يذهب المسُلمون كلُ ظُهر يوم الجمعة للصلاة، وللاستماع إلي خُطبة يوم الجمعة، حُباً منهم بأداء الفريضة، وطاعة لله، وللبعد ولو لدقائق  قليلة عن الساسة والسياسة، والدجالين، وتجار الدين، والأوطان!؛ فأهل قطاع غزة في فلسطين المحتلة، أضناهم الحصار، والانقسام، والاحتلال، والمرض والفقر، والبطالة الخ...؛ حينما يذهبون للاستماع لخطبة يوم الجمعة، غالباً ما يكون الخطيب من المُنتمين والمُنتسبين، أو موظف أوقاف تابع لحركة حماس، والتي تسطير علي قطاع غزة منذُ  12 عامًا تقريباً؛  فيصعد الخطيب الحزبي إلي المنبر، وغالباً يكون الخطيب قد تم الإملاء عليهِ، ما سوف يقولهُ، ولو حتي في أخر خمس دقائق من الخطبة؛ وفي خطبة الجمعة اليوم في مساجد غزة كانت الدعوة من الخُطباء، للمُصلين بالخروج، والمشاركة في مسيرات العودة علي حدود قطاع غزة، ونحن لسنا بالطبع ضد مواجه اليهود المحتلين، ولكننا ضد الانتحار؛ وأن يكون شبابانا وفتياتنا عرضة للقنص المجاني، والقتل بدم بارد من الاحتلال بلا أي ثمن يدفعهُ العدو!؛ ونحن ضد أن تكون تلك المسيرات مُسيسة لهدف واضح ومعلوم للجميع، ليس هذا الهدف هو تحرير كل فلسطين والقدس الشريف من براثن الاحتلال، ولا الهدف العودة لفلسطين التاريخية، وإنما الهدف الغير مُعلن والمعروف لكل سكان قطاع غزة هو بقاء حكم حركة حماس، متربعة علي كُرسي عرش الحكم في غزة، وحفظاً لذلك الُكرسي العّفِن، ومن أجل زيادة الأموال المُكدسة لديهم، والعقارات والأطيان، والشاليهات، والعمارات، والمشاريع الخاصة، والأرصدة في البنوك، ومن أجل مصالح قادتها، وخاصة من الساسة!؛ ونحن لسنا ضد المسيرات، بل العكس فنحن أول من خرجنا في الصفوف الأولي، في بداية تلك المسيرات، وفي خط المواجهة الأول في الحدود الشرقية، وليس أمامنا إلا قوات الاحتلال ورصاصهم؛ ولكن كان الهدف قبل عدة شهور عند انطلاق مسيرات العودة، هو المصلحة الوطنية العليا، وبدأت المسيرات فعلاً بصورة وحدوية، وشارك في بدايتها  كل الطيف الفلسطيني، وكان هدفها تحرير كل فلسطين، والقدس، وليس فقط هدنة هزيلة ومذلة، تؤدي لانفصال غزة عن شطري الوطن، أو لمساعدات وتحسينات إنسانية، ولا لجعل قضيتنا العادلة، قضية مساعدات إنسانية لغزة!!؛ أو لبقاء حكم حماس لتحكم غزة بالحديد والنار، ولو مات كل الشعب فلا يهمهم!!؛ لقد وصل عدد من أصيب بتلك المسيرات حوالي  20  ألف مصاب، واستشهد،  وأصيب  فيها خيرة شباب  قطاع غزة، وبُّتِرتّ أطرافهم السفلية!؛  وأصبحنا نري غزة وكأنها بلد للمعاقين!!!؛ وهي في الأساس بلد المرابطين، والمثقفين، والمفكرين المناضلين، والفدائيين، والمجاهدين المبدعين المبتكرين؛؛ وما يدمي القلب فعلاً أن الشباب الذين أصيبوا بتلك المسيرات لا يجد غالبيتهم حتي الدواء، يُقال لهم اشتروه، وهم لا يستطيعون شراءهُ؛ ولا توجد لديهم أطراف صناعية، ولا يجدون من يهتم بهم، وأصبحوا كعالة علي أهاليهم وعلي المجتمع، بدلًا من أن يكونوا رافعة للأوطان!؛؛ وفي مُقابل ذلك فإن خُطباء حركة حماس وقادتها الذين دعوا لتلك المسيرات هل هم تصدروا الصفوف!؛ أو هل هم تبنوا ألاف المصابين وأنفقوا عليهم؟، وهل قادة حماس في غزة جوعي لا يجدون ما يسد رمقهم؟؟؟، وهل يربطون علي بطونهم حجرًا؟، وحجرين كما فعل النبي صل الله عليه في غزوة الخندق، " الأحزاب"؟، والجواب طبعاً لا وألف لا !!؛ فهم لهم الأموال وملايين الدولارات لقادتهم متوفرة، ومنعمين فيها، ولهم سيارات فارهة ومرافقين، وخدم وحشم، ويلبسون، ويأكلون ما لذ وطاب؛ ويأتي خطيبهم يوم الجمعة، ويصيح بأعلى، ندعوكم للنفير لمسيرات العودة والتحرير، و يا ليثهم صدقوا، بما قالوا، و احتضنوا  الشباب، والشابات ممن أصيبوا برصاص الغدر الصهيوني في تلك المسيرات، أو  وفروا لهم علي الأقل حياة  كريمة، أو أقل القليل توفير أطراف صناعية لثلُة من الشباب المُصابين ممن فقدوا أرجلُهم في تلك المسيرات؛!، ولكنهم تركوهم لمصيرهم المجهول، فبعداً، وسحقاً لبعض أولئك الخطباء، والأمُراء، الذين ينادون ويدعون الناس للنفير، وينزلون من علي المنبر ليذهبوا لبيوتهم يأكلون ويشربون وينامون ويتمتعون!، فهُم ينفدون ما أُمٍروا بِّه  من قادتهم في حركة حماس، ونفذوا ما يملي عليهم!؛؛  وصدق سيدنا رسول الله صل الله عليه وسلم، والذي وصف وشخص لنا كل ما يدور في زماننا هذا؛ فلقد  جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه قال: « إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِى الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ »،  وْأئمةٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ!؛ ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا وإنه يخرج في أمتي قوم يهوون هوى، يتجارى بهم ذلك الهوى كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يدع منه عرقًا ولا مفصلًا إلا دخله"، وفي حديث أخر  يُوصف لنا حالنا اليوم من بعض خطباء غزة الذين يتبعون الهوي، والحزب، ولا يتبعون هدي الرحمن، وكلام القرآن!؛ فقد رَوى البخاري في "صحيحه" بسنده إلى حُذَيفَة بن اليمان رضِي الله عنه؛ أنَّه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر مخافة أن يُدرِكني، فقلتُ: يا رسول الله، إنَّا كنَّا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير مِن شر؟ قال: ((نعم))، قلتُ: وهل بعد ذلك الشر مِن خير؟ قال: ((نعم، وفيه دَخَنٌ))، قلتُ: وما دَخَنُه؟ قال: ((قومٌ يَهْدُون بغير هَدْيِي، تَعْرِف منهم وتُنْكِر))، قلتُ: فهل بعد ذلك الخير مِن شر؟ قال: ((نعم؛ دُعَاة على أبواب جهنَّم، مَن أجابَهُم إليها قذَفُوه فيها))، قلتُ: يا رسول الله، صِفْهُم لنا؟ قال: ((هُمْ مِن جِلدَتِنا، ويتكلَّمون بألسِنتِنا))، قلتُ: فما تأمرني إنْ أدركني ذلك؟ قال: ((تلزم جماعة المسلمين وإمامَهم))، قلتُ: فإن لم يكُن لهم جماعة ولا إمام؟ قال النبي: (فاعتَزِل تلك الفِرَق كلها، ولو أن تَعَضَّ بأصْل شجرة حتى يُدرِكَك الموت، وأنتَ على ذلك))؛ واليوم نري كماً كبيراً من خُطباء الحزب، والهوي والسلطان، والذين قد حفظوا حروف القرآن، ولكنهم ضيعوا حدوده؛ وصار بعض الناس في زماننا هذا لا يتحركون حركة إلا بهوى الحزب والامارة الظلامية!، ولا يحكمون حكمًا إلا لهوى التنظيم!، ولا ينطقون كلمة إلا إرضاءِ لهوى فصيلهم، وتنظيمهم، ومصالحهم الخاصة!، وليس نصرةً للهِ عز وجل أو تطبيقاً لشرعه ودينهِ ؛ ويظنون أنفسهم وكأن الله عز وجل لم يهدِ غيرهم!، وكأن حزبهم جعلوه إلهاً  يعُبد من دون الله عز وجل!؛ وحتي في المساجد بِغّزة إن لم تكن منتمياً لحركة حماس، وأنت تصلي صلواتك الخمس جماعةً بالمسجد، رمقوك بأعينهم، وبالكاد يسلمون عليك أو يردون عليك السلام، وتري في أعين كثيرٍ منهُم الحقد والكراهية تملأ قلوبهم، وينظرون لك وكأنك من كوكب آخر لا ينتمي لهم!!؛ لبئس ما كانوا يفعلون!، ولفكرهم الاخونجي المغلق الضيق، والعقيم،!؛ وفي هذا الفعل الشنيع، والتعصب الأعمى للحزب يعُتبر إتباعٌ للهوي، وإن الإنسان منا إذا اتبع هواه ضل ضلالًا بعيدًا، بل إن السبب الرئيسي في ضلال ملايين البشر هو تقديم هوى أنفسهم ورغباتهم على مراد الله -عز وجل-، لذا فقد كرر القرآن الكريم التحذير من ذلك وأكده، فمرة يقول لنبي الله داود -عليه السلام-: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، وقال اللهُ تعالي لنبيه: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ)؛ لذلك فإن خطباء وأئمة الضلال هم دعاةٌ على أبواب جهنم، وخاصةً أولئك الذين يدعون للفرقة ويوقدون نار الفتنة؛ فطالما أنتم في هذه العقلية العصبية الجاهلية، الضيقة، والتي لا تري مصلحة شرع الله، ومن ثم الوطن، قبل مصلحة الحزب والفصيل والتنظيم طالما نحن في ضياع ولا نستحق النصر، لأننا لم ننتصر علي شهواتنا ولا علي أهوائنا، وكل حزبٍ منا بما ليدهم فرحون، فّكفِّكفُوا، وكِّفُوا ألسنتكم عن خطب حزبية تفرق ولا تجمع واتقوا الله.