في الذكرى السابعة عشر على رحيل الكاتب والشاعر، والإنسان " محمد الماغوط " السوري الأصل، عربي الانتماء، الذي لم يقف الفقر عائقا في مسيرته الابداعية، ولم تكن اتمام الدراسة قبل وصوله إلى الثانوية العامة تشكل له حاجزا نحو عالم التميز والانطلاق في لغة منفردة ومدرسة مختصة تعددت بها أشكال الفن والمواهب والأدب، حتى تكون أحد المعالم والمدارس التي لها المكان والحضور الفكري والسياسي والثقافي، في عالم يحتاج إلى العديد من أمثال "محمد الماغوط" وشخصيته الفكرية في رحاب المفردات واللغة والأسلوب المنفرد، الذي انطلق بخطى واثقة نحو عالم الشعر والسينما والمسرح والمقالات في خلطة سحرية كاملة المزايا والأوصاف ، لتحقق الانجاز والامتياز بأن تكون الجرح النازف والدواء العارف للوجع الإنساني من الاستعباد والاضطهاد والظلم والظلمات.
الكاتب المسرحي والسينمائي والشاعر والروائي وعنوان الكلمة الحرة وروح الفن السياسي الساخر المناضل"محمد الماغوط"، صاحب وطن الأسلاك الشائكة والحدود المغلقة، التي جاءت في كتابه "سياف الزهور" المختلط بمزيج من المقالات ومزيد من قصائد النثر والخواطر الإبداعية القصيرة، التي تفيض بالنقذ الآذع والحزن الشديد على الواقع العربي بكل تفاصيله من المحيط للخليج.
محمد الماغوط ذلك البدوي الأحمر الذي اعتلى صهوة الوطن عبر جواده المحلق في عالم الفكرة والإنسان، ليسافر به قريبا وبعيدا... نحو كاسك يا وطن وشقائق النعمان وغربة وضيغة تشرين وسأخون وطني ونحو العصفور الأحدب، والتي كلها تعبر عن مقولته "أنا متشرد، أعظم من كل الثورات، وأترأس مظاهرة عالمية، ضد قتلة الدم والرغيف والحرية".
محمد الماغوط الذي احترف الأدب السياسي الساخر، والذي قام بتأليف العديد من المسرحيات الناقدة، التي لعبت دوراً كبيراً ومميزا في تطوير المسرح السياسي في الوطن العربي، فكان "الماغوط" في أدبه السياسي الساخر، المعتق بوشاح الحزن والألم والحلم والأمل يشكل معنويا وطنا شائكا بالأسلاك وحدودا مغلقة كتوصيف دقيق جاءت مفرداته في فيلم "الحدود" على طريق الصحوة الانسانية من أجل كل عربي شقيق، فلهذا كان "الماغوط " عنوانا مجازيا للشوراع المقفرة والواقع المتشرد التائه وللستائر المسدلة عنوة وللنوافذ المطفأة في واقعنا الإنساني والسياسي معا، الذي تعتبر حالة تكوينية تكاملية صامتة وفي نفس الوقت انشطارية متمردة على الفقر والجوع وعلى نوافذ الأسر وبلاط القبر، من أجل انبعاث روح الحياة والأمل من جديد نحو التجديد والتغيير والتأثير في كافة مناحي الحياة ولا سيما السياسية منها.
رحل "الماغوط " عن عالمنا جسدا، ولكن مازالت شقائق النعمان بثوبها الأحمر الفتان تحلق في عالم الفكرة والإنسان عالم "الماغوط" الذي اختار هويته كيف يكون الإنسان صلبا مبدعا رغم صهيل الروح من ألم النكبات وتراكم الأزمات، وهو القائل: "بدأت وحيدا وانتهيت وحيدا، كتبت كإنسان جريح، وليس كصاحب تيار أو مدرسة".
في ذكرى رحيل ضيعتنا القديمة وصوت الفنان "دوريد لحام" ، في مسرحية "شقائق النعمان " يجلجل خشبة المسرح "ويصرخ صادحا (وينك يا ضيعتي القديمة) رحل شوق الحياة والابداع والألم والأمل "محمد الماغوط" مبكرا، ولكن سيبقى واحة الابداع وعالم الاستثناء، وإلى روحه المناضلة وردة وسلام.