اليوم السادس عشر من أيلول قبل اربعين عاماً ومع ساعات غروب يوم الخميس وعلى امتداد ثلاثة أيام طوال وطوال جداً، وقعت مذبحة العصر -مجزرة صبرا وشاتيلا- مقدماتها مؤلمة وقائعها أكثر إيلاماً أما أحداثها الدامية فما مازلت منقوشة على جدار القلب تسكن ثنايا الضلوع محفورة في ملفات الذاكرة تستحضر الدمع المتحجر في المُقل كما تستحضر لحظات الغضب المتطاير كاللهب.
يومها قبل أربعين عاماً كانت دبابات العدو الإسرائيلي التي اقتحمت بيروت بعد رحيل الصورة، تصب حكم قذائف مدافعها وصواريخها على بيوت المخيمين المتهالكة القناصون المتمركزون على أسطح العمارات الغاليه في دوار السفارة الكويتية.
الأزيز الخافت من كواتم الصوت في ساعات المجزرة الأولى يحصد الرؤوس دون ضجيج وبلطات المجرمين سواطيرهم وخناجرهم تبقر البطون تحت وابل من قذائف الانارة التي غطى بها جيش الاحتلال سماء المخيمين، زجاجات الخمر المتناثرة على طاولات القتلة قرب ملجأ ال مقداد في منطقة الحرش.
الجنازير والحبال التي التفت على عجل حول مجموعات اطلق الرصاص على رؤوسهم دون رحمة ،وجثث الشهداء تختلط مع إطارات السيارات على مدخل المخيم قرب حاجز اجنادين، وصرخات الأطفال وانين الجرحى على حافة الموت قبل أن تحلق ارواحهم لتصل عنان السماء.
رؤوس الأطفال واطرافهم المقطوعة وملقاة في برك من الدم خلف دكان الدوخي، والفتيات بعمر الورود المقتولات بوحشية وسادية العصر، وأكوام الشهداء الذي قضوا يتكومون في خنادق طويلة وطويلة بطول الألم وعميقة بعمق الحزن وتراب ينهال على عجل لطمس معالم الجريمة في مقبرة جماعية، بين هذا وذاك شباب لم تتجاوز اعمارهم العشرينات واعدادهم العشرات استبسلوا عن جد عن جد حتى نفذ الرصاص قاتلوا بشجاعة حتى لا تكون المجزرة أفضع وأوسع.
كلها مشاهد ما زالت حاضرة تسكن اعماق الذاكرة وسويداء القلب لن تمسحها السنين الطوال فكيف يمكن للمرء ان ينسى لحظات موته وحياته في آن لمثل الذكرى لا يمكن الغفران ولا يمكن النسيان أيضاً.
فهناك كنت شاباً وهناك بين الأزقة رحل أحبة وأصدقاء شجعان، لن أنسى تلك اللحظات المحفورة في ذاكرتي ما حبيت انها ثلاث أيام قاسية وصعبة ومُرة أيضاً، فيها شربت الأرض الدماء حتى ارتوت فقد كان الماء بالدم مخلوطا كما الخبر بالدم مغموساً.