منذ يناير/2021م وحتى تاريخه شهدت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح تراجعاً ملحوظاً في شعبيتها، وأبرز المؤشرات على ذلك حصولها على أقل من 30% في الانتخابات المحلية في الضفة الغربية، وخسارتها لانتخابات مجلس طلبة بير زيت بفارق كبير عن منافستها حركة حماس، وخسرت في نقابة الأطباء في معظم محافظات الضفة الغربية، وقاطعت انتخابات نقابة المهندسين والصيادلة في قطاع غزة، بينما فازت في نقابة المحامين في قطاع غزة والضفة المحتلة.
ويرجع الكثيرون أن تأجيل انتخابات المجلس التشريعي والرئاسة والمجلس الوطني المقرر إجراؤها في مايو/2021م السبب الرئيس هو تراجع شعبية الحركة في ظل حالة الانقسام داخل صفوف الحركة (التيار الإصلاحي بزعامة محمد دحلان – ناصر القدوة ومروان البرغوثي)، إلا أن الحركة وعلى لسان رئيسها محمود عباس أكد أن السبب رفض الاحتلال إجراء الانتخابات في القدس.
حركة فتح كانت تمثل السواد الأعظم من جماهير الشعب الفلسطيني، فيا ترى ما هي أسباب تراجع شعبية الحركة...؟ وما هي أبرز الحلول لخروج فتح من أزمتها...؟
أستطيع أن أسرد مجموعة من أهم الأسباب التي تقف خلف تراجع حركة فتح وهي:
1. غياب الديمقراطية داخل حركة فتح ومؤسساتها، ما يعزز من سلطة الفرد على حساب المؤسسة وهو ما يزيد من حجم الخطأ الذي ينعكس سلباً على صورة فتح وشعبيتها.
2. غياب الفعل المقاوم في الضفة الغربية الذي تتبناه فتح قولاً وفعلاً، حتى المقاومة السلمية غيبت على أيدي جماعة مصالح باتت ترى بحالة الهدوء والاستقرار مدخلاً لتحقيق مصالحها ومصالح ذويها.
3. انسداد الأفق السياسي في ظل حكومة اليمين انعكس سلباً على حركة فتح بحيث بات يرى المواطن أن طريق الخلاص من الاحتلال لا يتم إلا بالمقاومة، وعليه باتت حواضن منافسي فتح من فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس يزداد حضورها وتقوى شعبيتها وهو ما انعكس على نتائج الانتخابات في العام الأخير.
4. لم تستفد فتح من تجربتها السابقة والتي دفعت ثمنها في قطاع غزة عبر خسارتها للانتخابات التشريعية عام 2006م وكان الفساد والمحسوبية والبلطجة سمة تلك المرحلة، فلم تنجح من محاربة الفساد والمحسوبية والبلطجة في الضفة الغربية، وتركت سلاح العوائل والأجهزة الأمنية يغرد خارج السرب، والتعيينات القضائية والدبلوماسية لعضم الرقبة.
5. بسبب الحصار وغياب الخبرة الإدارية ومحاربة القريب والبعيد للحكومة في قطاع غزة ما انعكس سلباً على أداء الحكم في قطاع غزة إلا أن حركة فتح لم تقدم بديل للمواطن في القطاع وعلى العكس يقود رئيسها حرباً على أرزاق الموظفين في قطاع غزة وأغلبهم من حركة فتح.
6. هجرت حركة فتح مفكري ونخب الشعب الفلسطيني وقادة الرأي فهجرها هؤلاء ما أثر على صورتها أمام الرأي العام، حيث لم يسجل أن رئيسها أو أي من أعضاء مركزيتها جالس هؤلاء إلا في مرات قليلة تعد على أصابع اليد بينما خصومها السياسيين يجالسون الجميع بشكل دوري، ويستأنسون بآرائهم وأفكارهم، والتشاركية ساهمت في تقوية وزيادة شعبية خصوم فتح لدى الرأي العام.
ما سبق أهم أسباب تراجع حركة فتح أمام الرأي العام، ودون معالجة ذلك ستكون فتح على موعد مع مزيد من التراجع والانتكاسات التي لا تنعكس عليها لوحدها بل على النظام السياسي الفلسطيني، وانطلاقاً مما سبق أقترح بعض الحلول على قادة هذه الحركة العظيمة:
1. حركة فتح بأمس الحاجة إلى قيادة تحول ديمقراطي حقيقي من الأسفل إلى الأعلى بعيداً عن التأثير وشراء الولاءات وأن يعمل جميع الكادر الفتحاوي على تحقيق هدف واحد ووحيد وهو: انتخاب قيادات وطنية تنسجم وطبيعة المرحلة، وتنهض بفتح وبالمشروع الوطني الفلسطيني.
2. فتح بحاجة إلى ثورة ضد الفاسدين والمفسدين داخل صفوفها حتى لو وصل الأمر إلى أعلى هيئاتها القيادية.
3. العنفوان الثوري والتضحية والعطاء هي سمة من سمات تنظيم فتح ولكن بعد أوسلو تراجع ذلك، وعليه إعادة الاعتبار إلى كتائب شهداء الأقصى والعمل المقاوم أولى خطوات النهوض في ظل الحكومة اليمينية وتعثر التسوية.
4. السلطة الفلسطينية من أكبر المشاريع التي انعكست سلباً على فتح من حيث الدور والوظيفة التي يلفظها شعبنا الفلسطيني، ومن حيث فساد جماعات المصالح التي تدفع فتح ثمن هذا الفساد، ومن حيث تكبيل الحركة باتفاقيات أمنية وسياسية لم تلتزم إسرائيل فيها كل ما سبق يتطلب على حركة فتح العمل وبكل قوة على تغيير وظيفة ودور السلطة وتفعيل الأجهزة الرقابية بما يضمن محاكمة عادلة لكافة الفاسدين.
5. وحدة فتح مدخل مهم لإعادة تموضعها من جديد.
6. أن تقود فتح مبادرة مكتملة الأركان لإنهاء الانقسام على قاعدة برنامج مقاومة وسلطة مقاومة واقتصاد مقاوم.
الخلاصة: خسارة الانتخابات ليست نهاية الكون، ولكن عدم دراسة أسباب الخسارة هو بمثابة موت سريري لأي حركة سياسية، وأعتقد أن فتح تقبل النقد وتقرأ ما نكتب، ولكنها بحاجة إلى أبطال قادرين على قيادة التغيير نحو الأفضل، لأن فتح عمود الخيمة لا نحب أن نراه مائلاً.