يصاب المرء فينا بالحيرة حين يرى اختلاط المواقف السياسية عليه من مختلف الأطراف، وكأننا بتنا أمام أحجية متعسرة الحل، وكان آخرها الطلب الإسرائيلي من مصر أن تمارس ضغوطها على السلطة الفلسطينية لعدم فرض عقوبات جديدة على قطاع غزة!
طبعًا، دعوكم من الحالة المعيبة والوضع المزري الذي تجد السلطة الفلسطينية نفسها فيه، وهي "تقاوم" ضغوطًا إسرائيلية ومصرية وأممية، بعدم التورط أكثر بتجويع من يفترض أنهم شعبها المقيم في غزة، لأن الحالة الفلسطينية تجاوزت منذ زمن أي بعد أخلاقي ومعيار إنساني، وهي تنتقل من سقوط إلى آخر، حتى وصلنا القاع، وما للقاع من حدود.
في هذه الأيام تنشغل المؤسسة الإسرائيلية بمختلف فروعها: السياسي والعسكري والأمني، بتطورات قادم الأيام التي قد تحمل في ثناياها إعلانا من السلطة الفلسطينية عن تنصلها من أي مسؤولية إدارية ومالية عن مليوني فلسطيني في غزة، وما قد يترتب على ذلك من تبعات ميدانية ونتائج أمنية، ستلقي بظلالها السلبية بالتأكيد على الواقع الإسرائيلي، كما تهدد المقاومة، وتتوقع إسرائيل في الآن نفسه.
تواصل إسرائيل بذل الجهود مع المبعوثين الدوليين والمؤسسات المانحة لمحاولة "إبقاء رؤوس الفلسطينيين في غزة فوق الماء"، وترسيخ التعامل مع صيغة "غزة لا تحيا ولا تموت"، ليس حبًا بالتأكيد في سواد عيون أهل غزة، لكنها الخشية الإسرائيلية من انفجار الأوضاع في وجهها، يجعلها مبقية على أنبوب الأوكسجين الذي يبث الحياة في أدنى مستوياتها لأهل غزة.
اليوم، تبدي إسرائيل قلقًا واضحا من بدء العد التنازلي لتنفيذ أبو مازن تهديداته ضد غزة، والتسبب بإيصال الوضع فيها إلى حالة من الفوضى والفلتان، والإعلان أنها منطقة منكوبة، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وهذا القلق بحد ذاته مثار استغراب حقيقي، واندهاش جدي.
فهل إسرائيل هذه التي توفر الحماية الأمنية للسلطة الفلسطينية ورئيسها في الضفة الغربية لا تستطيع أن تمنعه بجرة قلم من تنفيذ تهديداته ضد غزة، وهل يحتاج الأمر لأن تبذل إسرائيل جهودًا وتجري اتصالات وتبعث بوساطات إلى المقاطعة للحيلولة دون المضي قدمًا في عقوباتها المميتة ضد غزة، أم أن الأمر لا يعدو كونه تبادل أدوار بين رام الله وتل أبيب ليس أكثر؟!
الحقيقة أننا أمام مشهد سريالي يسعى فيه العدو الإسرائيلي لمنع السلطة في رام الله من ذبح أهلها في غزة، وكأننا بتنا أمام حالة "الإخوة الأعداء" الذين ينتظرون طرفا خارجيا يحول دون أن يجهزوا على بعضهم حتى النهاية.. من منا رأى في أشد كوابيسه حلكة أن نصل هذه الهاوية، ليتنا متنا قبل هذا، وكنا نسيًا منسيًا، في أي صفحة سوداء سيكتب التاريخ ما تقترفه أيادي القوم في المقاطعة بحق غزة وأهلها الطيبين؟!