ما يُميز مؤتمر الاتحاد الدولي للصحفيين «الكونغرس 31» الذي انطلق في الحادي والثلاثين من أيار (مايو) وحتى الثالث من حزيران (يونيو) 2022 وعُقد بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض في العاصمة العُمانية مسقط، بمشاركة أكثر من 350 صحفياً يمثلون 187 اتحاد ونقابة وجمعية و50 صحفياً وإعلامياً من أكثر من 146 دولة نيابة عن أكثر من 600 ألف صحفي وإعلامي من مختلف قارات العالم، نقاش سياسة الاتحاد الدولي للصحفيين تجاه عدد من القضايا الاجتماعية والنقابية وإنهاء الإفلات من العقاب ومراقبة الصحفيين «بيغاسوس»، والتقارير المالية والتصويت على التعديلات الدستورية، وعقد الاجتماع التأسيسي لاتحاد آسيا والمحيط الهادئ للصحفيين واجتماع مجلس النوع الاجتماعي بهيئته الإدارية المنتخبة.
وما يُميز هذا الكونغرس في دورته الحادية والثلاثين في سلطنة عُمان والذي عُقد مع اقتراب نهاية مئويته الأولى من عمر الاتحاد الذي أنشئ عام 1926، باستضافة جمعية الصحفيين العُمانية، انتخاب قيادة جديدة للاتحاد الدولي للصحفيين للسنوات الثلاثة القادمة برئاسة دومينيك برادلي وولادة اتحاد آسيا والمحيط الهادئ للصحفيين واستضافة اجتماعه التأسيسي برئاسة سافينا اندرجيت، وانتخاب مجلس إدارة لجنة المساواة والنوع الاجتماعي.
ولكن الحدث الأبرز في هذا المؤتمر كان فلسطين وصحفييها والذي خرج بقرارات هامة تفسح الطريق أمام محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين في محكمة الجنائية الدولية إلى جانب انتخاب نائب رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين الزميل ناصر أبو بكر. لكن العنوان الأبرز حضوراً بين المشاركين خلال الأيام الأربع من عمر المؤتمر الدولي هو الصحفية شيرين أبو عاقلة الذي اغتالها قناص إسرائيلي مع سبق الإصرار والترصد على الهواء مباشرة في مخيم جنين شمال الضفة الغربية رغم ارتدائها سترتها وخوذتها الصحفية في صبيحة الحادي عشر من أيار (مايو) 2022.
فكل من واكب وتابع وشارك في أعمال مؤتمر الاتحاد الدولي للصحفيين «كونغرس 31» في أيامه الأربع في مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض في العاصمة مسقط، رأى حجم التفاعل مع جريمة اغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة، مع اسمها وسيرتها التي كانت محط تعظيم وإشادة مع هذه الأيقونة الفلسطينية. لذلك ليس مستغرباً إطلاق المؤتمرين على هذا الكونغرس في دورته الأخيرة، اسم «كونغرس شيرين أبو عاقلة» كونه لم يخلو يوماً أو حديثاً أو نقاشاً أو عرضاً مرئياً وخاصة في الأمسية الافتتاحية التي تمت برعاية سمو السيد أسعد بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي والممثل الخاص للسلطان هيثم بن طارق، دون الإشارة إلى جريمة اغتيال شيرين إلى جانب صورها التي اكتسحت مكان المؤتمر.
المحامية الدولية جينيفر روبنسون في محكمة الجنائية الدولية والمكلفة من نقابة الصحفيين ومركز عدالة والاتحاد الدولي للصحفيين بالدفاع عن الصحفيين الفلسطينيين وخاصة قضية اغتيال شيرين أبو عاقلة كانت حاضرة في جلسات المؤتمر في يومه الثالث للحديث عن الاستهداف الممنهج للصحفيين ولا سيما الإجراءات المنوي اتخاذها لمحاسبة جيش الاحتلال الإسرائيلي ومعاقبة مرتكبي الجرائم ومنعهم من الإفلات من العقاب.
كانت أيضاً جريمة اغتيال الشهيد الصحفي ياسر مرتجى الذي قتلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في مسيرات العودة بقطاع غزة، إلى جانب استهداف الصحفيين الشهيد أحمد أبو حسين، معاذ عمارنة ونضال اشتية، تلك الجرائم أصبحت على طاولة المحكمة الجنائية الدولية والتي أقرت تلك المحكمة باستلام الشكاوى في 25 نيسان الماضي من قبل مكتب المدعي العام، وتتهم قوات الاحتلال الإسرائيلية بارتكاب جرائم حرب ضد الصحفيين. حيث كان الشهيد ياسر مرتجى حاضراً في اليوم الثاني للمؤتمر بعد أن أدلى شقيقه معتصم بشهادته عما جرى في جريمة اغتيال ياسر أثناء أدائه لعمله الصحفي المهني شرقي غزة.
كان الوفد الفلسطيني حاضراً في كل زوايا وجلسات مؤتمر الاتحاد الدولي للصحفيين وأمام عدسات وسائل الإعلام العُمانية المختلفة، وفي لجانه المُشكلة وحتى في لجنة الانتخابات بعضوية منتصر حمدان ووسام زغبر، حيث جرى انتخاب الزميل ناصر أبو بكر نقيب الصحفيين الفلسطينيين نائباً لرئيس الاتحاد الدولي للصحفيين، وفوز الزميلة أمل طومان في انتخابات الهيئة الإدارية لمجلس النوع الاجتماعي. ففلسطين تستحق وتضحيات صحفييها الكبيرة لا تُقدر بثمن.
وختاماً، نقول شكراً لسلطنة عُمان سلطاناً وحكومةً وشعباً، وشكراً لسفير دولة فلسطين في عُمان الدكتور تيسير جرادات الذي احتضن الوفد النقابي الفلسطيني معنوياً في كافة جوانب المؤتمر، وشكراً لجمعية الصحفيين العُمانية ومجلسها ممثلاً برئيسه الدكتور محمد العريمي، على هذا السخاء والعطاء في استضافة وانجاح مؤتمر الاتحاد الدولي للصحفيين «الكونغرس 31». ونقول يحق للعُمانيين الافتخار بتاريخهم وتراثهم وحضارتهم وهويتهم والذي كان حاضراً في برنامج المؤتمر ولا سيما زيارة المتحف الوطني وجامع السلطان قابوس الأكبر ودار الأوبرا السلطانية وسوق مطرح القديم، وإقامة ليلة عُمانية تراثية كان للمرأة العُمانية حضورها الواسع تعبيراً عن مكانتها ودورها التي تزداد أهمية يوماً بعد يوم في كافة المحافل الاقتصادية والاجتماعية في سلطنة عُمان ■