يستعرض هذا المقال قضايا حقوق الإنسان في محورها (الأوضاع غير الإنسانية في غزة) الناجمة عن إستمرار الاحتلال وإجراءاته وبشكل خاص حصار قطاع غزة، وجرائم الاحتلال بحق المتظاهرين العزل، وما سبقها من جرائم بحق المدنيين والأعيان المدنية الفلسطينية، واستمرار الانقسام الداخلي وتبعاته بما في ذلك إجراءات العقابية المفروضة على قطاع غزة، بالاضافة إلى بث الأمل في نفوس القارئين، والضحايا الفلسطينيين في مستقبل أفضل.

وإليكم نص المقال:

         الحقيقة إن ما يجري على أرض غزة، هذه المدينة  التي احتضنت قادة الشعب الفلسطيني من كافة فصائله والعمل المقاوم بكافة أساليبه خلال الانتفاضة الأولى وما بعدها، والتي تتعرض لانتهاكات في حقوق مواطنيها رغم صبرهم وصمودهم. ما زالت هذه المدينة كما هي صامدة مقاومة تتصدى رغم ظروفها وحصارها لأعتى المؤامرات الغربية.

     منذ أن عقدت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية السلام مع الجانب الإسرائيلي، ضاعت فرص تحقيق السلام والأمن في المنطقة، الأمر الذي انعكس بالسلب على أوضاع قطاع غزة  في جميع مناحي الحياة. فجاءت السلطة إلى غزة وأسست مؤسساتها فيها، ولكن عنجهية الاحتلال لم تبقي منها شئ حيث قصفت مقرات ومؤسسات الدولة وسقط العديد من الشهداء، واعتقلت العشرات من المواطنين، وجرفت آلاف الدونمات الزراعية المليئة بالأشجار. ولعل هذا المشهد تكرر إبان نجاح حماس بالانتخابات التشريعية حيث شنت إسرائيل ثلاثة حروب مسعورة على الشعب الفلسطيني في غزة تكبدها الويلات وسقوط الآلاف من الضحايا بسبب القصف العشوائي واستخدام قنابل الفسفور وعدد آخر من الأسلحة المحرمة دولياً.

       وما زال الاحتلال الإسرائيلي يمارس على فلسطين أبشع استعمار استيطاني منذ عقود ويتفنن بوحشية بتعذيب سكانها ويرتكب جرائـم حـرب وعقوبـات جماعيـة فـي قطـاع غـزة وباقـي الأراضـي الفلســطينية المحتلــة، حيث أن غزة تعاني من ظروف إنسانية صعبة منذ 12 عاماً بسبب تدهور الأوضاع  السياسية في المنطقة، خاصة في الآونة الأخيرة بعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل بقرار من الإدارة الأمريكية برئيسها دونالد ترامب؛ تزامنت تلك القرارات الظالمة بردود فلسطينية شعبية ورسمية تمثلت أبرزها بمسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار الذي يعبر  الفلسطينيون من خلالها عن نضالهم وحقهم بالعودة وتقرير المصير، مطالبين بتنفيذ قرار العودة 194 الصادر عن الأمم المتحدة عام1948، فقتلت قوات الاحتلال المتظاهرين الأبرياء فسقط ما يقارب 175 من الشهداء، والآلاف من المصابين المدنيين اغلبهم من الأطفال والطواقم الطبية والصحافية التي كفل القانون الدولي تحييدهم من النزاعات وعدم المساس بهم. 

ومن الملاحظ أن تراجع الأوضاع الاقتصادية هي نتاجاً لحالة التراجع في القطاعات الانتاجية خاصة قطاعي الزراعة والصناعة، وتوقف مشاريع البنية التحتية والمنشآت والمباني عن العمل جراء إيقاف إدخال مواد البناء من المواد الخام اللازمة لعمليات الإنتاج، وأيضاً انقطاع التيار الكهربائي الناتج عن قصف الاحتلال محطة التوليد عشية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006 حيث تسببت بإغلاق العديد من المصانع والورش الصغيرة.

    المتابع للوضع الحالي يدرك أن سـلطات الاحتـلال الإسـرائيلي تمـارس سياسـة الإغـلاق والحصـار علـى قطـاع غـزة كمنهـج مسـتمر منـذ سنوات وتمنـع المواطنـين مـن السـفر للخـارج وكذلك تمنــع الصياديــن مــن الدخــول إلــى المســاحة المســموح بهــا قانونيــاً، بالإضافـة إلـى منـع دخـول الأغذيـة والسـلع والمـواد الرئيسـية والأدويـة والأجهـزة الطبيــة التــي تحتاجهــا المشــافي لعــلاج المرضــى.

إن الحصار المفروض على غزة تسبب في إحلال شلل بالاقتصاد الغزي بشكل كامل، حيث توقفت العديد من المشاريع الاقتصادية التعاونية الإنسانية كالجمعيات الخيرية التي توقف تمويلها وإنتاجها، فيما فرضت إسرائيل قيوداً مشددة على حركة الأفراد والبضائع من وإلى غزة، بالإضافة إلى منع التجار من تجديد التصاريح التجارية حتى لا يتسنى لهم الدخول والعمل داخل أراضينا المحتلة وإدخال البضائع وإنعاش القطاع الاقتصادي، علاوةً على تداعيات الانقسام وتأثيرها على الحالة الاقتصادية والاجتماعية التي سببت كوارث إنسانية لا تقل عن جرائم الاحتلال، فهو سبب معاناة كل بيت وضياع القضية، ومما زاد الحالة الفلسطينية سوءا هي الاجراءات العقابية بحق الموظفين في قطاع غزة، بعد قرصنة الحكومة نصف الراتب بنسبة50%، وإحالة الآلاف منهم للتقاعد المبكر عوضاً عن منع البعض من الحصول على جوازاتهم بسبب تقارير كيدية ومنع المرضى من العلاج في الخارج أو من الحصول على تغطية مالية، إلى جانب تلك المأساة ارتفاع نسبة البطالة للخريجين الذين لا يستطيعون الحصول على عمل. فهذا الاعتقاد الخاطئ بأنه سيعيد غزة إلى حضن الشرعية بعد الضغط على حماس التي لا تتأثر لدرجة أنها تترك حكم غزة دون تلبية شروطها التعجيزية بالنسبة للسلطة.

إذن غزة تحتاج إلى من يدعمها وينظر إليها بروح الإنسانية حتى تعيش بكرامة وحرية كباقي البلدان. ويبقى الدعم المالي المقدم من الدول المانحة عاملاً مهماً ومرتكزا أساسياً من حيث توفير الخدمات الإنسانية الأساسية لسكان قطاع غزة ويساعد بشكل مؤقت على حل جزءا من المشكلة، وعلى الرغم من حيويتها تبقى المساعدات الإنسانية عاجزة عن تقديم حل حقيقي وجدري. فهي بمثابة برامج مؤقتة تمكن المواطن من الاستمرار والبقاء على قيد الحياة إلى حين إيجاد حلول سياسية يتفق عليها ويتم تطبيقها، نحن أمام لحظة الحقيقة من أجل زرع الأمل والتفاؤل في قلوب المواطنين حتى يتسنى لهم البقاء والصمود في أراضيهم وعدم التفكير بالهجرة كما فعلت بعض العائلات الغنية التي لا ينقصها مال وعمل ولكن كان ينقصها بصيص الأمل. 

يبقى الحل دائما سياسياً ويسبقه دعماً لوجستياً، وفي هذا المقام لا يسعني إلا أن أناشد المتحاورين في القاهرة أن يضعوا مصلحة شعبهم ومستقبله نصب أعينهم من أجل التسريع في وضع حد للمعاناة الهائلة التي يتكبدها الشعب الفلسطيني وخاصة في غزة.