يعتبر الاختلاف الأيديولوجي بين الأحزاب الفلسطينية شعاراً تبريريًا أولاً لعدم إمكانية الوصول للحلول السياسية, فطبيعة المبادئ الحزبية التي يُبنى عليها الحزب تعتبر من الأمور المقدسة التي يجب الدفاع عنها بالقوة, واستنزاف كافة المقدرات للإبقاء عليها كما هي دون تغيير, وتباعاً فإن عوامل التغيير التي يشهدها العالم الحالي تجعل من عدم توافر مرونة في التعاطي مع الأحداث السياسية حالة رجعية يعانيها الحزب, يجب مواجهتها لإخضاع الأطراف للمثول للقوة الحاضرة والتغيير للانسجام مع المنظومة الدولية.
يمكن القول بأن خصوصية الحالة الفلسطينية, تجعل من إمكانية التوصل الى اتفاق بين أطرافها المختلفة أمر في غاية الصعوبة, كما هو الحال في الخلاف بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس كلاهما تعرقلهم الأيديولوجيا ورغبة كل طرف في إثبات نفسه كقوة قادرة على إيجاد الحل السياسي, مما يجعلهم في صدام دائم, وذلك يجعل من إمكانية التوصل إلى حل للقضية هو أمر مستحيل.
فذلك لا يعني أن إمكانية التوصل إلى اتفاق مصالحة هو أمر غير ممكن, فاتفاق المصالحة يأتي عندما يُبدي كلاً منهما القضية على الأهواء الحزبية, ولكن يبدو وأنهم غير قادرين على التخلي عن أهوائهم ومصالحهم لإنقاذ الحالة الفلسطينية التي تعاني من انهيار سريع يعجل من وضع القضية الفلسطينية على الرف, فتصبح حكاية مبتذلة ترويها الأجيال.
محاولة الجانب المصري المتكررة في التوصل إلى اتفاق بين الجانبين أصبح عسير وغير موفق, في الوقت الذي تصحح فيه الأوراق لترضي طرف, يبادر الطرف الآخر في وضع معوقات وإجراءات تزيد من صعوبة التوصل لاتفاق, فمن جهتها لا تقبل السلطة الفلسطينية إلا بتسليم كامل للحكومة, وهذا ما ترفضه حركة حماس التي تبتغي أن تكون جزء قوي من الجسم السياسي الفلسطيني, لذلك تواجه كل الظروف التي تفرض عليها الآن من حصار وعقوبات, بزيادة وتيرة الأحداث على الحدود, فمن جهة ترفض عقوبات الرئيس الأخيرة ومن جهة تهدد الأمن على الحدود مع إسرائيل لإجبارها على فك الحصار وذلك بابتداع المزيد من الأدوات التي تربك الكيان.
الناظر للأحداث الأخيرة على الحدود يمكنه أن يرى بأن الموقف السياسي الإسرائيلي أضعف مما كان عليه في السابق, وذلك إن دل يدل على رغبة في إنجاح اتفاق التهدئة المتمثل في الحديث تسهيلات محدودة، وربط عمق التسهيلات الكبرى بقضية الجنود، وبعمق الحصول على تسوية أمنية شاملة وطويلة الأمد من جانب, وانشغالها بالجبهة الشمالية وهو العامل الأبرز من جانب آخر, عوضاً عن ذلك إدراكها بأن أي حرب على القطاع في ظل ما يعانيه من أزمات معيشية يعني تعريض نفسها للمساءلة أمام المجتمع الدولي, رغم أنها لا تعطي له قيمة وبالاً إلا أنها تسعى لتخفيف الاحتقان ودرء تهديدات الانفجار بهدف التنصل من تحمل مسؤولية أنه لم يفعل شيئًا لمنع الانفجار.
جميع الأحداث تقودنا إلى موضوع المصالحة الذي أصبح سمج, طال المد والجزر فيه, وبالتالي إن التوصل لخطاب وطني وحدوي يوجه للمنظومة الدولية في ظل فشل المصالحة, والتي يترتب عليها فشل التهدئة مع حكومة الاحتلال أمر لا يحتاج لتحليل وحنكة في إصدار نتيجة.
يجري الحديث الآن عن رغبة الرئيس الفلسطيني في المشاركة في دورة 73 للجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستعقد في نهاية الشهر الحالي، ليناقش فيها موضوعات عدة متعلقة بالقضية, لذلك إن التعويل على إلقاء الخطاب أمام الأمم المتحدة, لا يعرض لنا ممارسات جديدة لقيادة السلطة الفلسطينية, فغالباً ما تستغل هذه الاجتماعات لإثبات حضور بروتوكولي للدولة الفلسطينية, ولكنها كما يقال لا تسمن ولا تغني من جوع, فما هي إلا مجرد عرض لمشاريع ومشكلات معروفة ومتوافرة لدى الدول الحاضرة وتحاول تغافلها, ولا ينتج عنها أي احتضان لمشكلات الشعب الفلسطيني الذي عانى ولا زال, ولكنه رغم ذلك يقاوم من أجل إثبات مصداقية وجوده على هذه الأرض.
العقوبات الأمريكية الأخيرة على السلطة الفلسطينية المتمثلة في وقف التمويل الأمريكي (بمبلغ 360 مليون دولار) لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، تلاها ضربات أخرى منها وقف مساعدات مالية لمشاريع في الضفة الغربية وغزة (أكثر من 200 مليون دولار)، وقف المساعدة الأمريكية (20 مليون دولار) لمستشفييْن شرقي القدس، وقف مبلغ مخصص (10 مليون دولار) لتمويل برامج ولقاءات بين أطفال إسرائيليين وفلسطينيين، وأخيرًا إغلاق ممثلية "م. ت. ف" في واشنطن وطرد الممثل وعائلته, جميعها إجراءات تشير إلى إمكانية العودة بحلول أو حتى التأثير على تلك الدول الخاضعة أساساً للإدارة الأمريكية صفر ولا يمكن تعليق الآمال عليها.
فالدولة التي ألغت مشروع "الدولة الثنائية" الذي عاش رؤساء الدول الأمريكية على تحقيقه لعودة الاستقرار للشرق الأوسط, بقادرة على اتخاذ أي قرار يتعارض مع رغبة اليمين الإسرائيلي, فالقرارات الأمريكية الأخيرة لم تكن إلا إسرائيلية مبطنة بشعار دولي.
بين هذا وذاك لا يمكن التوصل إلى اتفاق تهدئة بين حماس وإسرائيل في ظل وجود ملفات ومشكلات عالقة, وستستمر العقوبات الأمريكية في حق السلطة والشعب الفلسطيني طالما لا توافق على "صفقة القرن" التي يستمر تأجيل الإفصاح عنها, لذلك يجب علينا اللجوء إلى ترتيب وتوحيد البيت الفلسطيني للتوصل لاتفاق لتصدي للعقبات التي تحول دون قيام الدولة الفلسطينية.