شهد شهر آذار الماضي سلسلة عمليات استهدفت قوات الاحتلال الصهيوني في عدة مناطق أسفرت عن مقتل أكثر من عشرة صهاينة وإصابة آخرين.
العمليات تختلف عن غيرها من حيث مكان التنفيذ وهوية المنفذ، وأداة ودقة التنفيذ.
من حيث مكان التنفيذ، فقد وقع جزء من هذه العمليات في العمق الصهيوني، تل أبيب وبئر السبع والخضيرة. أما المنفذ فقد جرت العادة أن يكون من المناطق المحتلة عام 1967م (الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس)، ولكن عمليات آذار خرج منفذو عمليتي الخضيرة وبئر السبع من الداخل المحتل من فلسطينيي 1948م، وهذه من انعكاسات معركة سيف القدس التي تؤكد التحام الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده، أما أداة التنفيذ فقد جرت العادة في العمليات الأخيرة أن تكون الأداة سلاح أبيض، ولكن في العملية الأخيرة في تل أبيب فقد استخدم المنفذ سلاحا آليا من نوع إم16، وعكس أخلاق المقااومة عند التنفيذ وهذا واضح في شهادة إحدى المواطنات في تل أبيب التي قالت: " طلب المنفذ من النساء والأطفال مغادرة المكان ولم يستهدفنا"، وهذه الأخلاق ظهرت في أكثر من عملية للمقاومة رصدت جزءًا منها في مقال بعنوان: "ميزان الأخلاق بين المقااومة و(إسرائيل)". أما دقة التنفيذ فقد عكست عمليات آذار تطوراً في أداء المنفذين رغم عدم وجود جهة منظمة تقف خلفهم، ولكن هذه الدقة مستوحاة من أداء المقااومة في معركة سيف القدس والعصف المأكول وغيرها من عمليات المقااومة، والتي عززت من ثقافة المقااومة وعكست ضعف جيش الاحتلال الصهيوني بحيث باتت فكرة هزيمته حقيقة راسخة لدى الأجيال.
السؤال الرئيس للمقال: ما هي دوافع وأسباب عمليات آذار...؟
في تقديري أن ثمة دوافع وأسباب تقف خلف تصاعد وتيرة العمليات قبل حلول شهر رمضان المبارك، وفي ظل احتدام الحرب الروسية الأوكرانية أهمها:
1. ممارسات الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وأشكال الممارسات مختلفة، أهمها: الاعتداءات المباشرة والحواجز والجدار والاعتقالات والاعتداء على الأسرى الفلسطينيين واعتداءات المستوطنين على المواطنين وممتلكاتهم، وحصار قطاع غزة، وقصف المدنيين إلخ.
2. ازدواجية معايير المجتمع الدولي في التعاطي مع الحرب الروسية الأوكرانية بالمقارنة مع التعاطي مع الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية وممارساته ضد الشعب الفلسطيني رسخ قناعة راسخة لدى الفلسطينيين بأهمية القوة في استرداد الأرض والحفاظ على الكرامة، وأن القانون الدولي كذبة كبيرة توظفها الدول الكبرى ضد دول العالم الثالث.
3. قمة النقب التي أثارت استفزاز الفلسطينيين لأن دلالات المكان لا تقتصر فقط على إقامتها داخل فلسطين فقط بل بجوار قبر ديفيد بن غوريون مؤسس دولة الاحتلال الصهيوني في انقلابين الأول: على مبادرة السلام العربية وجوهرها: لا تطبيع مع إسرائيل دون إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. والثاني: انقلاب على الرواية التاريخية الفلسطينية ونكبة الشعب الفلسطيني.
4. انسداد الأفق السياسي بين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال، وهذا زاد من فاعلية المقااومة وحضورها لدى الوعي الجمعي الفلسطيني.
الخلاصة: في تقديري أن وتيرة العمليات بأشكالها المختلفة ستشهد ازدياداً كبيراً في شهر رمضان المبارك، وأن معالجة (إسرائيل) لتلك العمليات عبر العقاب الجماعي، وإطلاق عمليات عسكرية (كاسر الأمواج) سيفجر الأمور وسيكون شهر رمضان فرصة سانحة لتعديل المسار السابق تجاه مسار المد الثوري الذي سيفرض نفسه على جميع المكونات الشعبية والفصائلية المشاركة فيه.