ما تسمى "صفقة القرن" من محاولات لإزاحة قضية اللاجئين عن الطاولة ووقف كل الأموال التي تقدم للأونروا (365 مليون دولار) منذ عام 2018، إلى طرح مشروع قرار على الأمم المتحدة بتعريف من هو اللاجئ، بهدف اقتصار اللاجئين فقط، ممن هم على قيد الحياة منذ عام 1948 وأن اللجوء لا يورث وصولاً إلى تحريض العديد من الدول لعدم تقديم أموال للأونروا إلا بالقطارة، علاوة على اتهام إدارة الأونروا بالفساد وسوء الإدارة، وقد دفع المفوض العام السابق بيير كورنبول ثمناً باهظاً جراء الاتهام الكاذب من الإدارة الأمريكية، فقد أثبتت التحقيقات كذب هذه الادعاءات مما أضطره إلى الاستقالة، فهو من أطلق شعار "الكرامة لا تقدر بثمن" وقد جاب أكثر من 50 دولة حول العالم لجمع الأموال للتغلب على الأزمة المالية التي افتعلتها الإدارة الأمريكية في عام 2018 وحقق فائضاً جيداً لموازنة الأونروا. هذا الرجل سيظل يذكره مجتمع اللاجئين بكل خير واحترام وتقدير.
إن الرسالة المفتوحة لمجتمع اللاجئين من المفوض العام كان يجب أن توجه مباشرة إلى المجتمع الدولي لوضعه أمام مسئولياته واستشراف الخطر الشديد الذي يعتري الأونروا ويعرضها لخطر وجودي من خلال استفحال الأزمة المالية. فما كان مطروح من عناوين في مؤتمر بروكسل المنعقد في 16/11/2021 هو التمويل المستدام متعدد السنوات للخروج من حالة العوز الدائم للأونروا، الأمر الذي يحول أحد المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة لمؤسسة تقوم على التسول الدائم ويراد لها أن تبقى كذلك لتصل إلى حافة الانهيار. لهذا كنا نأمل من رسالة المفوض العام أن تخاطب المجتمع الدولي من أجل الإيفاء بالتعهدات، وتوسيع دائرة الدول المشاركة في تمويل الأونروا والقيام بجولات دبلوماسية حول العالم لتحقيق هذا الهدف. إننا نعتقد أنه ليس هناك من خيار آخر إلا أن يتحمل المجتمع الدولي مسئولياته من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة وأمينها العام من خلال طرح مشروع قرار في الجمعية العامة بأن تكون موازنة الأونروا جزء أصيل من موازنة الأمم المتحدة أسوة بباقي المنظمات الدولية الأخرى للخروج من حالة التسول الدائم إلى حالة التمويل الدائم للأونروا.
المفوض العام للأونروا وضع أصبعه على الجرح عندما قدم عدد من النماذج الهامة للحالة التي وصلت إليها الأونروا وهي وصولها إلى أقصى حالات التقشف. حيث إن الصف المدرسي أصبح يحتوي على 50 طالب، والطبيب لم يتمكن من الجلوس مع المريض إلا ثلاث دقائق نتيجة حالة الازدحام وقلة عدد الأطباء، والمستحقين من الفقراء الذين لم يضافوا إلى قائمة المنتفعين من الإغاثة الغذائية بلغ عددهم أكثر من 100 ألف من (الأزواج والمواليد الجدد)نتيجة تردي الوضع الاقتصادي الناجم عن الحصار والبطالة والفقر، لعدم إضافة أيا منهم منذ عام 2017 ناهيك عن نظام الكابونة الموحدة الذي يندرج بإطار التقليص للإغاثة وعدم تمكن الأونروا من تقديم القرطاسية وتوفير مواصلات للطلاب الفقراء، هذا علاوة على الازدياد المضطرد بعدد اللاجئين نتيجة للزيادة الطبيعية مع ثبات بالميزانية والخدمات المقدمة للاجئين سواء الميزانية العامة أو موازنة الطوارئ.
إضافة إلى ذلك أن هناك مئات الموظفين من المعلمين، والعاملين في صحة البيئة يعملون لسنوات طويلة بنظام العقود المؤقتة، ولم تتمكن الأونروا من تثبيتهم وحصولهم على الأمان الوظيفي.
أمام هذا الواقع المؤلم الذي يزداد سوءا ومأساة على حياة اللاجئين في مختلف مناطق تواجدهم، وأمام عدم إيجاد حلول مجدية للأزمة التي أصبحت مستدامة، ما يضعنا أمام تساؤل مهم، هل الأزمة مالية فعلاً أم لها أهداف سياسية؟؟!!
كافة المؤشرات والمعطيات والتفكير المنطقي تشير إلى أن دول العالم لا يمكن أن تعجز عن توفير ميزانية قدرها 800 مليون دولار أو الميزانية المفترضة 1.2 مليار دولار، فهو مبلغ بسيط جداً ًأمام مجتمع دولي جزء منه شارك في جريمة تهجير الشعب الفلسطيني في نكبة أيار عام 1948 وهيأ الأجواء للعصابات الصهيونية لارتكاب مجازر وتهجير ما يزيد عن 807 ألف فلسطيني من 531 قرية فلسطينية ، هذا المبلغ أقل من تكلفة عدة ساعات من الحروب الدائرة في بعض الدول العربية بسلاح غربي وأموال عربية.
دعونا نتخيل معاً أن خدمات الأونروا قد توقفت وأصبح ما يزيد عن نصف مليون طالب (طفل) في الشوارع دون مدارس، وملايين من اللاجئين محرومين من الإغاثة الغذائية منهم 1.2 مليون لاجئ في قطاع غزة المحاصر، وأن نحو 28 ألف موظف دون وظائف، وتحولت المخيمات الفلسطينية إلى مكرهة صحية نتيجة عدم إزالة حاويات القمامة، وحرمان ملايين اللاجئين من الطبابة والأدوية، في حين لم تتمكن الدول المضيفة من تحمل هذه الأعباء سواء من الجانب القانوني أو الجانب المادي. النتيجة تقول إن المجتمع الدولي سيقف أمام حالة من عدم الاستقرار الأمني والغذائي والفوضى التي ستعم كامل منطقة الشرق الأوسط. أمام هذه الحالة لم يبق أمام جموع اللاجئين من خيارات سوى ممارسة حق العودة بأنفسهم، وتوجه كافة اللاجئين في لبنان وسوريا والأردن وغزة والضفة إلى الحدود الفاصلة مع فلسطين المحتلة عام 1948 وزراعة خيام دائمة لملايين من اللاجئين انتظاراً للعودة القريبة، ويتم وضع المجتمع الدولي أمام أزمات جديدة، أزمة إنسانية وأخرى سياسية وأزمات لا يمكن توقعها أمام هذه الحالة الاستثنائية. في ذات الوقت ليس هناك من مناص إلا بإيجاد حلول جديدة تخرج الأونروا من أزماتها المستدامة للانتقال إلى تمويل مستدام رغم أن عدد من الدول صاحبة النفوذ معنية أن تبقى الأزمة المالية موجودة دون الوصول إلى الانهيار، لكي تبقى الأونروا ضعيفة ومفككة وقابلة للانهيار في الوقت المناسب والتي تخطط له هذه الدول خدمة لأهداف سياسية.
أمام استشراف هذه الحالة وما تعتريها من مخاطر جدية، بات مطلوباً تنسيق وتوحيد الجهود من مختلف الجهات للوقوف صفاً واحداً أمام هذه التحديات رسمياً وشعبيًا ومنها دائرة شئون اللاجئين في م. ت. ف. واللجان الشعبية للاجئين، ومن السلطة الفلسطينية، واللجنة المشتركة للاجئين، ودوائر اللاجئين التابعة للقوى الوطنية والإسلامية، وفي المقدمة من هذا كله مجتمع اللاجئين في كافة أماكن تواجده. وهناك دور مطلوب كل في موقعه لحماية الأونروا من محاولات الاستهداف المتكرر وحماية قضية اللاجئين بمضمونها السياسي والقرار 194 وحق العودة، بالوقوف إلى جانب الأونروا عندما يتم استهدافها وتقويض دورها والوقوف في وجه سياسات الإدارة وبعض المستنفذين بالأونروا، لعدم تمرير أية تقليصات محتملة لكي لا يتحمل اللاجئين الفلسطينيين عجز المجتمع الدولي لسد احتياجات الإغاثة والتشغيل، وما يتطلبه ذلك من ميزانيات مطلوب توفرها من المجتمع الدولي.
التجارب تؤكد أن هناك قوة تأثير لمجتمع اللاجئين وممثليهم عندما يكون هناك وحدة موقف وتحرك مشترك لحماية حق اللاجئين من التبديد والتصفية التي أفشلنا العديد من هذه المحاولات بجهود كل المخلصين لهذه القضية الأكثر عدالة على مستوى العالم.