لماذا كلما سمعنا طلبا بحل المجلس التشريعي الحالي ينبري الكثيرين للمعارضة والدفاع عنه ؟ البعض يتسلح بالصلاحيات ونصوص القانون الأساسي ، والبعض الآخر يتسلح بخوفه على انهيار السلطة أو تكليف مجلس غير مختص باختصاصات لا يمكن له القيام بها ،، وهكذا يكثر الجدل حول هذه القضية بين القانون والصلاحيات ..
صحيح أن القانون الأساسي للسلطة نص في المادة " 47مكرر " بشكل واضح وصريح أن " تنتهي مدة ولاية المجلس القائم عند أداء أعضاء المجلس الجديد المنتخب اليمين الدستوري " ،، والمادة التي تسبقها تحدد أن مدة عمل المجلس هي أربع سنوات ، ولكن تيقى هذه المادة هي المحددة في حال عدم إجراء الانتخابات في وقتها لأي سبب من الأسباب ,,
هذا كلام صحيح وواضح وصريح ولكن الحديث هنا عن مجلس قائم ويمارس صلاحياته ، ويقوم بدوره حسب القانون الذي أعطاه كل الصلاحيات بقوة القانون ، ودون استئذان من أي طرف ، بصفته سلطة مستقلة قائمة بذاتها ، بل إن المجلس التشريعي الأول أرسى قواعد أساسية في فرض استقلال المجلس التشريعي من خلال شكل اليمين الدستورية للأعضاء ، فإن المجلس يقسم اليمين أمام نفسه ، في إشارة صريحة أن لا مسئولية لأحد على أعماله أو قراراته ،،
ويجب على المجلس التشريعي أن يدافع بكل قوة عن دوره وقراراته التشريعية والرقابية المباشرة كمجلس قائم بذاته يحسب له الجميع ألف حساب ، فالحكومة مجتمعة لا تمارس صلاحياتها إلا بعد منحها الثقة من المجلس وهي مسئولة أمامه ، وكل وزير أو رئيس سلطة من السلطات المشكلة يجب عليه المثول للمساءلة حول أي استفسار أو سؤال يقدمه أحد أعضاء المجلس ، وقد يحال الى اللجان المختصة ويكون للمجلس موقف من كل مساءلة .
خلال عمل المجلس التشريعي الأول عدد من الحكومات اضطرت للاستقالة الجماعية خشية من حجب الثقة عنها ،، ولا يكاد ينجو وزير من المساءلة والمتابعة ,, وفي كثير من الأحيان يحدث الصدام والخلاف مع رئيس السلطة في ذاك الوقت مع الرئيس الرمز ياسر عرفات – رحمه الله - حول الكثير من القضايا والمواقف ولكن المجلس بمجموع أعضائه – موالين ومعارضين للرئيس - كانوا حريصين على المجلس كمؤسسة وعدم السماح من الاقتراب من صلاحيات المجلس أو إضعافها ،، وبقي المجلس عنوانا لكل الإشكاليات الداخلية ، وتحت قبته كانت تعقد اجتماعات الفصائل الفلسطينية جميعها وكذلك النقابات وأمام ساحاته كانت الفعاليات الشعبية المطالبة بحقوقها ،، بل كانت المعارضة تجد متنفسها هناك عندما تشعر بالظلم ،، وكان أعضاء المجلس بغالبيتهم يستمعون الى شكواهم ويعملون جهدهم لإيصال صوتهم للمسئولين ..
ولكن عندما يتنازل المجلس عن هيبته وعن دوره ويستسلم لواقع صعب وبائس ، والأصل أن ينأى بنفسه عن كل الخلافات الفصائليه ويتعامل بروح المؤسسة التي جاءت لتمثل الكل الفلسطيني داخل فلسطين ، وترفع صوته عاليا وتقف الى جانبه ، وترفض بكل قوة أي محاولة لتهميشه أو تجاوزه بل تكون على رأس كل جهد فيه مصلحة لشعبنا ،، عندما يتنازل المجلس طواعية عن تمثيله للكل الفلسطيني ويصبح عبارة عن مجموعات متنافرة كل مجموعة تمثل فصيلا أو حزبا أو فكرة خاصة وتستقل كل مجموعة بذاتها ،، وتدعي كل جهة أنها تملك حق التمثيل وحدها ،، عندما يصبح هذا المجلس جزءا أصيلا من الانقسام الأسود ويمارس فكر الانقسام على أرض الواقع ،، في غزة تجتمع كتلة التغيير والإصلاح – حماس – في مقر المجلس غزة بشكل دوري -ومقاطعة باقي الكتل لها- لتعلن قرارات وقوانين كبديل عن المجلس وليس جزءا منه ،، وعندما تجتمع كتله فتح مع باقي الكتل - ومقاطعة كتلة حماس – في مقر المجلس رام الله وتشكل لجان عمل خاص بها وكأنها تقوم مقام المجلس التشريعي ،،،
أمام هذه الحالة هل بقي المجلس يمارس دوره كما نص عليه القانون ؟ هل بقي في الأساس قانون نستند إليه أمام هذه الحالة الغريبة العجيبة ،، وكل طرف يحاول التفسير والتلاعب بالنصوص لتبرير ما يقوم به ..
وأمام هذه الحالة السوداوية للمجلس التشريعي الحالي ،، فإنني أرى أنه أمام خيارين لا ثالث لهما ،، إما أن يصحو أعضاء التشريعي أنفسهم من خلال التخلص من حزبيتهم الفاقعة ويتصرفون كما هو منصوص عليه في القانون الأساسي وبفرضون رأيهم بقوة القانون ، وينقذون السلطة التشريعية التي يمثلونها ، ويجتمعون ويمارسون صلاحياتهم كمجلس فوق الجميع وهو سيد نفسه ،، ولا يسمحون لأي كان بتجاوزهم في أي مسألة تخص الوضع الداخلي الفلسطيني لأنهم في الأصل العنوان الجامع للكل الفلسطيني ..
أو عليهم الإ‘علان صراحة أنهم فشلوا في تحقيق ذلك ويتحلون بالمصداقية والشجاعة ويعلنون استقالة جماعية لإنقاذ الموقف وليكن بعد ذلك الذهاب وفورا وحسب الفانون الى انتخابات تشريعية جديدة ، والتي هي في الأساس أصبحت منذ زمن واجبة ،، ويعيد هؤلاء النواب الأمانة الى الشعب كي يقرر من جديد ،، فرض واقع لتحقيق ذلك .
هما خياران قانونيان يملكهما النواب ، فإذا كابروا ورفضوا الاعتراف بالحقيقة ،، فلا يتحدث أحد عن قانون أو صلاحيات لأنهم يكونون هم أول من طعن هذا القانون وتجاوزوه ،، الوضع الذي نعايشه يحتاج الى شجاعة ورؤية إبداعية لإنقاذ ما يمكن انقاذه ..